كانت الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا قد فرضت علي اليهود الحياة في أحياء خاصة "الجيتو" كما فرضت عليهم زياً خاصاً وحرمت عليهم الاتصال بالمجتمع المسيحي أو المصاهرة إليه.. ووقف الملوك والحكام منهم موقف الازدراء والاحتقار والقتل أحياناً. فقام اليهود بتأسيس الماسونية وهي جمعية سرية يهودية وكان الغرض من تأسيسها محاربة الدين المسيحي.. ثم تطور غرضها إلي محاربة جميع الأديان وإعادة مجد إسرائيل والعودة إلي أرض فلسطين. وفي عام 1717م أسس أول محفل ماسوني في بريطانيا وكان شعاره "الحرية والإخاء والمساواة". وقد مكثت الماسونية نحو نصف قرن تعد محافلها أفكار الشعب الفرنسي للقيام بثورته الكبري. والتي تبنت نفس الشعار الذي رفعته الماسونية ففتحت بذلك لليهود مكاناً للمساواة مع الأجناس الأخري في أوروبا. وقد اعترف اليهود في بروتوكولاتهم بأنهم كانوا وراء نجاح الثورة الفرنسية وشعارها.. فقد ورد في البروتوكول الأول.. "كذلك كنا قديماً أول من صاح في الناس الحرية الإخاء المساواة" كلمات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعارات. إنهم لم يروا أنه لا مساواة في الطبيعة. وأن الطبيعة قد خلقت أنماطاً غير متساوية في العقل والشخصية والأخلاق والطاقة.. وكذلك في مطاوعة قوانين الطبيعة". ومن الغريب أنه قبل قيام الثورة الفرنسية 1789م.. لم يكن أحد من المفكرين أو الفقهاء المسلمين يتبني مبدأ المساواة باعتباره من المباديء التي نادي بها الإسلام.. ولم يوجد مؤلف يحمل عنوانه هذا المبدأ. بل لم يذكر في باب من أبواب الفقه الإسلامي ولا في أي مذهب من المذهب الإسلامية علي كثرتها وتنوعها. وإنما بدأت الكتابات والمؤلفات تتوالي عن هذا المبدأ في المجتمعات الإسلامية خاصة المجتمع المصري بعد قيام الثورة الفرنسية ومجيء الحملة الفرنسية علي مصر بعد قيام الثورة هناك بحوالي عشر سنوات في 1799م. فكان ظهور مبدأ المساواة أثراً من الآثار الثقافية للحملة الفرنسية. بدأ الفقهاء والمفكرون الإسلاميون الكتابة عن المساواة باعتبارها مبدأ إسلامياً.. وذلك تحت تأثير الغزو الثقافي المصاحب للحملة الفرنسية.. ومما عمق هذا الاتجاه بين المفكرين الإسلاميين هو البعثات العلمية التي أرسلها محمد علي فيما بعد وكانت معظمها إلي فرنسا.. فتشبع العلماء بتلك الشعارات وأقحموها في الفكر الإسلامي والتمسوا لإثبات ذلك المبدأ الأدلة من الكتاب والسنة فلما أعوزتهم عمدروا إلي الأدلة الواردة في شأن العدالة والإخاء الإنساني ووضعوها عنوة تحت عنوان المساواة وبذلك أدخل هذا المبدأ علي الإسلام وهو منه براء. والحقيقة الماثلة أمامنا أن التنوع سنة الحياة وغايتها. وانها تنزع إلي تفاوت المزايا. ولا تنزع إلي التشابه والتساوي في مظاهرها الإنسانية. ولا في مظاهرها الحيوانية. ويوشك أن يعم ذلك عالم الجماد قبل عالم الحيوان أو الإنسان. وحكمة التفاوت ظاهرة. وآفة التشابه والتساوي أظهر. لأن الحياة تفتقر إلي المزايا إذا قصرت حركتها علي تكرير صورة واحدة في كل فرد من الأفراد وجعلهم كلهم نسخة واحدة. إنك لن تتخيل في الدنيا ظلماً أو بل من ظلم التسوية بين غير المساويين. إنما العدل الحق في مسألة الطبقات أن الناس متفاوتون بالفطرة فينبغي أن يتفاوتوا بالفضل والجدارة ولا يتفاوتوا بالمظهر والتقليد.. "الفلسفة القرآنية ص42". التساوي لا يوجد في عالم الطبيعة بحال من الأحوال.. إنه لا يوجد بين الحيوانات في الغاب ولا يوجد بين بني ادم في المدن أو في القري. إن الله لم يسو بين الناس في ألوانهم. ولا في قوتهم الجسمانية. ولا في ذكائهم. ولا في دهائهم ومكرهم. ولا في أرزاقهم وحظوظهم. ونظام الطبقات الذي ننتقده ونشنع عليه إنما هو النظام الواقع فعلاً في جميع أقطار الأرض. وأفلاطون وهو فيلسوف نابه قسم جمهوريته المثالية إلي طبقات وذلك بحسب استعداد كل طائفة من الطوائف "طائفة الإنتاج. وطائفة الجند. وطائفة القادة".