¢الجزاء من جنس العمل¢ حكمة نطق بها السلف الصالح ليلخصوا بها مسيرة الحياة كلها.. فمن عمل خيرا ً وجد خيرا ً.. ومن زرع المعروف لم يعدم جزاءه.. ومن زرع الشوك والحنظل فلا يجني سوي الجراحات والآلام.. ومن حفر الحفر لأخيه وقع فيها.. ومن سجن شعبه سجن.. ومن أعدم الصالحين منهم أعدم.. ومن قتلهم قتل. لقد تفكرت في هذه الكلمات جيدا ً وأنا أستمع إلي الحكم بالمؤبد الذي صدر علي الرئيس مبارك فقلت لصديقي: ¢ إن عهد القذافي تميز بقتل مخالفيه دون وازع من دين أو ضمير.. فكان مصيره أن قتله شعبه. أما صدام حسين فقد كان عهده يعج بالمحاكمات الثورية التي تفتقر إلي أدني الضمانات القانونية.. وكان يحكم فيها ضباط وليس قضاة وكانت كل محكمة تحكم بالإعدام عادة¢. وأذكر في إحدي المرات أن محكمة أمن الدولة العراقية والتي كانت تتكون من الضباط حكمت علي قرابة خمسين متهما ً بالإعدام مرة واحدة.. والغريب في الأمر أنه تم إعدامهم في نفس اليوم.. وكانت الإذاعة العراقية تذيع تنفيذ الإعدام في كل مجموعة.. فيقول المذيع الآن يتم إعدام المجموعة الأولي.. ثم يعلن عن الثانية.. وهكذا.. وكأنه في فرح وعرس. ولذلك لقي صدام حسين الموت من خلال محكمة صورية تعمل بتوجيهات أمريكية شيعية ليلقي نفس المصير الذي أذاقه للمئات من شعبه. ولعلنا نذكر جميعا قصة وزير الصحة العراقي الذي كان من أكبر علماء الطب في العراق ودرس بالخارج ونصح صدام بالديمقراطية فقتله بمسدسه خارقا ً كل الأعراف والتقاليد حتي في الدول الديكتاتورية.. أما عصر مبارك فتميز بالسجون فما يخرج المعتقل من السجن حتي يعود إليه مرة آخري.. ولا يكاد يحصل علي الإفراجين المشروطين في قانون الطوارئ حتي يحتجز في القسم ليكتب علي الورق فقط خروجه ثم يعاد إلي السجن.. وهكذا حتي تمر عليه أكثر من 15 عاما ً رهن الاعتقال . فهناك من أبناء الجماعة الإسلامية من قضي في الاعتقال وحده دون محاكمة قرابة 15 عاما ً متواصلة.. حصل فيها علي 45 حكما ً قضائيا ً من محاكم أمن الدولة بالإفراج ولم ينفذ أحدها. لقد حكم علي الأخ عزت السلاموني بالبراءة في قضية المحجوب وظل بعدها معتقلا ً بالسجن لمدة 13 عاما ً متواصلة.. وكنا نمزح معه قائلين إنه يقضي في البراءة لقد ذاق مبارك من نفس الكأس الذي أذاقه لعشرات الآلاف من الإسلاميين.. حيث إنه لم يرحم كبيرهم.. ولم يعطف علي صغيرهم.. ولم يشفق علي مريضهم.. ولم يرحم أما ً حرمت من زيارة وليدها لسنوات طويلة.. أو زوجة هزها الشوق لزوجها الذي غيبته السجون لسنوات طويلة دون أن تستطيع حتي رؤية زوجها أو الإفصاح له عن مكنون قلبها وحبها في رسالة أو خطاب أو كلمات.. إنها مآسي ثلاثين عاما ً كاملة ضمت السجون بين دفتيها الإسلاميين وأكلت الزنازين الكثير من شبابهم وعافيتهم وصحتهم. إنها دعوات المظلومين سرت بليل من أم مكلومة أو أب هزه الشوق إلي ابنه أو ابن لم ير والده.. هذه الدعوات سرت بليل غفل عنها مبارك وأسرته.. ولكن الله لم يغفل عنها. ورغم أنني قضيت 24 عاما ً في السجن في عهد مبارك إلا إنني والله لا أرضي لنفسي أن تشمت فيه أو في غيره.. فما هكذا تربيت.. ولا هكذا تعلمت.. وليس غرضي من المقال الشماتة.. فلست والله من أهلها.. ولا توافق طبعي.. ولكنها العبرة والعظة نتعلمها جميعا ً ونحن علي أعتاب الحكم.. لنعدل بين الخلائق.. وننصف الآخرين من أنفسنا.. ونحسن إلي الجميع. إنها عبرة لكل الحكام.. ولكل القادة.. ولكل من يهفو إلي ذلك الكرسي الذي يرفعك إلي الجنة والمقام الرفيع.. أو يهوي بك إلي الفضيحة والسجن والعذاب يوم القيامة. ما أشبه هذا اليوم بيوم غرق فرعون الذي جعلته الحكمة الإلهية يطفو علي الماء بعد غرقه ليتعلم الناس الحكمة العظيمة أن الكبر إزار الله فمن تسربل به قصمه الله .. لأن الله جمع معه العدل والرحمة والعفو والصفح. وها هو يسجن أقوي حكام مصر قاطبة وأقساهم علي شعبه عامة وعلي الإسلاميين خاصة.. ليعلم الجميع أن الملك لله يؤتيه من يشاء وينزعه عمن يشاء: ¢ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَيَ كُلِّ شَيْءي قَدِيرى ¢