لولا اسمه المدون بعد اسمي في شهادة الميلاد ماصدقت يوما أنه أبي . لم أشعر يوما بذلك الدفء الذي تتحدث عنه صديقاتي اللاتي تربطهن علاقة سوية بآبائهن . أفتقد دوما لذلك الإحساس بالأمان والقوة والسند تلك المشاعر التي يمنحها وجود الآباء في حياة بناتهم . كثيرا ما كنت أغبط صديقتي المقربة علي تلك العلاقة التي تربطها بوالدها . كان كل شئ في حياتها . هو الأقرب لقلبها وعقلها حتي من أمها . كانت تحكي له كل شئ حتي تلك المشاعر البريئة التي يمكن أن تقتحم أحاسيس أي فتاة في الجامعة عندما يطرق قلبها الحب . كم كانت صديقتي محظوظة وكم كنت أنا محرومة من كل ماتنعم به صديقتي من مشاعر جميلة . هي بالفعل نعمة لايقدر قيمتها إلا من حرم منها .وأنا حرمت من تلك النعمة . لم تكن علاقتي يوما بوالدي تتسم بالود بل علي العكس كانت علاقة نفور وشجار وخلاف وسوء تفاهم وتربص كل منا للآخر . كثيرا ماكانت أمي توبخني تؤنبني تحاول إقناعي بفتح صفحة جديدة لعلاقتي بأبي أحاول فيها أن أفهم السبب الذي يدفع أبي لتلك المعاملة . كانت تحاول إقناعي أن ذلك يرجع لخوفه الشديد عليَّ وإن كانت طريقته في إظهار خوفه مبالغا فيها وأحيانا تكون خاطئة . لكني لم أقتنع بكلامها ولامنطقها لم أستطع أن أبرر له تلك المعاملة الجافة الحادة الغليظة . فهو دائم النقد والسخط والاحتجاج علي كل تصرفاتي وآرائي . كل ما أفعله محل اعتراض . لم أسمع منه يوما كلمة تشجيع حتي نجاحي وتفوقي في دراستي لم تدفعه يوما للثناء عليَّ وكذلك نشاطاتي وهواياتي وتميزي في الرسم والموسيقي لدرجة أهلتني للحصول علي العديد من الجوائز والمنح وشهادات التقدير . كل ذلك لم يدفعه للاعتراف بنجاحاتي وحثه علي تغيير طريقة تعامله معي . حتي بعدما تخرجت من الجامعة بتفوق أهلني كي أصبح معيدة فيها بعدها حصلت علي الماجستير والدكتوراة وشعرت بفرحة أهلي وأقاربي وافتخارهم بي لمحت ذلك في عيونهم أما عيونه هو فلم ألمح فيها إلا استهانة بما حققته من نجاح . ربما كنت مبالغة كما اتهمتني أمي لكن هذا هو ما وصلني من معاملته لي. لكن هل أكون مبالغة أيضا عندما شعرت بذلك الإحساس يوم زفافي لم ألمح الدموع في عينيه كتلك التي شاهدتها في عيون والد صديقتي لم أشعر أنه يفتقدني وكل ماشعرت به أن راحة ظهرت علي ملامح وجهه وكأنه تخلص من عبء ثقيل لاأعرف حتي الآن ماالسبب في تلك المعاملة الغريبة التي لم تتغير حتي بعد زواجي وإن كنت أعترف أنها تبدو الآن أقل حدة ؟ هل أجد تفسيرا عندك ؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : رسالتك تهدم كل نظريات علم النفس وآراء الخبراء المتخصصين الذين يرون أن علاقة الفتاة بوالدها تكون أفضل من تلك التي تربطها بوالدتها .عموما يبدو أن لكل قاعدة شواذ ونصيبك أنك من بين الاستثناءات . أما عن السبب في ذلك فيرجع لذلك الخوف الزائد الذي يمنع بعض الآباء من التعبير عن مشاعرهم لبناتهم وتبدو العصبية والحدة كرد فعل عكسي لذلك الخوف والقلق وهو بالطبع خوف مرضي مبالغ فيه ولاينتج عنه سوي أضرار نفسية تصيب الفتاة وربما تدفعها لارتكاب أخطاء أو الاندفاع نحو علاقات غير سوية تمنحها قدرا من الحنان المفقود من والدها . هذه السلبيات يمكن تجنبها بسهولة إذا ما أدرك كل أب أن الحدة والعصبية لن تأتي إلا بالضرر وأن الرقابة الناعمة هي أفضل وسيلة للتربية وأن قدرا من الثقة مطلوب لضمان علاقة سوية بين الآباء وبناتهم أما الهجوم والنقد والعصبية فلن تؤدي إلا لكوارث . فمن الخطأ أن نظل نعمل بالمثل القائل " إكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين " والكسر هنا يتجاوز الإيذاء البدني ليشمل الإيذاء النفسي أيضا . نصيحتي لكل أب أن ينتبه لذلك الخطأ الذي يمكن أن يدمر حياة فلذة كبده وأن يعمل علي مد جسور الثقة معها لتجنب المخاطر التي يمكن أن تنجم عن علاقة لايسودها الحب بينهما فما أحوج كل فتاة لحضن أبيها مثلما تحتاج لحنان وحضن أمها فهما فقط من يحميانها من كل مكروه.