نستكمل ما بدأناه في العدد الماضي حول ردودنا علي الشبهات المثارة ضد الإسلام. الشبهة الثالثة:شبهة كتابة القرآن دون نقط أو شكل: الشبهة: لقد كتب القرآن بدون تنقيط أو تشكيل ولكنه نقط بعد وفاة النبي والنقطة في اللغة العربية ربما تقلب المعني رأساً علي عقب. ما هي الضمانة علي مطابقة القرآن الحالي بالأول؟ فعلي سبيل المثال لماذا كتبت لفظة خليفة في قوله: ¢إني جاعل في الأرض خليفة¢. لماذا لم تكن خليقة بالقاف؟! أرجو التوضيح؟ الجواب: من يسأل هذا السؤال يتجاهل الحقائق الناصعة في وسائل حفظ النّصّ القرآني. حيث سخّر الله له من مقتضيات الضّبط ما لم يتوافر لأي نصّ مقدّس. والتّاريخ شاهد عدل علي ذلك. والواقع يؤكّده. فهذه المستحدثات العلميّة من التّسجيلات الصوتيّة والغيرة الإيمانيّة عند جموع المسلمين من الشرق والغرب حين يحدث أي خطأ في التّلاوة أو في الكتابة. والحرص الشّديد علي دقّة الضّبط حتّي في رسم المصحف علي الخط العثماني. كُلّ هذا يبرهن لمن له عقل علي استحالة تحريف أي لفظ من كتاب الله لا في شكل ولا في نقط. وإذا كان هذا السّائل المغرق في الخيال يفترض وضع "الفاء" موضع "القاف" في "إِنِّي جَاعِلى فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" "البقرة:30" فلماذا حكم علماء القراءات علي قراءة مَن قرأ قوله تعالي: "لَقَد جَاءَكُم رَسُولى مِنْ أَنفُسِكُم عَزِيزى عَلَيْهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصى عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفى رَحِيمى" "التوبة:128" بضبط "أَنفُسِكُم" بفتح الهمزة والفاء من النفاسة والشرف- بأنّها قراءة شاذّة مع أن معناها سليم فالرسول صلي الله عليه وسلم من أنفس وأشرف القبائل العربيّة والخط في كلتا القراءتين لا يختلف إلاّ بالشّكل؟! إنّ التّلقّي لنصّ القرآن شرط أساسي حتّي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم . فقد كان يتلقّاه من ربّ العزّة عن طريق جبريل. ويراجعه مرّة ومرّتين. وقال الله له: "وَإِنكَ لَتُلَقي الْقُرْآنَ من لَدُن حَكِيمي عَلِيمي" "النمل:6". وقد سارت الأُمّة جيلاً بعد جيل علي عدم الاعتماد علي قراءة المصحف دون مُعلّم حافظ متقن. ومن يتأمّل الآن في دروس الأداء والتّجويد حين يدقّق المُعلّم في الترقيق والتفخيم والنبر والوقف والابتداء والغنّة والإخفاء. يدرك أن ألفاظ القرآن بلغت حدّ اليقين علي مدي العصور. وسيظل كذلك إلي يوم الدّين. رابعًا:شبهة الإشاعة في عدم إخفاء الساعة: الشبهة: قوله تعالي: "إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةى أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَي كُلُّ نَفْسي بِمَا تَسْعَي" "طه:15". هذه الآية الكريمة يتوهم منها أن الله جل وعلا لم يخفها بالفعل ولكنه قارب أن يخفيها» لأن "كاد" فعل مقاربة. وقد جاء في آيات أخر التصريح بأنه أخفاها كقوله تعالي: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةي إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةي فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبي وَلا يَابِسي إِلاَّ فِي كِتَابي مُبِيني" "الأنعام:59". وقد ثبت عنه صلي الله عليه وسلم أن المراد ¢بمفاتح¢ الخمس المذكورة في قوله تعالي: " إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسى مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسى بِأَيِّ أَرْضي تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى خَبِيرى" "لقمان:34". وكقوله: "يَسْأَلُونَكَ عَن السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُل إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَت فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُم إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيّى عَنْهَا قُل إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" "الأعراف:187". وقوله: "فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا" "النازعات:43" إلي غير ذلك من الآيات. الجواب: الآية الكريمة من سورة طه تتحدّث عن حقيقة البعث للحساب أمام الملك الذي لا تخفي عليه خافية لتجزي كُلّ نفس بما كسبت. وهي تؤكّد هذه الحقيقة. ولم تتعرّض لموعدها. فموعدها غيب لا يعلمه سوي ربّ العزّة. ونسج الآية يفيد أن الله أوشك أن يكتم خبرها وما يحدث فيها من أهوال حتّي يفاجأ البشر بها دون إنذار أو تذكير بما سيجري فيها. لكنه من لطفه بعباده كرّر في القرآن الكريم التحذير لمن يتجاهلها ويتناساها رحمة بخلقه حتّي يستعدّوا لها. علي أنّ هذه اللّفظة "أخفي" جاءت في اللّغة بمعنيين متقابلين. حيث وردت بمعني الكتمان كما سبق توضيحه. ووردت بمعني الإظهار. وإذا كانت بمعني الإظهار كان مراد الآية أنّ الله أوشك أن يظهرها في الواقع أي قرب موعدها كما جاء في آيات كثيرة. مثل "أَتَي أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ" "النحل:1". وقوله: "اقْتَرَبَت السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ" "القمر:1". وللحديث بقية