ليست المشكلة في وجود الاختلاف. بل في توجيه ذلك الاختلاف وتفعيله. وجعله عنصراً من عناصر التفرق. بدل أن نجعله سبباً من أسباب التعددية الصحية الطبيعية. فكل مجموعة مستمسكة بنظرياتها وآرائها واجتهاداتها. ومن حق الجميع أن يكون له كل هذا. وأن يتحدث ويعبر عنه. إنما ليس من حق أحد أن يحاكم البقية إلي مقرراته وآرائه الخاصة وبرامجه. وعندما تنظر إلي الأممالغربية كأمريكا وفرنسا تجد داخل تلك الحدود خلافات هائلة وفروقات فلكية. ولكنها استطاعت أن توظف تلك الخلافات لإنشاء تعددية صحية تساعد علي وحدتها وقوتها. حتي في إسرائيل ذلك العدو المتاخم القريب. فيه: اليمين المعتدل. واليمين المتطرف. واليسار. والقصور والحمائم والأحزاب المختلفة التي تجتمع كلها في ¢الكنيست¢ وتوظف تلك الخلافات لمصلحة حاضر هذا الكيان الصهيوني ومستقبله. بينما في العالم الإسلامي اختلاف مَرَضي في السياسة والعلم وكل شيء. حتي عند رجل الشارع العادي فلن تجده أحسن حالا! إن أصل الاختلاف الفكري والعلمي والسياسي طبيعي بل ضروري. وحق مشروع ما دام للإنسان عقل وتفكير. وما دام يقدر علي التعبير عن رأيه وفكره. فالبشر فيهم من الاختلاف والتنوع والتعدد ما جعله الله قانوناً للحياة وعلامة علي قيامها ووجودها. فلقد خلق الله من كل شيء مقابلاً له يختلف عنه ليكمل به نقصه ويعينه علي نوائب الحق والدهر. يقول سبحانه وتعالي: ¢ومن كل شيء خلقنا زوجين¢. ولهذا كان سر الله سبحانه وتعالي في الحياة والخلق وجود هذا التنوع الذي جعله في الحياة قدراً. وكتبه في الدين شرعاً. فالناس يختلفون. ¢ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم¢. وحتي اختلاف الطباع والألسن والألوان. ¢واختلاف ألسنتكم وألوانكم¢. والحياة بدون اختلاف رتيبة مملة, وتخيل أن كل شيء في الحياة مثل بعضه: أشكال الناس وقاماتهم. كلماتهم. لباسهم. حركاتهم وتصرفاتهم. الطرق والبيوت والأشجار والأحجار. كلها لو كانت نمطاً واحداً لكانت مكرورة مكروهة: ¢ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.¢ "القصص:71 73". فاختلاف الليل والنهار وتصريف الرياح وتداول الأيام من آيات الله العظيمة علي بديع صنعه وشاهدة علي قانون الحياة وسنتها الجارية. أما البشر فإن اختلافهم طبيعة. وفوق ذلك كله في الفقه الإسلامي والفكر حق مشروع مصون. ورأي محترم. لدعم التغير الإيجابي والتغيير الإصلاحي نحو الأفضل. ومحمد صلي الله عليه وسلم يقول: "إني والله إن شاء الله لا أحلف علي شيء فأري غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير" رواه البخاري ومسلم. وجاء في منثور الحكم: الذين لا يغيرون آراءهم اثنان: الميت والجاهل. والعقاد يقول: ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجا وفي كل يوم ذو الجهالة يلحد ولقد وجد الاختلاف حتي عند الملائكة - في قصة قاتل المائة نفس الذي اختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب- كما في الصحيحين. والأنبياء عليهم السلام اختلفوا. فاختلف موسي مع هارون. وموسي والخضر. وموسي ومحمد صلي الله عليهم وسلم. وقال لوط عن قومه: ¢أو آوي إلي ركن شديد¢ فقال محمد صلي الله عليه وسلم: "رحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلي ركن شديد". واختلف أبو بكر وعمر أمام النبي صلي الله عليه وسلم. واختلف الصحابة في تأويل أمر النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" أخرجه البخاري ومسلم. فالاختلاف الفكري والمذهبي والفقهي تفرزه اختلاف النفسيات