رحمة الله وسعت كل شيء.. والرحمة بين البشر تعني حسن الخلق واللين ومن سقي كلبا ومن شهد شهادة حق وقال كلمة طيبة ومن نأي بنفسه عن الكبائر والمتصدق ومن راعي أولاده ومن يؤدي الأمانة ويكرم الضيف ويستر مسلما وغيرها من صور الرحمة بين الإنسانية التي تقربه من الله سبحانه وتعالي وطاعة الرسول الكريم واتباع سنته. الحمد لله الذي كتب علي نفسه الرحمة والصلاة والسلام علي من أرسله الله تعالي للعالمين رحمة وعلي آله وصحبه ومن اهتدي بهديه وآمن بنوره ورضي بسنته إلي يوم الدين والرحمة بهذه الكلمات استهل الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر كتابه »رحمة الله بين الرجاء واليأس« مؤكدا أن الكتابة في هذا الموضوع هي من الضرورة بمكان حيث إنه ما من إنسان إلا وهو فقير إلي الرحمة ولا سيما رحمة الله عز وجل« فالرحمة تشمل الدنيا والآخرة وأن زماننا هذا غلب فيه اليأس واستشري الفساد.. ويذكر صورا من اليأس من رحمة الله تعالي فيها استبطاء بعض الناس تلك الرحمة وقد حكم رسول الله صلاة الله وسلامه عليه في هذا الشأن حكما مفصلا فبين أن الله عز وجل يستجيب لعبده ما لم يعجل »أي ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي وكثير ما يقول هذه العبارة وقد أدخل نفسه في زمرة اليائسين من رحمة الله.. وهناك أمة ممن سماهم هواة الدعاة يبعدون الناس عن رحمة الله حيث يصورون لهم الدين نافلة أن لم يقوموا بها فليس ممن تنالهم رحمة الله والعلم بالدين علي خلاف ذلك فالله سبحانه وتعالي يدعو عباده إلي رحمته عن طريق عزم الأمور ثم تأتي النوافل للقادر عليها إلي رحمته وقد جاء في الحديث القدسي »من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن جاءني يمشي جئته هرولة« فالله عز وجل أشد طلبا للعبد يرجو رحمته من العبد نفسه فما أعظم رحمة الله عز وجل وما أوسعها. ما أقرب رحمة الله يقول الدكتور مبروك عطية في الباب الأول »أن رحمة الله قريب من المحسنين« الأعراف.. ما روي عن عمر رضي الله عنه.. »أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك« وليس معني ذلك التصور الضيق الذي يجري علي ألسنة الناس خصوصا السائلين من إعطاء المساكين والمحتاجين بعض النقود.. فالمحسن لابد أن يكون مؤمنا صحيح العقيدة المحسن يرجو رحمة ربه والكافر يائس من رحمة الله وقال تعالي »إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها« الأنعام.. فاليأس من إيمانهم معناه مؤكد وهم بذلك الفهم يائسون من رحمة الله واليأس من الشيء لا يصل إليه ويذكر مثالا لشابين دخلا علي رسول الله[ فوجداه يعمل عملا فأعاناه فقال لهما: لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رءوسكما فإن الله خلق الإنسان قطعة حمراء ليس عليه قشر ثم كساه ورزقه.. أخرجه ابن ماجه والإمام أحمد بن حنبل في مسنده.. ويشرح أن التذكر يجعل الإنسان يستدعي رحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء فلا تخف أن تضيق مثال خوفك من أن يصرف صراف عملك ما لديه من أموال قبل أن تصل إليه مع أنك تعلم أن اسمك موجود في الكشف وأن راتبك محسوب حسابه اطمئن إلي رحمة الله.. ويحكي عن الأعرابي الذي شعر بشيء من السرور حين رأي فرج الله في دين جاء به محمد يدعو إلي الرحمة والجنة ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا فهتف قائلا: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال له [ »لقد حجرت واسعا« أي ضيقت رحمة الله وهي واسعة فهي تسعك وتسع من دعوت له معك وهو أول داخل فيها بفضل ربه عليه الصلاة والسلام وتسع الدنيا جميعا. مظاهر الرحمة أنزل الله القران رحمة للعالمين وكل ما به خير للعباد الصالحين توجههم بها للخير والطاعة واتباع هديه ولقد بعث الله الرسول الكريم محمد [ رحمة للعالمين فمن اتبعه فاز برحمة الله وقال رسول الله صلوات الله عليه كل أمتي يدخلون الجنة ألا من أبي فلما قال الخلق كيف يأبي أحد أن يدخل