كثيراً ما نسمع عن القوة والكتلة الصوفية "الكامنة" والتي يمكنها ترجيح كفة الميزان في أي انتخابات أو توازنات سياسية.. ومع ذلك كان يتم تهميشها والتقليل من شأنها وجاءت الانتخابات الرئاسية لتكشف موقف الصوفية وتطرح العديد من الأسئلة. هل يغرد الصوفية خارج السرب؟ هل يقفون في صف مناوئ للتيارات الإسلامية؟ وما هو موقفهم بالضبط؟! من خلال هذه السطور نستطلع آراء مشايخ الصوفية عن اقتحام الصوفية معترك السياسة.. هل هو منفعة لها أم مهلكة؟! يؤكد الدكتور عبدالهادي القصبي - شيخ مشايخ الطرق الصوفية - أن أهل التصوف ليس لهم مطامع سياسية وهذا الأمر واضح بين جلي سواء في المجالس النيابية أو البرلمانية أو الرئاسية. لأن المشيخة العامة هي هيئة دينية عليا وطنية ويعلم الجميع أنهم أهل وطنية ولا يمكن أن يتخلوا عن الساحة الوطنية عندما تحتاج إليهم. لكن المصلحة العليا وهي مصلحة الوطن والشعب يحرص عليها التصوف ويكون طموحه أن تعيش البلاد والعباد في الاستقرار والأمن.. ففي الأوقات الشديدة وعندما تهدد البلاد نجد الصوفية يتصدون للمخاطر وبعد زوالها يعودون إلي مدارسهم الأخلاقية. يستطرد د. القصبي: والصوفي بصفته الشخصية كمواطن مصري أعطاه الدستور والقانون حق ممارسة العمل العام والترشح للرئاسة.. لكن من وجد في نفسه القدرة لخدمة الوطن وجب عليه أن يقدم هذا النفع والمصلحة لأبناء بلده. حق دستوري ويتعجب الشيخ علاء أبوالعزائم - شيخ الطريقة العزمية - من استنكار البعض عمل الصوفية بالسياسة متسائلاً: أليسوا أفراداً في هذا المجتمع ومن حقهم ممارسة كل الأنشطة والأعمال بما فيها السياسة؟ ولكن السياسة التي ينخرطون فيها هي سياسة الصراحة والوضوح والحق لا سياسة النفاق والخداع والكذب. وبهذا المفهوم الصحيح عن السياسة تصبح من أركان العمل الصوفي المنغمس في الحياة الاجتماعية بكل دقائقها. قال: يجب أن يكون للصوفية رأي وموقف في الأحداث التي تمر بها الأمة وإلا متي سيعرفهم الناس ويشعرون بهم أم سيظلون "مدارين" طول عمرهم؟! فلابد أن نمارس الواقع ونعيشه ليس في مجتمعنا العربي الإسلامي فقط بل في المجتمع العالمي ايضا. وضرب أبوالعزائم مثلاً بالطريقة العزمية ودورها السياسي منذ بدايات القرن الماضي حين كان الإمام المجدد محمد ماضي أبوالعزائم نفسه معارضاً للملك فؤاد الذي أراد أن يكون خليفة للمسلمين فأرسل الشيخ محمد رشيد رضا ممثلاً له في مؤتمر الخلافة الإسلامية الذي عقد بمكة المكرمة عام 1926 وكان الإمام أبوالعزائم ممثلاً للشعب المصري لكن الاحتلال الانجليزي سعي جاهداً لإفشال المؤتمر حتي لا تعود الخلافة ثانية بعد أن أسقطها أتاتورك. استطرد أبوالعزائم قائلاً: وقبل هذا ايضا كان للإمام أبوالعزائم دور سياسي في ثورة 1919 حينما كان مؤيداً لسعد زغلول ويطبع له منشوراته. وأنشأ الإمام جمعية الخلافة الإسلامية بوادي النيل. وعام 48 كان للعزمية كتيبة مشاركة في الحرب كل أفرادها وعتادها علي حسابهم الشخصي. ولم يتوقف دور العزمية السياسي منذ ذلك التاريخ فعندما سئل السيد أحمد أبوالعزائم عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قال: أضاع الإسلام اثنان.. كمال وجمال "يقصد كمال أتاتورك وجمال عبدالناصر" وايضا حينما بدأ السيد عز الدين أبوالعزائم مواجهته مع الوهابية لكشف خطورتها علي الإسلام. ونحن علي الدرب سائرون. وعن استغلال رجال السياسة للصوفية خدمة لمصالحهم قال أبوالعزائم: بداية يجب أن نفرق بين الصوفية