مع رفيقة عمره (زوجته) التى رفضت أن يعتقلوه بمفرده بدأت أخطاء الرئيس جمال عبدالناصر الفادحة بقبول مشروع الوحدة مع سوريا في عام 1958.. وكان طبيعيا أن يفشل المشروع وتنهار الوحدة.. ثم جاء خطأ أكثر فداحة، حين دخلت مصر »حرب اليمن«.. وهي الحرب التي استمرت بالنسبة للجيش المصري ست سنوات كاملة، فقدت مصر فيها الآلاف من خيرة أبنائها، وخسرت الملايين من قيمة إنتاجها للإنفاق علي الحرب. ولعل من بين أكبر أخطاء ثورة يوليو 52، أنها كثيرا ما أهملت جانب التخطيط العلمي والدراسة، واعتمدت فقط علي الأسلوب الحماسي في تنفيذ قراراتها.. كمال حسين: عبدالناصر نسي كل معاني الصداقة والوفاء لشخص خرج معه ليلة الثورة لتخليص البلاد من الفساد.. وأمر ب»اعتقالي« رسم خطة الاعتقال في نفس يوم زفاف ابنته 14 أكتوبر 65 طرد زوج شقيقتي من وظيفته وأحاله للمعاش عقابا له علي رسالتي »اتق الله« كمال الدين حسين: هيكل أحد أسباب نكبة مصر.. وما يكتبه أكاذيب ولذلك فإن الثورة كما يقول أدبينا الكبير نجيب محفوظ لم يكن لها كما هو شائع إيجابيات وسلبيات، بل الصواب من وجهة نظر محفوظ أن لثورة يوليو سلبيات.. وإيجابيات سلبية، ذلك أنها حتي في أهدافها الوطنية النبيلة لتنمية مصر انقلبت هذه الأهداف إلي سلبيات، نتيجة سوء التنفيذ.. فعلي سبيل المثال هناك القرار الخاص بمجانية التعليم، الذي كان الهدف الأساسي منه هو القضاء علي الأمية والجهل وهو هدف وطني طالما حلمنا بتحقيقه، ولكن الأسلوب الذي تم به تنفيذ هذا القرار لم يكن دقيقا، حيث فتحت أبواب المدارس علي مصراعيها بلا ضابط ولا رابط أو تخطيط محسوب لمستقبل التعليم في مصر من خلال خطة خمسية مدروسة، وكل ذلك أدي إلي زيادة نسبة الأمية، بل وتحول التعليم الآن إلي »تجهيل« بمصروفات باهظة. ومضت الأمور في مصر علي هذا النحو.. من سيئ إلي أسوأ.. وكان ما كان لجيش مصر في اليمن.. وللنزيف الاقتصادي الذي شهدته البلاد طوال سنوات الحرب الست، أضف إليها ما تكبدته مصر من خسائر اقتصادية هائلة من جراء الوحدة مع سوريا.. وتصاعدت الأصوات تنتقد عبدالناصر وطريقة إدارته للبلاد.. ومن الجرائم التي ترتكب والمؤامرات التي تحاك ضد الشرفاء.. حتي ضاقت السجون والمعتقلات بمن فيها. لكن البلد كان مازال فيه شرفاء يتمسكون بمبادئهم ويضحون من أجل كلمة الحق بحرياتهم.. وكان كمال الدين حسين واحدا من هؤلاء الشرفاء الأحرار الذين لم يرضوا بما يجري علي أرض الوطن.. فبعث الرجل برسالته الشهيرة »اتق الله« إلي عبدالناصر.. وهذا هو نص الرسالة.. بسم الله الرحمن الرحيم السيد جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية من كمال الدين حسين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.. لا خير فيّ إذا لم أقلها لك.. اتق الله.. ومن يتق الله يجعل له مخرجا »قرآن كريم« ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا.. ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا »قرآن كريم«. اتق الله.. قالها الله سبحانه وتعالي لنبيه الكريم »ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين«.. اتق الله.. ولا تكن ممن قال فيهم الله سبحانه وتعالي: »وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم«. اتق الله.. أراد الله بها الرسول والمؤمنين، وأمر بها الرسول أصحابه المؤمنين وقالها الخلفاء والأئمة لبعضهم ولولاتهم وللمسلمين.. وقالها المسلمون للخلفاء والأئمة والولاة ولبعضهم بعضا.. اتق الله.. قالتها تلك الأمة التي أعزها الله بقوله: »كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله«.. صدق الله العظيم وسلام علي من اتبع الهدي.. كمال الدين حسين أحد أسباب نكبة مصر فيما بعد سأل أحد الصحفيين كمال الدين حسين: ما رأيك في هيكل وما ينشره؟.. وهو يقصد بالطبع الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل.. وأجاب كمال الدين حسين بسرعة: إنه أحد أسباب نكبة مصر أيام عبدالناصر.. ما يكتبه.. أكاذيب.. إنه واحد ممن يزورون تاريخ مصر.. انتهت شهادة كمال الدين حسين عن هيكل. قصة الاعتقال ويحكي كمال الدين حسين.. ما حدث له بعد أن بعث إلي عبدالناصر برسالته الشهيرة »اتق الله«.. يقول: إن هذه الرسالة لم أبعث بها إلي عبدالناصر وحده.. بل أرسلت نسخة منها إلي المشير عبدالحكيم عامر.. وكانت هي السبب المباشر أن يفقد عبدالناصر كل أعصابه.. وينسي كل معاني الصداقة والوفاء لشخص خرج معه ليلة 23يوليو لتخليص البلاد من نظم فاسدة.. وكانت رسالتي له نصيحة أن يتقي الله بعد أن وجدت الفساد بدأ يستشري في البلاد.. والحريات أصبحت شعارات والمحاكم الاستثنائية والتلفيقات والزج بالأبرياء في السجون هي دستور البلاد الذي تحكم به. لقد رسم خطة اعتقالي في نفس اليوم الذي كان يستعد فيه لزفاف ابنته يوم 14 أكتوبر 1965 استدعي اللواء هلال عبدالله هلال مدير سلاح المدفعية وقتئذ والعقيد حسن خليل مدير المباحث الجنائية العسكرية إلي منزله وأعطي الأمر باعتقالي في الحال ووضعي في مكان أمين. وجاء الاثنان إلي منزلي مساء يوم 14 أكتوبر 1965.. كنت جالسا في غرفة مكتبي مع عدد من الضيوف: حسن عبدالمنعم رئيس هيئة الإذاعة ومحمد محمود هاشم وبهجت رمضان وعبدالحميد النحال من الأصدقاء وأنور أبوالعطا زوج شقيقتي وكان يشغل منصب رئيس مجلس مدينة القناطر وفي يوم 13 أكتوبر 1965، أي بعد ارسال خطابي »اتق الله«.. إلي الحاكم عبدالناصر وزميله عبدالحكيم عامر بيوم وقبل اعتقالي بيوم.. فوجئ بحمدي عبيد وزير الحكم المحلي يتصل به ويبلغه قرار إحالته للمعاش فورا علي أن يترك مسكنه الحكومي في الحال.. واتصل بي أنور أبوالعطا وأبلغني ما حدث فاتصلت بالأخ عبداللطيف البغدادي وكنت قد أعلمته برسالتي »اتق الله« وقلت له: لقد أحالوا زوج شقيقتي للمعاش.. وهذا أول الغيث.. قطرة ثم ينهمر السيل فضحك وقال لي إنه يتوقع الكثير.. فقلت له وأنا مستعد لكل شيء. وعن كيفية اعتقاله.. يقول كمال الدين حسين: كنت جالسا في مكتبي مع من ذكرت أسماءهم.. وجاءني الشغال يبلغني أن هناك زائرين في الصالون.. وتركت ضيوفي لأري القادمين.. كانا هلال عبدالله هلال وحسن خليل ورحبت بهلال وصافحت حسن خليل.. وبدا علي هلال الحرج وشجعته للحديث.. قلت له: خير ياهلال.. وقال.. والحرج يبدو من اهتزاز صوته: سيادة الرئيس عايزك تستريح شوية في الهرم واحنا أعددنا كل شيء. قلت له: عندي ضيوف، وأرجو ألا يمس أحد منهم بسوء.. فقال: لا شأن لي بهم.. إنني أنفذ أمرا أن تتفضل معنا.. وقلت له: سأصعد لإعداد حقيبة ملابسي.. وصعدت إلي الطابق الثاني من الفيلا التي كنت أقمتها في الدقي ثم بعتها لعدم قدرتي علي سداد الأقساط بعد ذلك. وقلت للمرحومة زوجتي أن تعد حقيبة بها ملابس لي لأنه صدر قرار باعتقالي.. وفوجئت بها تقول: مش ممكن أسيبك أبدا.. مش ممكن تروح لوحدك.. لازم أروح معاك.. زي ما كنا نعيش معا لازم نعتقل معا.. الله يرحمها رحمة واسعة.. حاولت إبقاءها وإقناعها لترعي الأولاد.. ورفضت.. حاولت إقناعها.. أنهم قد يعترضون علي ذهابها معي.. ورفضت. في الحلقة القادمة: جلسة ساخنة بين عبدالناصر وكمال الدين حسين ثماني ساعات كاملة!