رسالتان قويتان ومهمتان وجههما الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إلي الجميع .. علي الساحتين الداخلية والخارجية يجب أن نتوقف عندهما بعناية وتأمل. الأولي: خلال لقائه واستقباله للسفيرة الأمريكية آن باترسون في مقر المشيخة. والثانية: خلال استقبال فضيلته في مكتبه أيضاً لرموز التيار السلفي وفي مقدمتهم الداعية الكبير الشيخ محمد حسان. واللقاءان قال فيهما كلاماً مليئاً بالكلام ولكنه .. من العيار الثقيل. مع السفيرة أفاض الشيخ وفضفض وأوفي الكيل.. قال ما يريد المسلمون ان يقولوه منذ عقود وعقود وما كان يجب ان يقوله الحكام في كل مكان. واستمعت السفيرة بأدب ودبلوماسية واحترام .. أكدته ببراعة دبلوماسية والتزام خلقي رفيع حين حرصت علي تورية شعر رأسها عند لقاء عالم دين بحجم وقدر ووزن شيخ الأزهر .. وهو سلوك واجب التحية. الرسائل المهمة التي وجهها شيخنا إلي السفيرة خلال الحوار وأكد عليها بوضوح لم تأخذ القدر الواجب والمستحق من الاهتمام خاصة انها صادرة مباشرة من مشيخة الأزهر إلي الإدارة الأمريكية ولا أظن ان السفيرة يمكنها ان تغفل وتتجاهل تلك الرسائل إلي حكومة بلادها. كما انها تعكس رد فعل صادق وحقيقي تجاه السياسات الأمريكية وفيها جواب حقيقي علي أسئلة تبحث الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن جواب حقيقي عنها أو هكذا يقولون .. خاصة وانها شكلت بالفعل إدارات جل عملها وكل أملها تحسين الصورة المتدهورة لأمريكا لدي العالم العربي والإسلامي. يمكن إيجاز ما قاله د. الطيب في النقاط التالية: * ان انحياز أمريكا الكامل للكيان الصهيوني في القضية الفلسطينية الأم للمسلمين يزيد من حالة الكره واليأس من عدالة الإدارة الأمريكية. ويزيد من إصرار الأزهر علي مناصرة ومساندة الشعب الفلسطيني لقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. * ان الشعوب العربية والإسلامية الراشدة ترفض الشروط والإملاءات التي تأتيها من الغرب وأمريكا رفضاً تاماً وقاطعاً. * ان منطق التاريخ يحكم بفشل مثل هذه السياسات الظالمة. ويسيء إلي أمريكا وتاريخها. وان غزو أمريكا للعراق كان خاطئاً لما جره من ويلات علي الجميع. * علي أمريكا ان تتعامل مع الشعوب العربية والإسلامية من خلال الأبواب لا من خلال النوافذ والثقوب . وعليها ان تكف عن تأييد الاستبداد والأنظمة الاستبدادية. * ان التدخل الأمريكي في العالم الإسلامي خلق نوعاً من ردود الفعل العنيفة جداً. وخلق الكراهية التي نراها اليوم. * علي الإدارة الأمريكية ان تعود إلي رشدها وتزن الأمور بموازين العدل والحق. لأن في غياب النظرة المتزنة . الكل سيخسر . والدماء تسيل في الشرق والغرب علي السواء. وهذا ما لا نرتضيه. * لا مشكلة للشعوب العربية والإسلامية مع الشعب الأمريكي وإنما المشكلة مع سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع مختلف القضايا الإسلامية. حيث ان الديمقراطية الأمريكية التي تدعيها ليست أنموذجاً يحتذي به. وإنما الديمقراطية هي التي تنبع من الشعب وتعبر عن اختيار الشعب وأصالته. * ان الأزهر مستعد للتعاون المشترك مع أمريكا في مجالات البحث العلمي. بشرط عدم التدخل في شئون الأزهر لا من بعيد ولا من قريب. * علي الإدارة الأمريكية إعادة النظر في الإفراج عن الشيخ د. عمر عبدالرحمن حتي يعود إلي وطنه وأسرته. * ان الخوف من الإسلام أو ما يعرف ب "الإسلاموفوبيا" وهم كريه لا يتفق مع التقاليد الديمقراطية التي من المفروض ان تسود في المجتمعات الحديثة. * ان الدعم السخي من الاتحاد الأوروبي وأمريكا الذي يخصص لبعض الجمعيات التي تهتم بتوافه الأمور. بينما تهمل المساعدات الجادة للتعليم ومحاربة الفقر والأمراض .. مرفوض تماماً. * ان الثورات هي من إرادات الشعوب. وفعاليتها فعالية داخلية ذاتية. بالرغم من الأموال والأدوات التي رصدت من الغرب بعامة ومن أمريكا بخاصة لإحداث التحول الديمقراطي في المنطقة إلا أنها لم تكن ذات أثر. ولابد ان تدرك ان هذه الشعوب تتحرك وفق منطقها الذاتي ومواريثها الحضارية وبما يمثل خصوصياتها التي يجب ان تحترم. ووثيقة الأزهر أنموذج لهذه الخصوصية. ان الأزهر جامعاً وجامعة هو ملك للعالم العربي والإسلامي. وضمير الأمة العربية والإسلامية. الغريب ان الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي تابعت اللقاء لم تنشر شيئاً عن رد الفعل الأمريكي أو أي تصريح للسفيرة حول اللقاء .. وكأنها ربما اكتفت به أو لعلها صدمت من التصريحات القوية لشيخ المشيخة. حتي موقع السفارة الأمريكية بالقاهرة علي النت اكتفي بالقول .. قامت السفيرة الأمريكية آن باترسون بزيارات تعارف هذا الأسبوع لكل من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. شيخ الأزهر. وقداسة البابا شنودة الثالث. بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. وفضيلة الدكتور علي جمعة. مفتي جمهورية مصر العربية .. وكانت السفيرة سعيدة بتبادل وجهات النظر بكل وضوح واحترام مع القيادات الدينية الثلاث في الأمور ذات الاهتمام المشترك .. ما أظنها كانت سعيدة!!! يبقي لقاء الشيخ مع السلفيين .. فإلي موعد آخر إن شاء الله تعالي..