أحد مقاتلى جبهة النصرة فى شرق البلاد خطوة جديدة أقدمت عليها »جبهة النصرة« تلك الجماعه السلفية الجهادية التي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة، كأحد أهم فصائل المعارضة المسلحة التي تقاتل في سوريا، سعيا لإسقاط نظام بشار الأسد،اعترف زعيمها منذ عدة أشهرأبو محمد الجولاني من خلال تسجيل فيديو، أن جماعته تتلقي دعما ماديا وعسكريا من تنظيم القاعده بدولة العراق، ذلك التنظيم المعروف تحت اسم "دولة العراق الإسلامية"، الذي، والكلام لأبو محمد الجولاني، بارك مجيء جبهة النصرة إلي سوريا من أجل مساعدة إخواننا المقموعين، ومنحنا الكثير من الأموال في سبيل ذلك". وقد أعلنت جبهة النصرة مؤخرا عن انسحابها التدريجي من منطقة شمال شرق سوريا التي يسيطر عليها تنظيم »الدولة الإسلامية« خاصة بعد انسحاب المقاتلين الأجانب في صفوفها لصالح التنظيم الأخير علي أن تعمل الجبهة في مناطق أخري. الجولاني حاول إضفاء نوع من التميز علي جبهته، وذلك بتسجيل صوتي آخر تمت إذاعته علي شبكة الإنترنت، قال خلاله، إن جبهة النصرة تعلن الولاء الكامل لتنظيم القاعدة الذي يترأسه أيمن الظواهري، وأن له في رقبتهم "بيعة وعهدا"، وأوضح الجولاني" إن تأجيل إعلان ولائنا للقاعدة كان بناء علي الوضع الحساس في سوريا"، وأن مجيئهم للقتال مع الجيش السوري الحر ضد جيش النظام السوري، حدث بالتنسيق مع فصائل إسلامية أخري، دون الإشارة إلي تنظيم القاعدة بالعراق، وفي محاولة لطمأنة كافة فصائل المعارضة السورية أكد الجولاني:" علي أية حال فإن الدولة الإسلامية في سوريا ما بعد الأسد سيتم بناؤها بمعاونة جميع من شاركوا في الجهاد دون إقصاء لأحد". جبهة النصرة أصبحت لاعبا مهما علي مسرح المعارضة السورية المسلحة ابتداء من يناير 2012، حينما ظهرت مجموعة من المسلحين الملثمين في تسجيل فيديو، في خلفيته شعارات تنظيم القاعدة، يدعون إلي "الجهاد ضد النظام الكافر وإنشاء دولة إسلامية" في سوريا، ولم يتسن لأحد في ذلك الحين معرفة هوية هؤلاء الملثمين وما إذا كانوا فعلا مرتبطين بتنظيم القاعدة أم لا، وبشكل سريع جدا بدأت الجبهة في الإعلان عن نفسها عمليا والتميز عن باقي الفصائل المسلحة من خلال تنفيذ عمليات انتحارية وهجمات بسيارات مفخخة، فضلا عن تبني خطاب معاد للغرب والشيعة علي السواء (نظامي الحكم في إيران والعراق)، وهو ما جعل بعض المراقبين ينظرون للأمر بشكل مختلف، إذ إن "توماس بيرت" أستاذ التاريخ الإسلامي المعاصر بجامعة "إيديمبورج"بإسكتلندا، يري أن "هناك الكثير من الشكوك والشبهات تحوم حول جبهة النصرة، ولا أستبعد أن يكون النظام السوري نفسه هو من سهل دخولها للقتال بجوار الجيش الحر لزعزعة هذا الأخير من جهة، ومن جهة أخري إفقاد المعارضة المسلحة أي تعاطف من جانب الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة والتي تعتبر تنظيم القاعدة بفروعه المختلفة المنظمة الإرهابية رقم 1 في العالم"، وفي هذا الإطار يذكر الباحث الإسكتلندي أن تنظيم القاعدة في العراق الذي قاوم بشراسة ضد الاحتلال الأمريكي في الفترة من 2003 وحتي 2011، ظل صامدا صلبا في مقاومته بفضل تدفق آلاف الجهاديين عليه عبر الحدود السورية العراقية بمباركة النظام السوري. في