لم يحسم صدور المرسوم بقانون رقم 126 لسنة 2011 الصادر عن المجلس العسكري بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937. الجدل المثار حول قانون التمييز الديني الذي صدر في اعقاب احداث ماسبيرو الشهيرة . فقد تقدمت 46 منظمة حقوقية و268 شخصية مستقلة بمذكرة للمجلسين العسكري والوزراء للمطالبة باصدار قانون منع التمييز . وتباينت ردود افعال القوي والتيارات السياسية والدينية والدعوية من احكام تجريم التمييز الديني والطائفي . التي تضمنت عقوبات بالحبس والغرامة المالية المتدرجة ضد "كل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد أو ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة". فبينما رحبت الطوائف المسيحية ونشطاء حقوق الانسان بالتعديللات واعتبروها خطوة مهمة ترسخ المواطنة. انتقدها التيارات الاسلامية واعلنت مخالفتها للشريعة الاسلامية واكدت أن مصر لا تعرف مشكلة التمييز علي أساس ديني . وما زاد من حدة هجومها علي مرسوم القانون تركه التميز الديني دون تعريف واضح . كما ترك علي المدعي عبء إثبات حدوث تمييز ديني ضده وهو عادة ما يصعب إثباته . وفور صدوره اشاد المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقانون . وحذر من عدم وجود مفوضية لتنفيذه . وانه لن يؤدي الغرض منه إذا اقتصر علي العقوبات الجنائية . وطالب بإنشاء مفوضية تختص بمتابعة التنفيذ والقيام بدور إصلاحي في تعزيز مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين علي أرض الواقع . ووصف ناصر امين - رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة - التعديلات التي أدخلت علي قانون العقوبات أنها "مهمة" . وهي نقطة انطلاق للإصلاح . وفيها تطورات إيجابية كثيرة. وبين أن القانون خطوة جديرة بالتقدير لمناهضة أشكال التمييز. وتبشر بتفعيل مبدأ المواطنة والمساواة .ترسخ لدولة مدنية قائمة علي سيادة القانون . مشيراً الي أن المرسوم يأتي متفقا مع تعهدات والتزامات مصر الدولية خاصة العهد لدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية . ويري أن القانون يؤكد علي أن وجود أي شكل من أشكال التمييز في مصر يعد انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية ويخل بمبادئ ثورة يناير التي تتطلع إلي الحرية والعدالة المساواة . مضيفا أن التمييز لا يقتصر علي إيذاء الذين يستهدفهم . بل يمتد أيضا إلي ممارسية ويؤدي إلي هدم أسس دولة القانون. لكن ناصر يري أنه كان ينبغي تحديد آلية واضحة لتفعيل وتنفيذ أحكام هذا القانون في الواقع العلمي حتي يأتي ثماره المتوقعة .ونواه الي أنه يعتبرها خطوة أولية تقتضي أن تتبعها استراتجية مستنيرة بين كل مؤسسات الدولة المصرية تتبني الإجراءات السريعة والعاجلة تجاه تفعيل مبدأ المواطنة وغرس قيم المساواة والتسامح بين المواطنين المصريين . وشدد علي أهمية خلو التشريعات الوطنية والممارسات العلمية من أي نوع من أنواع التمييز سواء بسبب الجنس أو المنشأ الاجتماعي أو الملكية . أو العقيدة أو الرأي السياسي وغير السياسي . وقال انه ينبغي أن تراعي هذه الاستراتيجية تنقية المناهج الدراسية ومواءمة كل التشريعات الوطنية مع الاتفاقات والمواثيق والتعهدات الدولية ووضع رؤية إعلامية مناهضة لكل أشكال التمييز بين أبناء الوطن الواحد. ويؤكد عماد حجاب -رئيس مؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان - أن التعديل المحدود في القانون يدل علي بداية احترام النظام المصري بعد الثورة لقواعد حقوق الإنسان . موضحا أنه خطوة مهمة للحد من الاحتقان الطائفي والسعي لتحقيق المساواة ورفض التمييز بكل صورة . وطالب بضرورة التطبيق العلمي القوي والجاد للنص الجديد لتجريم التمييز علي أرض الواقع . وقال ان المجتمع المصري عاني منذ سنوات طويلة من مشكلات تتعلق بالتمييز وظلت دون علاج برغم المطالبات العديدة لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني. والقانون سوف يحد ويواجه ويمنع حالات التمييز ويحقق أحد أهداف ثورة 25 يناير في العدالة والمساواة في الكرامة الإنسانية بين جميع المواطنين المصريين . بينما عبرت جماعة الاخوان المسلمين عن استغرابها من صدور القانون علي لسان الدكتور محمود غزلان المتحدث باسم الجماعة . الذي أكد أن مصر ليس بها أي تمييز حتي يصدر قانون لمنع التمييز . والأقباط في مصر لهم كل الحقوق. وأشار الي أن الإخوان عانوا طوال العقود الماضية ومورس ضدهم تمييزا حقيقيا. مضيفاً انه كان الأولي صدور قانون لعدم التمييز ضد الإخوان. فحتي الان لم يصدر قانون ينصف الجماعة. وقال: نحن لا نمانع في صدور المرسوم. ولكننا ندعو إلي المساواة والعدالة في المجتمع وليس إصدار قوانين نتيجة لضغط فئة معينة. مخالف للشريعة من جانبها. رفضت الدعوة السلفية في مصر قانون التمييز بصياغته الحالية التي اعتبرتها مخالفة للشريعة الإسلامية. وأكد الدكتور ياسر برهامي- نائب رئيس الدعوة السلفية - أن قانون التمييز أشبه بقوانين "الترزية" في العهد السابق. وأشار إلي أن صياغة هذا القانون تتميز بالإجمال الشديد والعمومية مما يسمح للمتطرفين العلمانيين بالمطالبة بالمساواة بين الرجل والأنثي في الميراث والمطالبة بتعدد الأزواج أسوة بتعدد الزوجات. وأن يرث المسلم الكافر. ويرث الكافر المسلم. وقال ان قانون التمييز يعطي الحق للطوائف المنحرفة كالقاديانية والبهائية للمطالبة بعقوبة من يتهمهم بالردة والخروج عن الإسلام. مضيفاً أنه يمنع ايضا التحذير من بدع الشيعة ومحاولاتهم الدءوبة لاختراق المجتمع المصري بزعم منع التمييز علي أساس العقيدة. ويؤكد أن التعديلات التي أقرها القانون تسمح بترشيح غير المسلم لوزارة الأوقاف وشياخة الأزهر وترشح غير المسلم لرئاسة الجمهورية. موضحاً أن هذه الأحكام مخالفة للدستور لأن الدستور ينص علي أن الإسلام هو دين الدولة. وهذا يلزم منه عند عامة الفقهاء الدستوريين أن يكون الرئيس مسلماً. أضاف أن القانون يؤدي إلي خلل واسع عند التقاضي. لافتاً إلي أن الصياغة التي جاءت عليها التعديلات تسمح بكثرة المنازعات القضائية مع وجود خلل في تفسير القوانين والجمع بين العام والخاص منها. شدد علي ضرورة إعادة صياغة قانون التمييز بما لا يخالف الشريعة الإسلامية والدستور والقانون. وقال إنه ينبغي علي المجلس العسكري عدم التعجل في صياغة القوانين في الفترة الانتقالية. وإجراء حوار مجتمعي حقيقي حولها لكل الطوائف وليس مجاملة طائفة بعينها. انتقد الدكتور صفوت عبدالغني - القيادي بالجماعة الإسلامية - إصدار المجلس العسكري قانون تجريم التمييز الديني. وأكد أن القانون خطوة متسرعة. ودون المستوي وتعكس حالة الفوضي القانونية والتشريعية التي تسود مصر. قال إن أحكامه تحتاج إلي مزيد من التفسير لأنه لم يحدد وسائل التحريض والتمييز الطائفي. واعتبر أن صياغتها جاءت فضفاضة و"معممة" أكثر منها منضبطة ومقننة. أوضح عبدالغني أن القانون يحمل طابع التعجل وهدفه التهدئة والتسكين ولن يستمر طويلاً بسبب الغموض الذي يشوبه لكل من الطرفين المسلم والمسيحي. رفض إصدار أي قوانين خلال الفترة الانتقالية. وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة. مضيفاً أن الأوضاع في مصر لا تتطلب صدور مثل هذا المرسوم لأن ما يقال عن حدوث تمييز بين المسلمين والأقباط غير صحيح. حذر من استمرار حالة الإصدار العشوائي للقوانين. مؤكداً أنها ستؤدي إلي عدم احترام القوانين وسقوط هيبة القانون والجهة التي تصدره.