الجنة؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي.. وتجلت رحمة الله تعالي في جعل المؤمنين إخوة بقوله في سورة مريم »ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا« فالأهل معناها مقتضي الأهل من التعاون والتواد والتعاطف والتراحم ويجب أن يعود هذا المعني حتي يشعر الناس بنعمة الأهل التي هي رحمة من الله تعالي.. والأخ الصالح نبيا كان أو غير نبي رحمة سواء أخوة الدم أو النسب خاصة إذا كان الأخ بارا بأخيه عطوفا عليه يوده ولا يقطعه ولا يشق عليه بل يصبح عونا ونصيرا كمال قال الرسول([) انصر أخاك ظالما أو مظلوما.. وصور أخري للرحمة الإلهية منها الزواج والولد الرحيم والمطر وأيضا الليل والنهار والقوة كما عند ذي القرنين.. وعدم تعجيل العذاب رحمة وتشريعة للعفو والأنعام والدواب وعدم البسط في الرزق لبعض عباده وقال عز وجل (لو شاء الله لأعنتكم) البقرة .. وتعني القدرة علي أن يكتب العنت والمشقة بعزته وجلاله وعظمته وكتب علي نفسه الرحمة وأرسل بها رسوله([) لان الله يريد اليسر للمؤمنين رحمة بهم وقد دعاهم بصور كثيرة لرحمته فهو بسطها وكتبها علي الذين يتقون ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو الغفور الرحيم وما من مغفرة بين الناس إلا من مدد مغفرته وما من رحمة إلا هي من واسع رحمته تعالي. اليقين يشرح الدكتور مبروك عطية الفرق بين الرجاء والدعاء بأن الأول حالة نفسية والدعاء سؤال وقول ممن يرجو رحمة الله يترقبها وينتظرها بيقين أنها ستأتي بلا شك كمن ينتظر غائبا يرجو عودته بخلاف من يرتجي غائبا لمدة طويلة كأن يغيب رجل ذهب ليشتري من السوق حاجيات وتأخر وغاب المريض الذي ينتظر الشفاء.. أما من غاب وانقطعت أخباره فيقضي الحكماء بموته.. وتبقي رحمة الله عز وجل وسبل الرحمة كثيرة من أهمها العودة إلي الصلاح وعدم التمادي في الأذي والضرر وأن يكون الإنسان توابا والله سبحانه وتعالي يفرح بتوبة عبده المسلم وهناك رجل قد فقد دابته في الصحراء وعليها امتعته وزاده فحزن حزنا شديدا ونام تحت شجرة يائسا ثم صحا ودابته أمامه رجعت له بما عليها وهي نعمة من الله ورحمة لا يدركها أحد إلا من شعر بها أو عاشها وهو راج رحمة ربه بدلا من الهلاك الذي تعرض له وأن باب التوبة مفتوح فمن فعل ذنبا ثم تاب وطلب مغفرة الله وردد كلماتها قال الله تعالي لملائكته: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب أشهدكم أني قد غفرت له.. ويأتي العبد بابا من أبواب الرحمة لأن الصبر خلق الأنبياء والمرسلين والصالحين والعجلة لا تأتي بخير والضجر نقيض الصبر.. أن ينجح المؤمن في الابتلاء وهو راجي رحمة ربه فإن هذا دليل الصدق ومن أخفق فيه عذب ومن نجح فيه فاز برحمته تعالي والدليل قوله في سورة الأنعام : وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما أتاكم أن ربك سريع العقاب وأنه لغفور رحيم« وهو سبحانه وتعالي سريع العقاب لمن ابتلي فأخفق وغفور رحيم لمن ابتلي فنجح وتعني الآية أن الله خلق الإنسان في الأرض خلائف يخلف بعضهم بعضا ورفع البعض فوق الآخر درجات والرئيس الناجح من أدي حق الله في رعاياه فلم يظلم أحد منهم ولم يستجب لبطانة السوء ويقول الدكتور مبروك إن أول السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لاظل إلا ظله إمام عادل والمرؤس الناجح الذي يؤدي حق الله وحق رئيسه وأيضا الغني المرفوع بماله إن نجح لم يزده ماله إلا تقوي الله وصلة لأرحامه دون حقد أو حسد علي الأغنياء أو سواد يعكر عليه صفوه.. ومن يطع الرسول صلوات الله عليه فقد أطماع الله والتواضع من صفات من يرجو رحمة ربه مع من يبدل بعد السوء حسنا حيث يتوهم بعض الناس أن الذي تاب يبدل الله سيئاته حسنات هكذا دون أن يعمل صالحا وهذا خطأ حيث أكد السلف جميعا أن التائب عليه أن يعمل أعمالا صالحة يبدل بها سيئاته حسنات كما قال عز وجل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكري للذاكرين.