تعرضت البشرية قبل الإسلام لرياح الشرك العاتية التي قذفت بالإنسانية في اتون الضلال وحرمتها مطالعة أنوار الهداية التي تفضي إلي الأمن والسكينة. كان الناس قسمين إما سادة وإما عبيدا فئة تأخذ ولا تعطي والأخري تعطي كل شيء ولا تحصل إلا علي الفتات بما لا يكفيها حتي تقتات دون أي حق لها في الحياة فهي تسام كالأنعام وتشقي منذ إطلالها علي الدنيا كسيرة وإلي أن تفارقها ذليلة. وكان الفقراء والضعاف وقودا للحروب والصراعات يدفع بهم بلا هوادة ويقذفون في العذاب بلا رحمة أو تردد. وفي ظل هذا البؤس الإنساني هجرت السكينة مكانها في القلوب وحل القلق وساد نهج الغاب إذ القوة سبيل والهيمنة دليل وعم التربص وساد الخوف أرجاء المعمورة إلي أن قيض الله للبشرية سلما وسلاما حمله الإسلام من خلال رسول أمين بلغ للبشرية وحي السماء بكل ما يحمله من عدل وإخاء فإذا بالمرحمة بديلا عن الملحمة وإذا بالعدل ينشر راياته وبالفضيلة تحمل قسماته ونسماته وتوزعها علي الجميع بلا تحيز أو تمييز فالكل في حق الحياة سواء. "لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" 164 آل عمران. وما كان علي الناس إلا أن يسمعوا الداعية ويعوا بالعقول ويسموا بالضمائر والسرائر لتحدد النية مع الإرادة فتصوغ الإسلام إيمانا وتطبق العقيدة خيرا وسلاما ينطلق من سويداء القلوب عزما ويصير بالارادة بذلا وعطاء. وصدق الله العظيم إذيقول: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" 24 الأنفال أي ما ينجيكم من المهالك ويحقق لكم الأمان مع أنفسكم وحيال الآخرين. والإسلام دعوة تقوم علي الحجة والبرهان والنفاذ إلي الابصار والبصائر وتتغلغل في المشاعر حتي تسكن الحنايا والوجدان فتملك علي المسلم نفسه ويجعل من قيم الإسلام دعامات تقيه وتحميه من الزلل والخطيئة بما تحويه من حس راق وقناعة رفيعة بالتقوي وعدتها الصبر والتروي والاحتكام للضمير الذي يوفر الزمام الذي ينبثق منه الالتزام بلا إكراه أو انهزام. * وهكذا صارت السيادة سمة من سمات الشخصية الإسلامية التي تحللت من الشرك لتتحلي بعبودية أعظم وأكرم لرب العباد "الرحمن الرحيم" الذي لا يظلم بل يرحم ولا يحرم بل يكرم ولا يرد من سأل أو يخذل من استجار ولم يكن هذا في الإسلام مجرد قول بل أمر واقع وفعل حاصل يلمسه المسلم ويحسه ويعيشه ويدركه. * لقد حرص الإسلام علي تكوين الشخصية التي تعد قالبا للنفسية ومعبرة عنها والتي تستجمع عناصر الثقة بالله فتتخلق بالإباء وتتزود بالقناعة والاستغناء وتنأي عن الدونية وتترجم الشجاعة الأدبية بقول الحق واتباعه ونصرة المظلوم واقتفاء العدل والسعي له عبر دروب التضحية والفداء. ومثل هذه الشخصية السوية لا تتحقق بغير الاعتماد علي الله والتوكل عليه دونما تواكل أو تراخ مع حرصها علي دعم ذاتها بامكانيات الغلبة والتفوق بأن تتحصن بالعلم وتعمل علي تحصيله بالقراءة والتدبر والتأمل والتمسك بأسباب القوة والصلابة والفروسية وتتابع حلقات دعم الشخصية لتكون قادرة علي تنفيذ القرار ومجابهة الأخطار من خلال مشاركة عملية بالرأي والرؤية فيما يعن ويهم ونظرة فاحصة توضح دور الشباب في نصرة الدعوة الإسلامية منذ عهدها الباكر ولنا في اللفيف الكريم من الصحابة والصحابيات خير مثال "علي بن أبي طالب ابن عباس مصعب بن عمير عمار بن ياسر معاذ بن جبل أسامة بن زيد عبدالله بن عمر عبدالله بن عمرو بن العاص أبو عبيدة بن الجراح سعد بن أبي وقاص فاطمة بنت محمد أسماء بنت أبي بكر... الخ" والقائمة طويلة لشخصيات فذة حملت لواء الدعوة ودافعت عنها بالجهاد وحمتها من الفتنة ووثقتها بالحفظ والتدوين. وعلي هذا النحو نشأ جيل الصحابة والتابعين لا يشتملهم خوف أو وهن بل يتحركون فوق هذه الأرض كقادة وسادة تشمخ الحياة بإقدامهم واعتزازهم لا يهابون كسري ولا يخافون قيصر ولا يأبهون لعرض الدنيا وزخرفها ويخوضون المعارك وشعارهم "احرص علي الموت توهب لك الحياة". وبهذا سري نبض الحياة بعد يأس وقنوط وغلف الأمل أرجاء النفس فعمها التفاؤل وانفرجت الأسارير بالثقة والإشراق ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلي محق "العدمية والدهرية" وربط الدنيا بالآخرة وصار مقتضي الإيمان التسليم بالموت والبعث والقيامة والحساب وهي شأن رباني كامل متكامل ومتتابع مترابط محكوم بأسباب ونتائج وصدق الله العظيم إذ يقول: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور". سورة الملك آية "2".