في بدايتها الفنية في عام 1960 قدمت أدوارا ثانوية حتي رآها حسن الإمام ورأي فيها ممثلة تتمتع بشخصية تنفرد بها وحدها وأسلوب متميز في الأداء.. تبدو حادة أحيانا من طريقة كلامها.. تتمتع بفكر وثقافة.. فأسند إليها دورا هاما في »قصر الشوق«.. لكن طموحها كان أكبر من ذلك بكثير فأسند إليها حسن الإمام أول بطولة مطلقة في فيلم »دلال المصرية« وأول دور لحسين فهمي. وكان من عادة حسن الإمام حين يبدأ تصوير فيلم جديد أن يدعوني إلي الاستديو لأخذ رأيي في أبطاله.. وتحلو الدردشة فالإمام شخصية جميلة عكس ظاهرها.. إنسان طيب ليس محبوبا فقط من الممثلين بل أيضا من الكومبارس.. ويكفي ماناله من النقاد الذين لم يعرفوا قيمته إلا بعد وفاته.. ونجحت كل أفلامه علي المستوي الجماهيري. أما بطلتنا الجديدة فهي ماجدة الخطيب.. وكان اسمها يتصدر أسماء كل الفنانين في ذلك الفيلم. عرفت ماجدة الخطيب منذ تلك الفترة وتابعتها وهي تؤدي أنماطا مختلفة منها دورها في »ثرثرة فوق النيل« لحسين كمال في دور واحدة من مجموعة الشخصيات المهزومة التي تلتقي كل يوم في عوامة علي النيل يتعاطون الحشيش للهروب من واقعهم. تطلعت ماجدة الخطيب أن تكون ممثلة تختلف عن كل الممثلات ولا تستطيع فنانة أن تحل مكانها فتقدم فيلما ذا قيمة يبقي في ذاكرة السينما المصرية، وكانت في منتهي الجرأة حين أقامت شركة إنتاج تحمل رقم »656«.. ولا أعرف مغزي هذا الرقم.. لتقدم أول فيلم سياسي ينتقد قمع »زوار الفجر« وافتراء بعض رجال الشرطة في تلك الفترة علي المواطنين. صورت ماجدة الخطيب الفيلم عام 1972.. لكنه عرض في عام 1975 بعد أن تنقل حجر داير بين الرقابة والسلطات والداخلية حتي أجيز الفيلم الذي أخرجه ممدوح شكري الذي أعتقد أنه رحل قبل أن يشاهد الفيلم مع الجمهور. ❊ ❊ ❊ وفيلم »زائر الفجر« يبدأ بمقتل »نادية الشريف« وهو اسمها في الفيلم ثم العودة إلي الفلاش باك لنشاهد التحقيقات التي تكشف عن فساد داخلي وقمع فكري وابتذال في أجهزة الدولة التي تجمع البعض ضد من يمول معارضة مثل جماعة نادية الشريف التي تنتمي إليها والتي تتخذ من النضال والثورة منهجا في محاولة تقييم الأوضاع والفساد الاجتماعي.. لكنها لاتستطيع مواجهة تلك الجماعات.. ورغم أن التقرير الشرعي لموت نادية الشريف أثبت أنها ماتت نتيجة هبوط في القلب.. إلا أن التحقيقات تثبت شبكات دعارة وراءها سياسيون.. وتصل إلي أن يأمر أحد رجالات النظام بوقف التحقيق. ❊ ❊ ❊ ويبدو أن ماجدة الخطيب كانت تتنبأ بما سيحدث لها كانت قد صدمت بعربتها أحد الشبان فلقي مصرعه فقيل إنها كانت مخمورة وحدثت مشادة بينها وبين ضابط البوليس.. لكن الشرطة وقفت لها بالمرصاد.. فحضر زوار الفجر إلي بيتها لتنال منهم ومن وحشيتهم لدرجة أنهم كسروا أسنانها.. ورأينا صورة نادرة لها بعد هذا الحادث.. إنسانة مشوهة.. وحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات اضطرت ماجدة معها الهروب إلي باريس كما فعل بليغ حمدي بعد ذلك حتي تسقط مدة العقوبة. ❊ ❊ ❊ في تلك الفترة تنقلت ماجدة بين الاردن وسوريا ولبنان.. لم تنس أنها ممثلة مصرية.. فقدمت فيلما إنتاج أردني مع فريد شوقي وأمينة رزق وهو فيلم »الانتفاضة« عن فلسطين. ❊ ❊ ❊ التقيت بها مصادفة في فندق الشام بسوريا وجلست أتحدث إليها وحكت لي قصتها.. وماحدث لها من إهانة وضرب وتشويه.. وذلك حين وقعت أسنانها بعد ضربة قاضية.. ورأينا صورة نادرة لها بهذا الشكل! أرادت السلطة إحضارها إلي مصر عن طريق الانتربول.. لكنها تهربت منهم بالعودة إلي باريس. وفي إحدي المرات وأثناء وجودنا في باريس لحضور مهرجان العالم العربي كانت ماجدة تمثل علي أحد مسارح باريس مسرحية »الجنزير«.. وهي مسرحية تناهض الارهاب.. وامتلأ المسرح عن آخره من الجالية العربية الذين صعدوا إلي المسرح لتهنئتها.. واشترك معها عبدالمنعم مدبولي الذي ظل طوال دوره علي كرسي متحرك. ❊ ❊ ❊ عادت ماجدة إلي أرض الوطن بناء علي نصيحة فريد شوقي لتسلم نفسها وتمضي عاما كاملا مع تاجرات الحشيش والقاتلات والعاهرات.. وخرجت لتجد شقتها في عمارة الايموبيليا وقد استولي عليها البعض.. فأخذت نفسها إلي صديقة لها لتبيت عندها حتي تسترد الشقة.. واتصلت بي في مجلتي »آخر ساعة« قائلة إنها تريد أن تلتقي برئيس التحرير وكان وقتها محمود صلاح الذي أصبح الآن رئيسا لتحرير مجلة الحوادث. وتوفيت ماجدة عن عمر يناهز ال64 عاما في هدوء وبلا ضجيج دون أن يحس بها أحد.. لكن أفلامها السياسية ستظل تحكي تاريخ فترة سوداء في حياة مصر. رحم الله ماجدة الخطيب