خلال ستة أشهر فقط، صعد نجم جبهة النصرة في كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا، ولقد عرف عنها قدرتها علي فرض الأمن بقبضة من حديد في تلك المناطق، بشكل عجزت عنه كتائب الجيش الحر، كما يملك مقاتلوها خبرات خاصة في التخفي من قصف الطيران الأسدي ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل الصمود أمام مقاتليها في مواجهات علي الأرض نظرا لما يتمتعون به من شجاعة وثبات من نوع خاص، فهم يفضلون الموت عن خسارة شبر واحد من أرض يسيطرون عليها، وجاء ظهورهم علي مسرح الأحداث في سوريا بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة بعدما كان الجمود هو سيد الموقف. وطبقا للأخبار المتواترة عنهم فهم أكثر تنظيما وتسليحهم أفضل نسبيا إلي حد كبير من الجيش الحر، وطبقا لتصريحات منسوبة لقيادات هذا الأخير نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية "فإنه بالرغم من عددهم القليل إلا أنهم أفضل تسليحا وأكثر منا امتلاكا لمعدات لوجيستية ويتلقون الكثير من الأموال من الخارج ونعتقد أن جهة ما في الخليج ترسل لهم الأموال بانتظام"، وتشيرالتقديرات إلي أن أعدادهم في حدود الستة آلاف مقاتل، وبمتابعة المنتديات الجهادية فهم من جنسيات مختلفة، فمنهم العراقي والفلسطيني وآخرون جاءوا من دول القوقاز وآسيا الوسطي، وشمال أفريقيا وشرق أوروبا. وبالعودة إلي "توماس بيرت" أستاذ التاريخ الإسلامي المعاصر بجامعة "إيديمبورج"بإسكتلندا، لتفسير تصريحات الجولاني الخاصة بأن الجميع سيشارك في تأسيس سوريا ما بعد بشار، قال:"يريد طمأنة السوريين عموما وأصحاب النزعات القومية وطوائف الأقليات علي وجه الخصوص (العلويين والمسيحيين)، ويريد أن يظهر منهجا مخالفا لتنظيم القاعدة بالعراق، الذي قتل آلاف الشيعة في عمليات تفجيرية وأجبر أغلب المسيحيين العراقيين علي الهجرة للخارج، وبما أن سمعة التنظيم سيئة في الداخل والخارج فإنه قد يكتسب عداوة الشعب السوري نفسه وسيجعل من يريد الانشقاق علي جيش الأسد يفكر أكثر من مرة قبل الانضمام للمعارضة المسلحة عموما". بوادر الخلاف بين جبهة النصرة والجيش الحر تظهر في تصريح لوائل مقداد المتحدث الإعلامي باسم هذا الأخير قائلا: "يريدون إنشاء دولة إسلامية في سوريا ما بعد بشار، ونحن نؤكد أنه لا أحد يملك فرض رؤيته علي الشعب السوري فنحن نريد دولة ديموقراطية تسع الجميع"، ويؤكد المقداد أنه بالرغم من الخلاف الفكري مع الجبهة" ولكن، علي الأرض، هناك الكثير من التعاون بينها وبين مقاتلينا في عمليات نوعية ضد قوات الأسد". في النهاية تجدر الإشارة إلي أن تصنيف جبهة النصرة ضمن السلفية الجهادية المحسوبة علي تنظيم القاعدة، جعل الكثير من الدول الأوروبية تتردد في إمداد المعارضة السورية بالسلاح، بل إن عداء جبهة النصرة للعلويين (طائفة بشار الأسد) خصوصا وللشيعة عموما يثير شك وارتياب الكثير من السوريين علي مستقبل سوريا ما بعد الأسد، إذ يبدي كثير من سكان المناطق المحررة قلقهم تجاه السلوك الفظ من مقاتلي الجبهة ضد كل من يخالف التقاليد الإسلامية من وجهة نظرهم، وهو ما تحاول "النصرة" التغلب عليه من خلال أنشطتها الخيرية المعني بها فرعها المدني المعروف بإسم "قسم الإغاثة".