الإسلام دين المغفرة والرحمة وهو دليل وميثاق المسلم يضع نظاما للكون من سار علي هداه فقد فاز فوزا عظيما ومن ابتعد فهو من الخاسرين ويتعرض الإسلام كثيرا لأخطاء وحملات تشويه وهجوم ويجتهد المجددون زيادة في الحرص علي سلامة الفهم والتفسير والحد من المهاترات التي تتعرض للقضايا الإسلامية.. في عام 1384 الهجري أتم أمين الخولي كتابه »المجددون في الإسلام« لإيمانه بضرورة أن يتحدث أصحاب التراث من المؤمنين بالتجديد يعبرون ويتحدثون عن تجديدهم الديني بأنفسهم.. ولإحياء النص التراثي كمادة للتاريخ العام والحضارة والاجتماع.. ولم تعد فكرة التجديد بدعا أو أمرا يختلف عليه الناس أو يختلفون بل هو اختيار من القدماء أمثال »السيوطي« الذي كتب أقدم مخطوط سمي »بالتنبئة« وتبعه المراغي بكتابه »بغية المقتدين« وقال أمين الخولي إن الهدف من كتابه وخطته هو تدعيم فكرة التجديد ثم تحديدها وبيانها.. فقد ملك النفس شعور الحياة بالحاجة الماسة الملحة إلي تجديد تطوري يفهم به الإسلام الذي يقرر لنفسه الخلود والبقاء فهما حيا يتخلص من كل ما يعرض هذا البقاء للخطر ويعوق الخلود إذا ما صح العزم علي هذا الفهم الجديد الذي مضت سنوات في تقرير أصوله وأسسه درسا وتعليما وتدوينا. يؤكد أمين الخولي أن القدماء كانوا يعنون بالتجديد أنه: إحياء السنة وإماتة البدعة أو إحياء ما اندرس وما يشبه هذا التعبير وبيان نسبته إلي التطور بمعناه الاجتماعي الحديث وقد اتفق القدماء علي أن يعدوا من المجددين خلفاء ويتفقوا علي أن »عمر بن عبدالعزيز« الخليفة الأموي هو المجدد الأول علي رأسي المائة الأولي من المجددين ولا ينافسه أحد ما.. والخلفاء تجديدهم غالبا هو الجانب العملي في إصلاح الحكم ورعاية أحوال الناس وما يقررونه بوضوح أن الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة وبث العدل وحقن الدماء وما فعله عمر بن عبدالعزيز ليس بخاف علي أحد.. وعلي المائة الثانية يأتي »هارون الرشيد مع الشافعي« والثالثة »المقتدر بالله مع ابن سريج« والرابعة »القادر بالله مع أبي حامد الأسفرايني« والخامسة »المستظهر بالله مع الغزالي« وأيدوا ذلك باعتبار منصب تجديد الدين منصبا اجتماعيا عمليا يشبه منصب الخلافة الظاهرة والإمامة العظمي.. حيث التجديد قديما ليس إلا حماية للمجتمع والانتباه إلي العوامل السيئة المفسدة لأمره ولأصل الإسلام العام والاجتماعي ويعني وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتغييره كلما أمكن والمقصر في هذا ملعون لعنة الذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داود وعيسي بن مريم.. والتجديد في رؤوس القرون هو العمل الثوري الكبير الذي تحتاجه الأمة وهو ما يجعل التجديد يرتبط بالأحداث الكبري الضارة التي يتعرض لها المجتمع بسبب التطور الاجتماعي أو الخلل الاقتصادي. تجديد وتطور أجاب شيخ الأزهر عام 1384ه علي سؤال وجه إليه عن »إلي أي حد يمكن أن يتطور الدين تبعا لتطور المجتمع«؟ وكان جوابه هو أن »الدين أحكام أساسية وأحكام تبعية وفرعية والأحكام الأساسية تبقي ما بقي الزمن ولا يجوز فيها أي تغيير.. أما الأحكام الفرعية أو التبعية فهذه تخضع لما يثبت في الكتاب أو السنة وإذا لم يوجد في الكتاب أو السنة نص فيها جاز الاجتهاد والأخذ بما يحقق مصلحة المجتمع«.. ويؤكد أمين الخولي أن المضي المحدود في التطور بالعقيدة أو العمل لا نستنتجه مجرد استنتاج من قول الأقدمين وما في أنفسهم وتفكيرهم وحديثهم عن مثل ديني فقهي للمجدد الثاني عندهم بالإجماع هو الشافعي إذ يذكرون له مذهبين فقهيين مذهب جديد ومذهب قديم الذي كان في سن سابقة من حياته وفي بيئة مختلفة هي العراق والجديد بعده في سن أكبر وعن حياته بمصر حيث اختلاف البيئتين ماديا مصحوبا باختلاف