والطبائع. واختلاف الأفهام. واختلاف العقول. واختلاف الأهواء والمشارب. واختلاف الثقافات والخلفيات. واختلاف البيئات واختلاف العصور والزمان والمكان. وكل ذلك طبيعي إيجابي يوسع أفق الفكر ويفتح المجال الرحب الخصيب للحوار والجدال الأخلاقي العال. ولذلك لما جاء رجل إلي الإمام أحمد بكتاب له يريد أن يسميه كتاب الاختلاف قال له الإمام أحمد: سمه كتاب: ¢السعة¢» لأن هذا الخلاف يوسع مجال الترجيح. ويوسع علي الناس وينقذهم من مثالب الرأي الواحد. إن هذا الاختلاف ينبغي أن يكون أخلاقياً ما دام طبيعياً. وأن نتعامل معه بعقلانية وذكاء لتوظيفه واستغلاله في التوسعة علي الناس. لا للتضييق عليهم وحصارهم. فأخلاقيات الاختلاف تفرض نقداً عادلاً يتجه للأفكار لا للأشخاص. وتحريراً موضوعياً لمحل النزاع -كما يسميه الفقهاء- وتحريراً لأسبابه. وتجنب لغة الحسم والقطعية وابتعاداً عن الاتهام والخصام. وخضوعاً للدليل وركوناً للمحكمات الشرعية والثوابت الدينية القائمة. وعلي الجملة لابد أن يكون الخلاف مستساغاً والرأي بنّاءً وليس الخلاف من أجل الخلاف علي طريقة عنزة وإن طارت¢وتطبيق ذلك علي أرض الواقع وفي دنيا الأحداث اليوم ما يحدث ممن يُسمّون بدعاة الدولة المدنية من أمثال الموظف الأمريكي محمد البرادعي الذي يعلل انسحابهم من التأسيسية تعليلاً بهلوانياً زاعماً أنّ هناك في التأسيسية من لا يؤمن بقضية الهلوكست. ومنهم من يُحرّم سماع الغناء والموسيقي ومنهم من يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية مع ما فيها من ظلم للأقليات غير المسلمة وللمرأة وكانت أخر تقاليعه وافتكاساته أنّ الدستور الجديد اكتفي بالاعتراف بالديانات الكتابية كالإسلام والنصرانية واليهودية فقط وكان ينبغي علي واضعيه أن يراعوا البوذيين أيضاً وبناءً علي ذلك كان ينبغي أن يشيروا إلي الأذن لهم ببناء معابد لهم..... وتناسي البرادعي أن يطالب واضعي الدستور أن يضمنوه مادة تحظر علي الفلاحين والجزارين في مصر بعدم التعرض للبقر بسوء نظراً لأنّ إخواننا في الهند يقدسونها!!!! ومن جملة ما اعترض به القوم علي مسودة الدستور هو إنّه لم يأخذ من الوقت ما يكفي لإنضاجه وعلي ذلك يمكن وصفه بالدستور المسلوق!!! ولا يجد القوم نوعاً من الحياء ولو من جنس حياء الغوازي!!! وهم يعلنون بكل صفاقة ووقاحة من أنّهم تمكنوا من وضع دستور موازي تمّ إعداده في عشرة أيام فقط .أي والله عشرة أيام. ومن حقنا أن نسأل » إذا كان دستور الستة أشهر يمكن أن يوصف بالمسلوق!! إذن فأقل ما يوصف به الموازي أنه دستور ¢الني پفي ني¢. أمّا الرسالة التي ينبغي أن تصلّ إلي السيد الرئيس والحالة هذه هي » إنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. والتي لخصها المناضل الأمريكي الأسود في مقولته الشهيرة» ¢إنّ أحداً لا يستطيع ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً¢ فهولاء لا تناسبهم أساليب الطبطبة والمداداة لأنّ طبيعة النفوس الدنيئة هي البحث والتفتيش في أخطاء العظماء... سيدي الرئيس هؤلاء يفتقدون إلي أدني درجات الشرف والمروءة فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون.أنت تعلم قبل غيرك أنّ المشكلة ليست في الإعلان الدستوري أوغيره المشكلة في أنّ القوم لا يريدونك ولو كنت ملكاً من السماء . ويخططون لإسقاطك ودفعك بعيداً عن المشهد ولو كان الثمن هي أن تحترق البلاد من أقصاها إلي أقصاها. كان هذا هو تعليق الأخ حمادة نصار علي الأحداث الجارية وذلك عقب صلاة الجمعة بمسجد المحكمة بأبنوب.