ان من الإنصاف والحق أن نقول حينما أشرقت شمس الإسلام علي دنيا الناس واستضاءت نفوس المسلمين بها انتشرت من جوانحهم إلي جوارحهم. فأصبحوا خير أمة أخرجت للناس أصبحوا أهل حضارة وصناع حضارة إذ ان مبادئ الإسلام صاغتهم علي نحو جديد من الكمال والفضل ولم يكونوا كما يروج الماكرون مجرد نقلة لحضارات الغير ذلك لانهم قد أتوا إلي البيت من الباب لا انهم تسوروا المحراب فباب الخير في كل شيء هو هدايات السماء فما ينبغي أن يغيب عن ذهن أي مسلم كما يقول الأستاذ عبدالواحد القاضي ان كل ما حققه الإنسان من تقدم في العلوم والمعارف ومن رقي في حياته علي الأرض لم يكن ليتحقق منه لولا ما حمله إلينا الرسل من مناهج وقيم جعلتهم فعلا أساتذة البشرية وهداتها. ونقول بحق ان أهل الحضارة الغربية عالة علي الحضارة الإسلامية بما حققته من تقدم في العلوم والمعارف والفنون وبما مكنت في المجتمعات من قيم عظيمة وأخلاق عالية فأضافوا إلي العلوم والمعارف والفنون بقدر ما سمحت به سنن التطور والارتقاء وانقصوا من القيم والأخلاق بقدر استجابتهم لأهوا ئهم ولوسوسة شياطينهم. وسيأتي يوم قريب إن شاء الله نرث فيه منهم تقدمهم العلمي لنضيف إليه بقدر ما تسمح به أيضا سنن التطور والارتقاء ولنعيد للقيم عظمتها وللأخلاق رفعتها وهكذا ستظل عجلة الحضارة تدور بين شرق وغرب حتي يتحقق قول الله تعالي: "حتي إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا. فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون" يونس .24 ونحن حينما نراجع التراث الثري الذي خلفه هؤلاء الاعلام نجد الألمعية والعبقرية والابتكار مقترنة بأمانة الاقتباس والاصرار علي مواصلة المسيرة استيعابا لما هو متاح فحينما نتصفح كتاب "منافع الأغذية ومضارها "للعلامة الرازي" تجده قد صوب فيه كثيرا من الأخطاء التي وقع فيها "جالينيوس" من قبل فقد استفادوا في صنع حضارتهم مما وجدوه صالحا في حضارات الأمم السابقة والتي قامت بدورها علي اثر حضارات سبقتها في بلاد عرب ما قبل الإسلام في وادي النيل والجزيرة العربية وفي وادي الرافدين ويكفيهم فخرا انهم وضعوا القواعد الأساسية لهذه الحضارة من وحي عقيدتهم السمحة وفي ظل تشريعاتها الحكيمة كما انهم حافظوا عليها مما كان له أكبر الأثر في استفادة أهل الأرض قاطبة بها فإليهم يرجع الفضل في بعث الحضارة الإسلامية وانتشارها علي أسس ومبادئ ثابتة حيث نشطت حركة الترجمة والتأليف. لقد قام منهج المسلمين الأول في الاستفادة من المعارف البشرية المتاحة لديهم علي أسس ثابتة قاموا بوضعها نصب أعينهم منذ اللحظة الأولي لبعث الحضارة الإسلامية ومازالت ماثلة أمامهم خلال مراحلها المختلفة. فكانت عنايتهم باللغة العربية عناية فائقة إلي حد انها كانت اللغة الدولية آنذاك كما كان التنافس في اتقانها شائعا وذائعا في مختلف الأقطار ذلك لانها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الطهور فكل عناية بها وخدمة لها هي بالدرجة الأولي عناية وخدمة للقرآن الكريم والسنة النبوية الطهور وعلومهما ومن أبرز أعمالهم وأشهرها في هذا المجال نشاط حركة الترجمة والتأليف باللغة العربية وتعريب مرافق الدولة وهو ما يعرف بتعريب الدواوين الحكومية وسك العملة. "وهي من الأعمال الجيدة التي قام بها الخليفة الأموي عبدالملك ابن مروان حيث كانت دواوين الشام تكتب باللغة اليونانية ودواوين العراق تكتب بالفراسية ودواوين مصر تكتب بالقبطية فنقلت دواوين الشام والعراق في زمانه أما دواوين مصر فقد نقلها إلي العربية عبدالله بن عبدالملك بن مروان في عهد الوليد بن عبدالملك سنة 87 ه وترجع أهمية هذا العمل الجليل إلي انه بتعريب الدواوين اضطر جميع ساكني البلاد الإسلامية إلي تعلم اللغة العربية لغة الدولة الإسلامية كما اصطبغ السكان بصبغة واحدة كما اصطبغت الدولة بصبغة عربية قومية في الميادين الادارية والمالية أضيف إلي ذلك ان تعريب السكة قد خلع علي الدولة الإسلامية العربية شخصية الاستقلال. كما عنوا عناية فائقة بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية بحيث اخضعوا لتلك الاداب مختلف جوانب حياتهم السلوكية.