معنوي ومن يتأمل التغييرات واختلاف مقومات الحضارة والوراثة يستوثق أن مذهبي الشافعي يمثلان تغيير فكريا أقر به الشافعي لنفسه.. فالتغيير في أطوار وأدوار الحياة من سنة وطبيعة الحياة.. ولقد جاء التطور الإسلامي بأمرين هامين أسس هذا التطور في المقررات الإسلامية ومدي هذا التطور الإسلامي والمجال الذي يتناوله من العقائد والعبادات والمعاملات وكيف يكون وليصبح حيث تتسع حياة الإسلام بدون حدود يوجد أسس تهيئ التطور والتجديد باقتصاد مريح دعوته إراحة العقل بتركه التفاصيل وتمسكه بالإجمال العام بالنهي عن التفكير في الصغائر كمثل الإيمان بالألوهية أن يدركوا أن الله ليس كمثله شيء وهذا الوضوح واليسر في العقيدة لن يدع فرضا للصدام والخلاف كثيرا أو قليلا بين العقيدة وبين ما يستطيع الإنسان أن يكشفه من سنن الكون وأسرار مخلوقاته ولهذا امتد التجديد والتطور إلي بيان الأسس الميسرة لتطور الإسلام. حرية الرأي كان للمجدد الديني عمر بن عبدالعزيز حرية لم تتوفر لأحد من معاصريه سواء حكام أو مفكرين عندما كتب لزعيم الخوارج يدعوه ويسأله عن مخرجه فكان في كتابه إليه » أنه بلغني أنك خرجت غضبا لله ولنبيه ولست أولي بذلك مني أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل فيه الناس وإن كان في يدك نظرنا في أمرنا« فكتب له زعيم الخوارج قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك ودخل الرجلان عليه فوصلا به في المناظرة إلي ما طلب بعده ينظراه ثلاثة أيام.. وقد خرجت عليه أيضا حرورية بالموصل فكتب إلي عامله يقول» »ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين »النحل« وأني أذكركم ألا تفعلوا بفعل كبرائكم الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط.. كتب إليهم دون أن يأخذهم بعنف أو اضطهاد أو يحدد حريتهم أو حرية دعوتهم وهو يقدر الحرية الفكرية والاعتقادية في إنسانية.. وكان قد دخل عليه ناس من الحرورية فذاكروه شيئا.. فأشار عليه بعض جلسائه أن يرهبهم ويتغير عليهم فلم يزل عمر يرفق بهم حتي أخذ عليهم ورضوا منه أن يرزقهم ويكسوهم ما بقي فلما خرجوا علي ذلك ضرب عمر ركبة رجل يليه من أصحابه وقال: يافلان إذا قدرت علي دواء تشفي به صاحبك دون الكي فلا تكوينه أبدا وهو محب للسلم ومقدر للحرية وهذا ما جعله يقول: و»الله لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق في سبي محجم من دم«. والعدل الاجتماعي كان من أولويات المجدد الأول عمر بن عبدالعزيز فإذا به يعلن علي الناس في موسم الحج كاتبا يقول: »وأي عامل من عمالي رغب عن الحق ولم يعمل بالكتاب والسنة فلا طاعة له عليكم وقد صيرت أمره إليكم حتي يراجع الحق وهو ذميم.. إلا أنه لا دولة بين أغنيائكم ولا أثرة علي فقرائكم في شيء فيكم.. فهو يؤمن بضرورة أن يصرف المال لحوائج الناس وليس من أجل الظواهر الدينية التي يهتم بها الحكام ممن كانوا قبله وقد كتبت إليه الحجبة أن يأمر للبيت بكسوة كما يفعل من قبله.. يكتب إليهم »أني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة فإنه أولي بذلك من البيت«.. كما أنه قد أدرأ الحد عن السارق حين شكا له الحاجة فعذره وأمر له بجانب الإعفاء بعشرة دراهم مقرا بمسئولية وخطأ المجتمع عن المخطئ والمنحرف ولا يؤمن بالعقوبة بعيدا عن التحري عن سبب الجريمة ويؤمن بإيصال الحق لأهله برد الصدقات للفقراء والمحتاجين وكان العامل علي الصدقات يأتي الحي فيقبض ما فيهم ثم يدعو فقراءهم فيقسمها بينهم ويغادر الحي ويغادر الحي إلي حي آخر ويجمع فقراءه ويقسم الصدقات فيما بينهم ولا يعود إلي الخليفة إلا وقد فرغ من توزيع الصدقات.. كان هذا هو عمر بن عبدالعزيز المجدد الديني دقيق الحس الذي يملك قلبا مليئا بالخير والرحمة والإنسانية.