المقيدين في سجلات المشيخة العامة وهم تقريباً خمسة ملايين صوفي ولكن محبيهم يصلون إلي الخمسين مليوناً وبعضهم من النصاري وأعرف بعضهم كان يحرص علي حضور حلقات الذكر. أما القول بأن السياسيين يستغلون الصوفية فهذا غير صحيح لأن الصوفية مختلفون في الآراء والتوجهات خاصة السياسية وبالتالي فلا يستطيع أحد الجزم بأنه قادر علي توجيههم لصالح موقف سياسي ما. ثم إن المحبين للصوفية ليس شرطاً أن يتفقوا مع الصوفية في توجهاتهم السياسية وبالتالي فليس صحيحاً ولا دقيقاً القول بأن شخصاً ما أو حزباً يملك تسخير الصوفية لصالحه. يشير أبوالعزائم إلي أسباب وراء دعمهم لشفيق أولها: أصله الصوفي الذي يرجع لوالده التيجاني وخبرته السابقة في الإدارة. ثوابت ومتغيرات يقول الشيخ محمد حافظ التجاني - شيخ الطريقة التجانية -: المفروض أن الصوفية بعيدة عن الدخول إلي عالم السياسة باعتبار أنها متغيرة أما الصوفية وهي المتمسكة بالدين فهي ثابتة.. ولكن ليس معني هذا انعزال الصوفي عن الحياة العامة فمن دخل السياسة هو بلا شك يفهم فيها ويدرك أبعادها وليس معني ذلك أنه نسي الدين بل هو متدين متصوف لديه حس سياسي ويتقي الله في جميع تصرفاته ويري أنه لابد وأن يكون له رأي فيمن يتولي السياسة ولكنه لا ينبغي أن يتخذ السياسة حرفة. أوضح أن موقف الصوفية ليس واحداً وإنما يرجع للعلاقات الشخصية مع المرشحين فهي مسألة حرية شخصية وهم يدركون أنهم في النهاية أسباب لتحقيق مشيئة الله وقدرته.. وإن كان الظاهر وقوفهم مثلاً مع الفريق شفيق فها هو شيخ الطريقة الرفاعية الشيخ طارق يس أعلن تأييده ودعمه للدكتور مرسي.. فالموضوع كله عبارة عن سباق لنفاذ أمر الله الذي نسأله أن يولي من يصلح. تجربة حية علي الجانب الآخر يري الشيخ محمد الشهاوي - شيخ الطريقة الشهاوية - أن تجربة الإخوان المسلمين ماثلة أمام الجمعيات الدينية ويجب الاستفادة منها. فعندما تحولت الجماعة من دعوية إلي سياسية فسدت وأفسدت بالتصرفات والمنهج الذي أفسد السياسة وشوه صورة الدين. وأكثر من هذا فقد أحدث الدمار الذي تعيشه مصر بسبب الخلافات والصراعات والأطماع حول كرسي الرئاسة بعد البرلمان مما تسبب في الورطة التي أدخلت مصر كلها في مرحلة الطين. فمبدأ تعارض الدين مع السياسة صحيح لأن أحدهما يفسد الآخر. وللحفاظ علي الرسالة والمبادئ سليمة نقية لابد من إبعادها عن السياسة. ورداً علي التساؤل: لماذا استقبلت مشيخة الطرق الصوفية بعض مرشحي الرئاسة - إذا كانت لا تريد الدخول في معترك السياسة: قال الشهاوي: نحن استقبلناهم كضيوف طلبوا الجلوس معنا وعرض برامجهم ورؤاهم حول القضايا الوطنية العامة. ونحن باعتبارنا مواطنين لنا وجهة نظرنا في اختيار الأصلح حتي عندما يستشيرنا أحد المريدين أو المواطنين العاديين ندلهم بما نري لكن في النهاية الاختيار لهم وقد لا يقبلوا برأينا فكل واحد حر في رأيه. أضاف: يومياً يتصل بي خمسة أو ستة أشخاص من نواب الطريقة بالمحافظات يسألون عن موقفنا في الانتخابات الرئاسية مثلاً فأدعوهم للتمهل والتدبر حتي تتضح الأمور أكثر وأكثر لأنه لا يصح أن نشير عليهم برأي ثم يثبت خطأه وهذا يفرض علينا التأني لأن الاختيار هنا مسئولية كبيرة. يوضح الشهاوي أن إبعاد الصوفية عن السياسة يكون بتجنب دخول الصوفي ذاته معترك السياسة بمرجعيته ووصفه الصوفي لكنه هو أولاً وأخيراً مواطن كغيرة سواء كان مسلماً أو مسيحياً وعليه واجبات وله حقوق ولا يصح أبداً أن ينعزل. فالمشاركة