تشهد الساحة الإعلامية انقساما حادا وقاسيا يسهم إلي حد كبير في زيادة حجم الأزمة السياسية الحالية حول الدستور بين القوي الإسلامية من جانب والقوي السياسية المختلفة معها من جانب آخر. ولعل المتابع لهذه الأزمة يجد أن الإعلام الإسلامي لم يصل فيها حتي الآن رغم مرور قرابة العامين علي قيام الثورة والتمكين للإسلاميين فشل إلي حد كبير في المواجهة باعتراف أصحاب القنوات الإسلامية ورموزها انفسهم بل وبسببهم.. وتأثرهم بالسياسات القديمة التي عاشوا في ظلها سنوات طويلة. وهنا يطرح السؤال الصعب لماذا فشل الإعلام الإسلامي في مواجهة الإعلام الليبرالي والدفاع عن قضاياه المتعلقة بالفكرة الإسلامية؟. ومتي يمكن للإعلام الإسلامي أن ينهض من كبوته ليساند التمكين السياسي للإسلاميين؟ بداية دعونا نحصر كم القنوات المحسوبة علي التيار الإسلامي ومناهجها ورؤاها وملابسات تعاملها مع القضية كل علي حدة. فالقنوات الإسلامية هي قنوات الناس. الرحمة. الشباب. الحكمة. الحافظ. الخليجية. أزهري. مصر 25. الفتح. النجاح. صفا. وتلك القنوات تعاملت كل منها علي طريقتها مع المعركة السياسية وسنرصد لكم كيف تعاملت أبرز تلك القنوات مع القضية السياسية وتطوراتها منذ قيام الثورة حتي الآن. قامت ثورة يناير 2011 ومعظم القنوات الإسلامية كانت متوقفة عن البث لأسباب في معظمه بسبب تضييق الدولة المتعمد ضدها وحوت معظم هذه القنوات علماء التيار السلفي الذين مال معظمهم في بداية الأمر لتحريم الخروج علي الحاكم إلي أن تم الصمت حتي مالت كفة الثورة فمالوا معها جميعها وأضحي معظمهم ثوارا مستترين إلي أن فجرت الثورة ما لديهم من طاقة كبيرة واخذوا يتبارون في دم الثورة التي جبلت علي الصبغة الإسلامية منذ عصر يوم الثامن والعشرين من يناير 2011 واخذت الأمور تتشكل بعدها لنظر هيئات إسلامية معتبرة تمثل تجمعات للمشايخ من نجوم تلك الفضائيات أولها كان الدعوة السلفية في الاسكندرية التي انبثق عنها حزب النور. ومجلس شوري العلماء الذي ترأسه الدكتور عبدالله شاكر رئيس جمعية أنصار السنة والذي ضم في عضويته الشيخ محمد حسان والدكتور مصطفي العدوي وغيرهما من رموز التيار ا لسلفي. ثم تشكلت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ليتولي أمانتها الدكتور محمد يسري وليضم في عضويتها رموزا تجمع التيارين السلفي والإخواني فضلا عن بعض أساتذة وعلماء الأزهر وجميعها هيئات ارتبطت بالتغير السياسي في البلاد وتشكلت أيضا لأغراض تخدم النهوض السياسي الإسلامي ولعبت تلك الهيئات الثلاث دورا بالغ الأهمية في حسم الجدل السياسي في الانتخابات الرئاسية علي وجه الخصوص ووقفوا جميعا في اللحظات الأخيرة مع الرئيس محمد مرسي ومشروعه للنهضة وحتي بعد نجاحه ومليونيات دعمه والتقوا مع الرئيس عدة مرات. القنوات الإسلامية والسياسة سعت قنوات إسلامية عديدة إلي ممارسة العمل السياسي بشكل قوي وتنوعت في توجهاتها ففي قناة الناس اتجهت القناة في وقت مبكر إلي تقديم برامج سياسية علي شاشتها فقدمت الشيخ المهندس خالد عبدالله كمقدم للتوك شو السياسي ليقوم بمهمة غاية في القوة والقسوة في مواجهة التيارات الليبرالية المنافسة