ما أمَّس حاجة القلوب إلي جلاء فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد. وما أمَّس حاجة النفوس إلي بناء.. وجلاء القلوب وبناء النفوس بقدر الله وتوفيقه وهداه "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها" وبمجاهدة العبد "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".. من هنا تأتي التذكرة الطيبة تعيها أذن واعية بركائز بناء النفوس في ظلال الشريعة الغراء. مع آية قرآنية محكمة. هادية راسخة. تشمل أمهات الفضائل ورءوس الرذائل تعد الآية دستوراً سماوياً ونهجاً قرآنياً لتجلية القلوب وبناء النفوس وإقامة مجتمع تصان فيه الحقوق.. حقوق الإنسان.. حقوق المواطنة.. حقوق العيش الكريم.. تحقق الأمن والأمان والسلم والسلام دينا. والنجاة والفوز أخري.. جامعة بين الصلاح والنجاح والفلاح في جمع فريد ونظم سديد قال العزيز المجيد في قرآنه المجيد: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون". ثلاث فضائل مأمورات: العدل. الإحسان. إيتاء ذي القربي.. وثلاث رذائل محظورات: الفحشاء. المنكر. البغي.. في مجموعها الستة تظهر ملامح الشخصية المسلمة والمجتمع المسلم. مع أمهات الفضائل والتعبير القرآني المعجز "يأمر" العدل: العدل علي نوعين: عدل بين العبد وربه ومفهومه: إيثار حقه - تعالي - علي حظ نفسه. ورضاه علي هواه. والامتثال للأوامر والاجتناب للزواجر. عدل بين العبد وغيره من خلق الله - سبحانه: بذل النصيحة. وترك الخيانة فيما قل أو كثر. قال مولانا وسيدنا محمد رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله علي منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" - رواه مسلم -. ونقيض العدل الظلم المسبب للشرور والفجور لذا حذر وأنذر وتوعد وهدد الجبار - جل وعلا - "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون. إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء. وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلي أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم ليزول منه الجبال. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار. وتري المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشي وجوههم النار. ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب. هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب" - سورة إبراهيم. وقال سيدنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة. ويأتي وقد شتم هذا. وقذف هذا. وأكل مال هذا. وسفك دم هذا. وضرب هذا. فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه. أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرح في النار" - رواه مسلم. ومن جيد ما يستشهد به: بينما مولانا الإمام الحسين - رضي الله عنه وآله - في داره سمع ملتاعا يقول بحرقة: ألا موت يباع فأشتريه فإن هذا العمر لا خير فيه رحم المهيمن نفس حر تصدق بالوفاة علي أخيه فخرج إليه وقضي حوائجه ورفع مظلمته. قال الراوي: "لقد ظل الحسين يبكي مدة يقال له: أنت رفعت مظلمته فعلام البكاء. يقول: أخشي أن تصيبني دعوته" الإحسان: حقيقته: العفو عمن أساء إليك. والصلة لمن قطعك. والعطاء لمن حرمك. قال الله - عز وجل: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين". وقال مولانا رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان علي كل شيء.." الحديث قدوة المحسنين - صلي الله عليه وسلم - في الطائف "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" في مكة "اذهبوا فأنتم الطلقاء".. الإصلاح المجتمعي في قمة الإحسان "فأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين". "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".. لا تصفية حسابات.. لا ثأرات كثأر الجاهلية.. لا تخوين.. لا تكفير أو تشريك أو تبديع أو تجهيل.. بل إحسان عام يداوي الجروح والقروح.