من المسلم به قيام الثورات العربية كان سبب الافلاس الأخلاقي الذي تسربل به الحكام المستبدون والطغاة فإن الأنظمة القمعية كانت تحمل عوامل فنائها وهو الفساد الأخلاقي الذي بدوره كان سبباً في الفساد الاقتصادي والفساد السياسي. فالجشع والطمع وانتشار الرشوة والمحاباة وتعطيل مصالح الناس وتزوير الانتخابات كل هذه الأخلاقيات أدت إلي التعجيل بانهيار هذه الأنظمة. ومن المعلوم أن أي اصلاح لا يقوم وفق معيار القرآن والسنة يعد إفسادا وإن ادعي المدعون. وأن أي بناء لدولة المؤسسات لابد أن يبني علي الأخلاق أولا ومن الواضح أن الثورة قامت وهدمت رؤوس النظام وأطرافه ولكن لم يصل إلي قاعدة النظام وأسسه المتمثلة في منظومة الأخلاق. والتي تتمثل في الرشوة وتعطيل مصالح العباد وانتهاك الحرمات وإراقة الدماء وأكل أموال الناس بالباطل والسلبية وتعطيل الشوارع والانتهازية. كل هذه الأخلاق المرذولة لابد أن تتغير حتي يتغير وجه المجتمع وحتي تتحول مصر الجديدة بعد ثورة يناير إلي واحة من الأمن والعدل والرخاء. وهذا من واجب الدعاة في هذه المرحلة التي يمر بها العالم الإسلامي بمنعطف خطير ودروب تجعل الحليم حيراناً فأهيب بأخواني الدعاة ألا ينفصلوا عن الواقع وأن يشاركوا الناس في آلامهم وآمالهم وأفراحهم وأتراحهم وأن يغيروا من أسلوب الخطاب الدعوي. فكأن الدعاة مازالوا في العصر البائد. ومن أوجب الواجبات علي الدعاة إلي الله فقه المرحلة القادمة ودراسة فقه الأولويات ومن فقه الأولويات في هذه المرحلة العناية بمنظومة الأخلاق إذاً لا نهوض لأمة من الأمم جعلت الكذب شعارها والرشوة دثارها وتعطيل مصالح الناس عنوانها. فمتي يعول الدعاة إلي الله علي الجانب المدني من العبادات. ومتي تفهم الأمة أن إصلاح ذات البين وقضاء حوائج الناس عبادة من أجل العبادات بل أفضل من الصيام والقيام؟! ومتي تصل رسالة الدعاة بأن إيذاء الناس في الشوارع لا ينفع معه صلاة ولا صيام ولا حج؟! قال تعالي: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتناً وإثماً مبيناً". صدق الله العظيم