صورة ساخرة تجمع بين ملامح بوش وأوباما فضيحة جديدة تهدد البيت الأبيض كشفتها صحيفة "الجارديان" البريطانية، في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، حيث كشفت عن قيام شركة "فريزون" لخدمات الهاتف المحمول، بتسليم عشرات الملايين من المكالمات المسجلة لمواطنين أمريكيين، لوكالة الأمن القومي، أحد أفرع وكالة الاستخبارات الأمريكية، والمباحث الفيدرالية، و نشرت الصحيفة البريطانية قرارا سريا ، صدر عن المحكمة الفيدرالية الأمريكية يوم الخامس و العشرين من أبريل الماضي، يمنح المخابرات الأمريكية الحق المحدود في التنصت بشكل عشوائي علي بعض المكالمات، لا سيما الدولية، في فترة حددها القرار ما بين 25 أبريل و19 يوليو، لكن ما حدث كان مخالفا لقرار المحكمة ، حيث نشرت الصحيفة معلومات توضح أرقام مواطنين و عدد ومدد مكالماتهم و الأرقام التي عادة ما يتصلون بها سواء دولية أو محلية في أوقات مختلفة من العام. وكان التنصت، بشكل مكثف، علي المواطنين الأمريكيين من أهم ما ميز عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، ولكن يبدو أن الأمر استمر علي نفس النطاق في عهد الرئيس أوباما، الذي قطع علي نفسه وعدا في بداية حكمه بتقنين المراقبة علي المكالمات الهاتفية، ولكن الواقع أثبت أنه يسير علي نفس نهج الرئيس بوش، وبنفس درجة التعاون مع شركات الاتصالات، وإن كان ذلك لا ينفي أنه عزز من رقابة الكونجرس علي القوانين التي تمنح المخابرات الحق في التنصت علي المواطنين. وتأتي ردة الفعل الغاضبة تجاه ما كشفته الجارديان بسبب أن عمليات التنصت علي المكالمات، طالت مواطنين عاديين ومكالمات داخلية لا تثير أي نوع من الشكوك، فيما كان قرار المحكمة الفيدرالية بالأساس، بخصوص المكالمات الدولية التي يشتبه في أن أصحابها علي صلة بجماعات إرهابية، وتؤكد الصحيفة البريطانية أنها، اتصلت بوكالة الأمن القومي الأمريكية وشركة "فريزون"، للرد علي تلك التسريبات ولكن كلتا الجهتين امتنعت عن التعليق، وتضيف الجارديان " لسنا متأكدين ما إذاكانت "فريزون" وحدها هي التي سلمت تسجيلات هاتفية لوكالة الأمن القومي الأمريكية ولكن دلائل عدة تشير إلي أن أغلب شركات المحمول الأمريكية فعلت ما فعلته فريزون". بمجرد نشر الجارديان ما لديها من تسريبات رفضت الإفصاح عن مصدرها، أصبح الرئيس أوباما هدفا لكل سهام النقد، حيث نشر له موقع "هافينجتون بوست"الإخباري صورة بملامح الرئيس بوش الابن بعنوان"جورج دبليو أوباما"، في إشارة لسيره علي نفس درب الرئيس، فيما قال موقع "إنترنت بوليتكو" إن أوباما يكمل الفترة الرابعة لجورج دبليو بوش، وأكمل الموقع ساخرا:" أوباما يحاول إيجاد توازن في تصرفاته، فهو حينما يتحدث عن الحرية تظنه مازال ذلك المحامي الدستوري المرشح للرئاسة، ولكن أوباما الرئيس يبذل أقصي ما في وسعه ليتفوق علي سلفه بوش في التنصت وانتهاك الحياة الشخصية للأمريكيين"، وأضاف الموقع بنفس النبرة الساخرة:" أوباما كان قد وعد بالإدارة الأكثر شفافية في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم يف بوعده، ولكنه لم يعد بعدم انتهاج نفس سياسات بوش وهنا يمكننا القول إنه وفي بوعده". أما الصحفي "مارك ليفن" فعلق لقناة "فوكس نيوز" اليمينية المحافظة قائلا: "أصبح الآن لدينا كل عناصر الدولة البوليسية"، فعلي غرار الأنظمة القمعية ها هي حكومتنا تجمع الكثير والكثير من البيانات الخاصة بمواطنيها"، وبنفس اللهجة اللاذعة في النقد تساءلت معظم الصحف الأمريكية عن السبب الذي يدفع إدارة أوباما لجمع معلومات عن كل المواطنين و ليس فقط المشتبه في أنهم إرهابيون، وفي هذا الإطار أبدت صحيفة الواشنطن بوست مخاوفها من أن يكون تتبع مكالمات المواطنين وتحركاتهم وتفاصيل حياتهم اليومية ليست مجرد احتياطات أمنية لكن عودة لممارسات من زمن لا يمكن أن يعود. في نظر المحللين الأمريكيين فإن الرئيس أوباما ترجم ووسع ، علي هواه، سلطة المراقبة التي منحه إياها القانون، حيث تري صحيفة النيويورك تايمز أن:" السماح بتتبع المواطنين علي هذا النحو يغير من موازين القوي بين الفرد والدولة، وينكر المبادئ الدستورية المحددة لمساحة الحرية والخصوصية التي ينبغي أن يتمتع بها المواطن"، وتؤكد الصحيفة أن ما يفعله أوباما اليوم هو نفس الشيء الذي كان ينتقده في عهد جورج دبليو بوش، حيث صرح في أحد أيام عام 2007 قائلا:" إدارة الرئيس بوش تخلط بشكل غير معقول ما بين الحرية التي نعتز بها والأمن الذي يجب أن نحظي به". عقب نشر الجارديان لتلك التسريبات سارعت إدارة أوباما للرد عليها سريعا، من خلال أحد المتحدثين الرسميين للبيت الأبيض، الذي برر قائلا: "الإرهاييون يمثلون خطرا حقيقيا علي بلادنا وأنتم يجب أن تثقوا بنا وفي طريقتنا لمواجهتهم، ولدينا الكثير من الحسابات الأمنيه المعقدة لذا ليس من السهل أن نفصح عن كل ما نفعله، ولا نستطيع أن نخبركم عن آلياتنا في حفظ الأمن كي نقنعكم أننا لا نتهم خصوصيتكم"، غير أن النيويورك تايمز ردت علي هذه التصريحات في افتتاحيتها بالقول:" كلمات غير مقنعة علي الإطلاق من رئيس وعد يوما بالشفافية وتحمل المسئولية، للأسف لقد فقدت إدارة أوباما مصداقيتها في هذا الإطار". في مقابل هذا السيل من الانتقادات كان موقع"سلات" الوحيد الذي دعا للهدوء والنظر للأمور بعقلانية، وقال الموقع" بهدوء يمكنكم اكتشاف أن برنامج التعاون بين وكالة الأمن القومي وشركة الهاتف المحمول، ليس له ضوابط، وحتي الآن لا يوجد تسريب لمكالمة واحدة تنتهك خصوصية هذا المواطن أو ذاك والأمر كله أولا وأخيرا في إطار إجراءات وقائية ضد هجمات إرهابية كتلك التي تعرصنا لها في 11 سبتمبر وفي بوسطن مؤخرا، والأمر برمته تحت إشراف القضاء والكونجرس، وإن كان القضاء يتوجب عليه تحديد أطر أكثر وضوحا من الناحية القانونية بحيث تتمكن الأجهزة الأمنيه من أداء عملها دون انتهاك الحياة الخاصة للمواطنين.