والقوية بكل إمكاناتها المادية والتكنو لوجية ومن يحملون تلك الإمكانات من أبرز مقدمي البرامج علي الساحة الإعلامية ورغم قوة اسلوب الشيخ الإعلامي خالد عبدالله إلا أنه بالغ في سب الآخرين إلي درجة خروجه عن النص الإعلامي المهني طالقا للسانه العنان في سب كل من يتحدث في القنوات الليبرالية منهم فاطلق علي بعض نجوم الإعلام القابا حفظها الشارع منها إبراهيم عيسي "خالتي اللتاته أم حمالات" وعادل حمودة "عادل حدوته" ومجدي الجلاد "المشنق" وغيرها القاب كثيرة علي مني الشاذلي ولميس الحديدي وخيري رمضان ومحمود سعد ويسري فوده وباسم يوسف تزقيث عكاشه وغير هؤلاء. وهو ما اخذه البعض علي شيخ بدقن وعلامة صلاة ويسب ويلعن ويتنابذ بالألقاب بهذا الشكل. وهو ربما الأمر الذي جعل إدارة القناة الجديدة تسعي إلي عمل برامج سياسية جديدة منها برنامج يومي مسائي "م الآخر" وبرامج أخري منها التوك شو الصباحي وبرامج أخري تقدم خطوات تجمع بين المهنية الإعلامية وخدمة التيار الديني. كما كانت القناة في طريقها إلي تغيير سياساتها بشكل كامل لتصبح قناة عامة شاملة إلا أن إدارة القناة رضخت لضغوط من رموز التيار السلفي جعلتها تعود إلي حيث كانت لكن الإدارة لا تزال تحاول إلي حد كبير في ذلك الإطار. أما قناة الرحمة والتي يملكها الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسان ويتولي منصب مديرها العام شقيقه الشيخ محمود حسان فسعت بشكل كبير منذ قيام الثورة إلي ممارسة الإعلام المهني بشكل يحمل أبعادا سياسية كثيرة إلي الدرجة التي انشأت معها صحيفة سياسية اسبوعية من ذات المرجعية هي جريدة الرحمة. وقدمت العديد من البرامج السياسية من خلال استضافة المرشحين للرئاسة والفائزين في الانتخابات البرلمانية في برامجها إلي أن تم تدشين أول برنامج توك شو كامل في القناة قام عليه مقدمون للبرنامج صحفيان يمارسان عملا إعلاميا استكمل الرسالة بشكل ناجح بشهادة المتابعين التي حدثت أزمة خرج علي أثرها وتم إلغاء البرامج السياسية في القناة في 7 مايو الماضي قبل انتخابات الرئاسة ب 20 يوما وهو ما تم بعده عودة القناة للقالب الدعوي فقط والبعد عن الحديث في السياسة إلا علي استحياء شديد فيما عدا برامج الشيخ محمد حسان التي عادة ما تكون في الأوقات الحساسة لتقدم رؤي سياسية متعلقة بالدعوة الشرعية. قناة الحكمة قدم عليها الدكتور وسام عبدالوارث برنامجا للتوك شو السياسي وكانت القناة تخدم توجهات سلفية خالصة وأبرز ما تميزت به تغطياتها المباشرة للحملة الرسمية للشيخ حازم أبوإسماعيل إلي أن خرج من السباق فجاءت أحداث جمعة العباسية التي تسببت في حدثين إعلاميين إسلاميين هما وقف البرامج السياسية بالرحمة واستقالة وسام عبدالوارث علي الهواء مباشرة وهو ما تسبب بعدها في غلق قناة الحكمة. قناة الشباب كانت عقب الثورة القناة الإسلامية الأقرب إلي الميدان حيث قدمت مجموعة من البرامج السياسية الخالصة منذ أبريل 2011 ولا تزال حتي الآن ووقتها اطلق عليها البعض أنها قناة الإخوان الشعبية إذ قدمت برامج منها التوك شو السياسي اليومي "أحداث الساعة" الذي تطور ليصبح "أهل كايرو" ثم برامج عديدة