يعد العنف الأسري من أهم الأخطار والأمراض التي تداهم الأسرة المسلمة وتحمل بين طياتها عوامل انهيارها وتصدعها ولهذا العنف العديد من الأسباب كما يؤكد الدكتور عبدالفتاح بهيج عبدالدايم أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فرع أسيوط حيث يري أن العنف داخل الأسرة قد يتعلق بالشخص ذاته وقد يرتبط ارتباطا وثيقاً بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية بعد أن أكدت الدراسات النفسية أن العنف متأصل عند الذكور أكثر منه عند الإناث فقد تم التوصل إلي وجود علاقة ارتباطية قوية بين ارتفاع هرمون الذكور والميل للعدوانية لدي الرجال.. كما تسهم إصابة الإنسان بالعاهات الجسدية علي علاقته بالمحيطين به خاصة داخل أسرته فهو سريع الغضب وسهل استثارته لأي سبب من الأسباب كما تسهم هذه العاهة في عدم قيامه بأدواره علي الوجه الأكمل مما يسبب له ضيقا شديداً ينعكس ذلك علي أسرته وهذا يسبب اضطرابات أسرية غير منتهية. العنف الجنسي وأوضح د/ بهيج أن المخدرات تلعب دوراً كبيراً في زيادة حدة العنف داخل الأسرة وتحديداً العنف الجنسي فتتسبب المخدرات في حالة من عدم التركيز والتمييز لمتعاطيها ما يدفعه إلي ارتكاب جريمة الاغتصاب أو التحرش بالنساء بشكل عام.. أما بالنسبة للحياة الزوجية فقد يلجأ من يتعاطي المخدرات إلي العنف والأساليب غير المشروعة لإشباع رغباته الجنسية مع زوجته.. وليس هذا فحسب فيضاف إليها الفقر والبطالة وهما يؤديان إلي نفص الموارد المالية مما يترتب عليه أزمات داخل الأسرة هذا ما أكدته الدراسات الميدانية بوجود علاقة إيجابية بين العنف لدي الطلاب والشباب الذين يعانون من سوء الحالة الاقتصادية والاجتماعية وبين ممارسة مختلف أشكال العنف سواء داخل الأسرة أو خارجها. تصدع الأسرة وأشار د/ بهيج إلي أن التفكك الأسري وغياب دور اللأب ووقوع المسئولية كاملة علي عاتق الأم له أثر كبير في نشوب الخلافات داخل الأسرة فقد أثبتت الدراسات وجود علاقة سببية قوية بين الأسرة المتصدعة وتشرد أطفالها فغياب أحد الأبوين عن البيت لأي سبب من الأسباب ينعكس سلباً علي حياة الأطفال ويفقدهم الشعور بالأمن والاستقرار وبالتالي يؤدي إلي خلل واضطراب داخل الأسرة. سوء التنشئة وأوضح د/ بهيج أن التنشئة الاجتماعية الخاطئة لها دور كبير في تعزيز العنف داخل الأسرة فالتفرقة بين الأبناء ليس في الهدايا والعطايا فقط وإنما في الحب والحنان يكون له أثر سلبي علي نفوس الأبناء ومن شأنه أي يزرع بذور الحقد والكراهية في قلوبهم منذ الصغر تجاه بعضهم البعض ويؤدي هذا بطبيعة الحال إلي تصاعد وتيرة العنف سواء بين الأبناء وآبائهم باعتبارهم مصدر التفرقة وقد يدفعهم ذلك للانقلاب عليهم خاصة في مرحلة الكبر.. كما أن القسوة الزائدة علي الأبناء واللين الزائد في المعاملة التي تذهب إلي حد التقييد الزائد للحرية أو الاهمال والسلبية وهذا من شأنه أن يخلق العنف وينشيء أبناء غير أسوياء. علاقات شاذة وأكد د/ بهيج علي أن سوء العلاقة بين الزوجين سبب قوي من أسباب العنف فانحراف أحد الزوجين وقيامه بإنشاء علاقة غير شرعية خارج نطاق الأسرة يترتب عليه عنف أو ارتكاب جريمة قد تصل في بعض الأحيان إلي حد القتل وقد يقع القتل لمجرد شك أو إشاعة دون تحقق من وقوع الجريمة وبالطبع هذا الجو المتوتر والمشحون بالخلافات كفيل بأن ينشيء أبناء غير مستقرين نفسياً وتصبح الجريمة بالنسبة لهم أمراً مستساغاً.. كما تعتبر غيرة الزوجة الزائدة علي زوجها سبباً رئيسياً ومباشراً من أسباب العنف الأسري ومدخلا لتفكك الأسرة وتصدعها حينما تدب الخلافات والمشاحنات بين الزوجين أمام الأطفال بسبب هذه الغيرة.. كما يعد تبلد الزوجة الجنسي وتمنعها المستمر عن زوجها حين يرغبها من أسباب عنف الزوج ضد زوجته.. النبي صلي الله عليه وسلم حذر من ذلك حين قال "إذا الرجل دعا زوجته فلتأته وإن كانت علي التنور" وأسباب تمنع المرأة عن زوجها في هذا العصر تختلف قليلاً عما سبق خاصة المرأة العاملة التي تعاني من ظاهرة اليوم المزدوج داخل البيت وخارجه مما زاد من تعرضها للضغوط النفسية وأثقل قدرتها الجسدية مما جعلها تمتنع عن زوجها في كثير من الأحيان بسبب التعب والإرهاق. وسائل الإعلام وأشار الباحث إلي دور وسائل الإعلام المختلفة في نقل كافة أشكال العنف داخل الأسرة وما تحمله من غزو فكري وإثارة للغرائز إضافة إلي تخصيصها مواقع بعينها وقنوات محددة لنشر الأفلام المتخمة بالجرائم والمطاردات ومقاومة رجال الأمن والسطو وإفساد الممتلكات وإطلاق النار وكان لهذه الأفلام البوليسية أثر كبير في زيادة معدل العنف خاصة لدي الأطفال وهذا ما أكده أكثر من مائة طفل أجريت عليهم دراسة في هذا الشأن حيث أكدوا أنهم شاهدوا المئات من حوادث القتل علي الشاشة خلال عام واحد. أهم التوصيات وقد أوصت الدراسة بضرورة مراقبة كل ما يعرض علي شاشات التليفزيون وعلي الفضائيات من أفلام وبرامج تحث علي ارتكاب الجريمة لتأثيرها السلبي والمدمر علي الشباب وصغار السن الذين يقومون بتقليد ما يشاهدونه كما أوصت الدراسة بضرورة الاهتمام بالبرامج الدينية وتفعيل دورها في توعية كافة أفراد الأسرة بالخطر الذي يحاصرها.. كما دعت الدراسة الإعلاميين المتخصصين إلي أن يقدموا مختلف أشكال السلوك السليم.. مع الاهتمام ببرامج محو الأمية لأن التعليم ينمي في المرء القدرة علي التحكم في الذات وكبح الجماح.