هنا تكون واجبة بمفهوم أن يقف الصوفي علي باب السياسة كمواطن عليه واجب المشاركة أما دخول المعترك ليصبح عنصراً سياسياً فهذا هو الذي نتجنبه. صراحة قوية أما محمد صلاح زايد - رئيس حزب النصر الصوفي - فقد فتح النار علي الإخوان المسلمين صراحة ولم يخف عداءه لهم أو تأييده للفريق شفيق قائلاً: معروف عن الصوفية بعدهم طوال زمانهم البعد عن السياسة لكنهم عندما استشعروا خطراً يداهم مصر نفسها سارعوا لنصرة المرشح الذي يعتقدون قدرته لانقاذ مصر. فالانتخابات لم تترك لهم بديلاً عنه. أضاف: لقد جربنا التيار الإسلامي عاماً كاملاً ونعرف أن له أجندة خارجية تموله وهذا أمر يخيفنا تماماً.. وأمريكا بعد أن كانت تطلق عليهم الجماعة المحظورة أصبحت الآن تحتضنهم لمصلحتها فهم بديل القاعدة وهما وجهان لعملة واحدة. وإذا كانت إسرائيل لا يخفيها إلا ثلاثة جيوش فقد أنهت اثنين هما العراقي والسوري ولم يبق أمامها سوي الجيش الثالث وهو المصري. وللأسف الشديد يتم كل هذا بأموال عربية. يؤكد زايد أن تحركهم جاء سريعاً لدعم شفيق الذي يتهمه الإخوان بأنه من النظام البائد لأننا نركز ذلك النظام في سبعة أشخاص فقط هم الذين كانوا يديرون الأمور هم: مبارك. سوزان. جمال. سرور. عزمي. عز. صفوت ولم نسمع أبداً أن شفيق كان منهم. قال: ليس هناك مقارنة بين المرشحين فهؤلاء خطر يهدد مصر. وإذا لم ينفع شفيق فالشعب قادر علي تغييره.. لأن نجاح د. مرسي سينزلق بمصر في مستنقع الطائفية فأينما ظهرت التيارات الإسلامية دخلت خلفها الشيعة وأمامنا شاهد علي ذلك لبنان والعراق واليمن والبحرين. فها هي الحسينيات بدأت تظهر في مصرنا.. وللأسف فكل هذا صراع دول تريد تصفية حساباتها ولكن علي أرضنا نحن. فهناك دعم سعودي وإيراني وقطري. والأمر الأكبر من كلا المرشحين ونحن كشعب نرفض أن تتحول بلدنا إلي ساحة لتصفية حسابات الآخرين. بشهادة التاريخ يشير صلاح زايد إلي ان دخول الصوفية إلي معترك السياسة ليس جديدا عليها فالتاريخ يشهد ان الصوفية لا تستهويها شهوة السلطة والكرسي لكنهم عند الخطر يتحركون مثل البدوي والشاذلي والقنائي الذين حاربوا الاحتلال والتتار وغيرهم. قسم زايد المتواجدين في الميدان إلي ثلاثة أنواع.. الأول: من يريد المجلس الرئاسي بعد أن فشل في الانتخابات ولم يحترم اختيار الشعب في الصناديق. الثاني: من يريد تطبيق العزل السياسي مع انهم عقب صدور القرار من المشير قالوا الصناديق هي ستعزلهم وكانت تحركهم المصالح مع المجلس العسكري. الثالث: ذوو الشهداء والمصابين الرافضون لحكم محكمة القرن علي مبارك وهؤلاء معذورون لكن الأفضل لهم أن يطالبوا بحقوقهم بشكل قانوني. استطرد قائلاً: المشكلة ان الاخوان ركبوا الثورة واستفادوا منها ورموا الشباب وصاروا يتاجرون بها والشعب كله لا يعنيهم بل يسعون لبناء مركزية لا دولة.. وإلا فليجيبونا: لماذا يتلقون الملايين من الخارج؟ فمثل هذا يكون تابعا وليس ملكا لنفسه.. ولذلك نقول لهم: حرام عليكم.. كفاكم متاجرة وتلاعبا بأرواح الشهداء وأهلهم. ولماذا التمسك بالتنظيمات السرية والدعوة للجهاد منذ إنشائهم عام 1928 حتي اليوم؟ وأين هدفهم وما الذي يسعون إليه؟! ويحذر زايد من ان الدوائر تحاك بالشعب والوطن المصري لأن نجاح مصر يعني نجاح العالم العربي الافريقي والاسلامي كله أما اذا انتكست فينعكس ذلك علي البيع أيضا. فالأمر غاية في الخطورة وعلينا الحفاظ علي مصرنا وجيشها العظيم لأن في تدميره استقرار لإسرائيل.