لاقت قبولا كبيرا ولا تزال تقدم طرحا قويا في الجانب السياسي. ومصر 25 قناة الإخوان الرسمية والناطقة باسم الحرية والعدالة التي تقدم بإمكانات هائلة إلا أنها تنطق بلسان الإخوان فرسالتها رغم قوتها إلا أنها في النهاية تنطق باسم الحزب الحاكم. الحافظ قناة يترأسها الدكتور عاطف عبدالرشيد ويقدم هو برنامج التوك شو السياسي فيها ورغم أنه يقدم رؤي رصينة إلا أنه أخذ عليه سماحه لبعض المشايخ بسب ولعن الرموز السياسية والفنانين. وتأتي قناة أزهري إلي جانب باقة القنوات الإسلامية إذ تقدم علي شاشتها هذه الأيام تجربة إعلامية جديرة بالتقدير من خلال توك شو سياسي يومي "المنتدي" الذي يقدم تنوعا ثقافيا وسياسيا محترما للمتابع بعيدا عن التصنيف السياسي للقناة. الإعلام والتحول السياسي وعن أسباب فشل الإعلام الإسلامي في مواجهة القنوات الليبرالية يقول الدكتور سعيد توفيق رئيس قناة الشباب: إن الإعلام عمل يرتبط إلي حد كبير بالاستثمار كرأس مال وتدفق إعلاني يمول هذا الاستثمار لينتجا معا منتجا إعلاميا قويا ومخدوما يراعي حاجة المشاهد ويحترم عقليته لكن القنوات الإسلامية عموما ميزانياتها تكون محدودة وراغبة في التواجد القوي لكنها لا تملك نصيبا علي الاطلاق من الإعلانات في مصر إذ تشترط القنوات الإسلامية في إعلاناتها عدم وجود امرأة وعدم وجود موسيقي وهي للأسف بضاعة كل الحملات الإعلانية الموجودة فضلا عن أن أصحاب المنتجات والبزنس القوي في السوق المصري عادة ما يخشي أن يحسب علي توجه بعينه وسط التغيرات السياسية الحاصلة فيؤثر السلامة ويبتعد. أوضح أن الإعلام الإسلامي يحافظ الآن رغم التحديات المادية الصعبة أن يقدم أفضل ما لديه وأن يقدم طرحا إسلاميا إعلاميا قويا ومتوازنا يرتقي بذوق المشاهد عامة ويساعده علي متابعة الاحداث العامة برؤية ووجهة نظر إسلامية. وأنه يستكمل النجاح الذي حققته القنوات الإسلامية حين اتحدث في بث مباشر تبنت فكرته قناة الشباب وشاركت فيه قنوات الناس ومصر 25 والرحمة والحافظ والخليجية في اللقاء الأخير للرئيس محمد مرسي قبل الجولة الأخيرة الحاسمة وتناوب عليه في بث استمر قرابة الأربع ساعات مذيعون من كل هذه القنوات وهي فكرة لم تنجح في احرازها القنوات المنافسة وذلك يمثل نجاحا في حد ذاته.. مشيرا إلي أن مصر ستشهد في السنوات القادمة تطويرا كبيرا للقنوات الإسلامية يتفق وطبيعة التغيرات السياسية العامة وما سيتبعها من تغير في خريطة الاستثمارات ودعم القنوات الإسلامية بما يمكنها من آداء رسالتها المرجوة. الإعلام إعلام يشير الدكتور حسن صالح مدير عام قناة الناس إلي أن الإعلام إعلام ولا يجب أن يتم تصنيف الإعلام ما بين إسلامي وغير إسلامي لأن الإعلام هو الإعلام ومسألة الرسالة الإعلامية من الطبيعي أنها تختلف من قناة لأخري وهذا الاختلاف يميز كل قناة عن غيرها والمشاهد هو صاحب الحكم في النهاية.. مبينا أن قناة الناس تحاول أن تقدم دائما كل جديد علي الساحة الإعلامية وتطويرها في أعمالها مستمر إلي أن تصل إلي غايتها في أن تصبح قناة عامة منضبطة بضوابط الإسلام واحترام عقلية المشاهد. ويرفض الدكتور عاطف عبدالرشيد رئيس قناتي الحافظ والصحة والجمال الحديث عن فشل الإعلام الإسلامي لأن الإعلام الإسلامي قدم أفضل ما يمكن تقديمه للأمة من مساندة المشروع الإسلامي السياسي وهو ما يعني أننا لم نفشل. لكن حين نضع القنوات الإسلامية في مواجهة قنوات ميزانياتها بالمليارات فالمقارنة هنا تكون ظالمة فالميزانيات الضخمة تخدم أجنداتها بقوة دون أن تنتظر عائدا ورغم ذلك لم يخاطبها أحد باتهام واحد مما نواجه نحن باتهامات. عرض إلي أن الإعلام الإسلامي مشروع مهم لخدمة الفكرة الإسلامية ولا يقل في أهميته عن المشروع السياسي وكل منهما يخدم الآخر ثم إن كل هؤلاء النجوم الذين ملأت سيرتهم الآفاق لم يكن ليعرفهم أحد لولا الإعلام وبالأخص الإعلام الإسلامي الذي رفع الحظر عن كل ما هو إسلامي قبل الثورة وقدم رموز التيار السلفي وغيرهم كثيرين وكل هذا مما يحسب لهم. حالة فشل أما من ينتمون للتيار الليبرالي فيتهمون الإعلام الإسلامي بالفشل الذريع وفي ذلك يقول الناقد سليم عزوز ان قنوات الإسلاميين فشلت فشلا ذريعا في تقديم الرسالة الإعلامية المرجوة منها وانحازت انحيازا أعمي للسياسات العامة للإسلاميين سواء الرئيس محمد مرسي وقراراته أو البرلمان وقوانينه وحتي التأسيسية ودستورها. وساهمت بشكل واضح في الشحن ضد القوي السياسية بل إن بعضهم أخذ الفرصة وبادر بالسب والقذف وهتك الأعراض والسب والشتم بما يخالف شرع الله ويخرج عن المهنية ويؤجج الفتنة. أشار الإعلامي حافظ المرازي إلي أن الإعلام الإسلامي وقنواته الحالية في مصر تفتقر إلي الإمكانات المادية والمهنية ويمارس إعلاما يعتمد في معظمه علي الهواة والمدعين وذلك سبب فشله الحقيقي. وأمامه فرصة قوية للغاية لتغيير الصورة العامة عنه لدي المشاهد استغلالا للمشهد السياسي بتغيراته الحالية. والقائمين عليه مطالبون بتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي واحترام الآداب العامة. وعليهم أن يدركوا أن الخطأ الذي يقبل من غيرهم ربما لا يقبله الناس منهم فلا يصح أن يتحول مشايخ الفضائيات إلي سبابين ولعانين ومكفرين ومخرجين للعوام عن الملة بدلا من أن يكونوا دعاة أمن وسلام. يوافقه الرأي الإعلامي وائل الإبراشي الذي يؤكد إيمانه الشديد بأن الإعلام كل لا يتجزأ ولا يجب أن يصنف لأن الإعلامي الحقيقي يجب أن يحكم مهنيته وميثاق الشرف الاخلاقي في أدائه المهني علي الشاشة. وطالما خلع عباءة الإعلام وارتدي أي عباءة أخري فهو حتما لا يمارس إعلاما بل يفعل شيئا آخر يسميه ما شاء إلا الإعلام. أبرز أن الإعلام المهني لابد أن يكون إعلاما حرا طليقا يحكم ضميره المهني فقط ولا يرضخ لضغوط هنا أو هناك أو يكفر أحداً هنا أو هناك لكن القنوات الدينية تمارس إعلاما موجها يحمل وجهات نظر مملاة لا تقبل الاجتهاد ولا يسمح لغير فقيه القناة ومشرفها العام أن يطلق افكارا بلا حد ليبقي هو النجم الأوحد وهذا أيضا لا يمت للإعلام بصلة.. مؤكدا أن ما تمارسه القنوات الدينية يمكن أن يكون منابر دعوة دينية ولا يمكن بحال من الأحوال أن يعتبر إعلاما لأن الإعلام له أصوله وضوابطه التي لا تنطبق علي تلك القنوات التي تعتمد عادة علي نجومية شيوخها لا محتواها المتوازن وذلك لب القضية.