د. سعيد عامر مع أعضاء اللجنة لنظر إحدى الفتاوى في ظل فوضي الفتاوي.. والجرأة علي الفتوي.. ودعاة الفتنة.. كان لابد من اللجوء للجنة الفتوي بالأزهر الشريف.. والتي تضم النخبة من العلماء الموثوقين الذين يفتون بكتاب الله وسنة رسوله.. حملنا تساؤلات عن عشوائية الفتاوي وكيفية الخروج من هذا المأزق وما تقوم به اللجنة في هذا المضمار ووضعناها أمام د.سعيد عامر رئيس لجنة الفتوي بالأزهر.. ❊ هناك حالة فوضي للفتاوي أحدثت الكثير من البلبلة فهل هناك حلول مطروحة لمواجهتها؟ من أول هذه الحلول هو إنشاء قناة فضائية خاصة بالأزهر الشريف يكون فيها أصحاب العلم النافع الذين يفتون بكتاب الله وسنة رسوله وبفهم الأئمة ويتبعون منهج الإسلام في اليسر والتيسير علي الناس ورفع الحرج.. قال تعالي: »يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر«.. وكذلك من خلال لجنة الفتوي بالأزهر ودار الإفتاء ولجان الفتوي الفرعية في كل محافظة. ❊ ما مواصفات الشخص المؤهل للفتوي؟ من الواجب توفر شروط في المفتي أو الذي يستطيع تقديم الفتوي وآداب يجب أن يتحلي بها.. ومن أول هذه الشروط العلم بكتاب الله تعالي وسنة رسوله [ وما يتعلق بهما من أحكام مثلا تفسير آيات الأحكام أن يكون علي علم بها وكذلك الأحاديث الخاصة بالأحكام وما يتعلق بها من معرفة الناسخ والمنسوخ فلا يحكم بالمنسوخ ويترك الناسخ وكذلك معرفة أسباب النزول وخاصة في آيات الأحكام. ❊ ولكن قد يوجد تعدد روايات في أسباب النزول فبماذا نأخذ؟ تتعدد أسباب النزول والنازل واحد ولكن عنده الآلية للرجوع لها.. وكذلك معرفة المتواتر والآحاد ومعرفة الأحاديث الصحيحة والضعيفة.. فلا يأخذ بالآحاد ويترك المتواتر مثلا ولكن يقدم المتواتر علي الآحاد في الأخذ بالرأي.. وكذلك بالنسبة للأحاديث الصحيحة والضعيفة.. فالأحاديث الصحيحة يؤخذ بها أولا.. وإذا خلا الباب من حديث صحيح ووجد الحديث الضعيف ليس فيه ما يخالف الشريعة فيستند إليه في هذه الحالة.. والشرط الثاني: وهو استكمالا لمواصفات الشخص المؤهل للفتوي أيضا العلم بمواطن الإجماع والخلاف.. فالمجمع عليه نأخذ به والمختلف أنا مخير فيه.. وكذلك المذاهب والآراء الفقهية حتي أستطيع أخذ الرأي المناسب للحالة حتي لا يفتي علي خلاف الإجماع مثل ما يحدث في الفضائيات. ❊ هل توافقون علي دخول غير الأزهريين لمجال الدعوة؟ هناك فرق بين الداعية والفقيه وبين الدعوة والإفتاء.. كما أن هناك فرقا بين المفتي والقاضي.. فالدعوة يستطيع كل واحد يعلم حكما يقينا أن يدعو غيره إليه سواء دعوة جماعية أو انفرادية.. كالدعوة للخير والقيم والمثل الطيبة التي لا يختلف عليها أحد.. وكالدعوة لطاعة الله عز وجل.. فمثل هذه الأشياء اليقينية يستطيع الفرد أن يدعو إليها غيره.. قال تعالي: »ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة«.. وكذلك قوله: »هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني«.. أما الإفتاء فلا يكون إلا لمن درس في حقل الأزهر لأنها مهمة ثقيلة وتحتاج لمواصفات خاصة في الشخص.. كما قلنا وليس أن يقوم أي شخص بالإفتاء من نفسه دون علم ولكن لها ضوابط وشروط.. وكذلك فرق بين المفتي والقاضي.. فالمفتي يوضح الحكم الشرعي بالأدلة الشرعية أما القاضي فهو الذي يفصل في المسألة. طرق الفتوي ❊ كيف يستطيع أي مواطن الحصول علي الفتوي من لجنة الأزهر؟ الأمر بسهولة ويسر.. إما عن طريق الهاتف ويتم الاتصال ونجيب عليه إن كان السؤال لا يحتاج لمناقشة طويلة.. وإما بالحضور إلي لجنة الفتوي وعرض مسألته علي أصحاب الفضيلة أعضاء اللجنة.. إما شفاهة أو تحريريا. ❊ هل هناك نوعية من الأسئلة لا يتم الإجابة عليها أم أنكم تجيبون علي كل الأسئلة الواردة إليكم؟ نعم هناك أسئلة لا نجيب عنها مثل الخاصة بتفسير الأحلام وكذلك موضوعات السحر والشعوذة لأن مثل هذه الأمور لو فتحت اللجنة الباب للإجابة عليها فسوف تخرج عن نطاقها ومهمتها الأصلية وتقصر فيها لأن هذه الأسئلة منها كثير ولكن ليس لأنه حرام وليس علي أنه بدعة.. فالرؤيا معترف بها والرؤيا الصالحة من علامات طيب القلب وإخلاصه لله عز وجل ونقائه.. فالرسول الكريم [ كان يري الرؤيا كفلق الصبح.. وأما عن مسائل السحر وغيرها، فالإسلام يعرف قرآنا يعالج ولا يعرف معالجا.. فليس عندنا في الإسلام وظيفة معالج بالقرآن.. وإنما هناك قرآن فيه شفاء للناس.. فعلي مقدار صلاح الإنسان وتقواه لله رب العالمين تكون المنفعة بالرقية الشرعية كحال من يملك مسدسا فيصيد به الهدف.. وهناك من يمتلكه ولا يستطيع إصابة الهدف به.. فالعبرة بالرامي وهو من يقرأ.. والرقية إذا كانت بضوابط شرعية من خلال الآيات القرآنية فهذا أمر مقصور ومحمود فكان الرسول [ يفعل كذلك بالحسن والحسين ويحصنهما بالرقية الشرعية. فتاوي خاصة ❊ هناك مقولة لشيخ الأزهر بأن هناك فتاوي تقال في مجالس العلم فقط ولا تقال علي شاشات الفضائيات كيف تفسر ذلك؟ هذا كلام حقيقي ومهم.. فهناك من المذاهب والآراء والاختلاف بين الفقهاء في مسائل فرعية.. هذه المسائل يتم عرضها ومناقشتها وبيان دليل كل رأي وترجيح ما بين كل هذه الآراء لطلبة العلم وفي دور العلم.. أما علي المنبر وعلي الشاشات فيكون عرض الرأي الراجح وهو ما يكون عليه الإجماع لأهل العلم حتي لا تحدث بلبلة أو اضطرابات بين الناس.. مما يزيد الاختلافات. ❊ هناك من أساتذة جامعة الأزهر من يقوم بعرض جميع الآراء ويترك للشخص حرية اختيار ما يروق له فما رأيكم؟ ما يقوم به هذا الأستاذ وغيره من مثل ما يفعلون ذلك إنما هو بيان علم وليس إفتاء.. فهو بذلك كالصيدلي عنده جميع أنواع الأدوية فهو يعرضها.. ثم الإفتاء دور ثان كمرحلة أخري كالطبيب الذي يختار نوعا من الدواء بعد تشخيص الداء.. فهذه الطريقة كما قلنا كالصيدلي تماما يعرض كل شيء وهذا ما نشير إليه حتي لا تحدث بلبلة فهذا ممكن أن يكون في دور العلم.. أما علي الشاشات فيسمعه العالم وطالب العلم والأمي أيضا.. فماذا يكون موقف الأمي عند سماع كل هذه الآراء وبيان دليل كل رأي ثم عدم الترجيح.. بالطبع سيحدث لديه بلبلة ولا يستطيع فهم كل هذا. ❊ كيف ترون الساحة الدينية والدعوية الآن؟ للأسف أن الثورة المباركة التي كنا نأمل أن تظهر لها آثار طيبة وثمار نافعة أكثرت من الفوضي ولم تحد منها وفتحت الباب علي مصراعيه لكل من شاء أن يقول ما شاء وقتما يشاء في أي مكان شاء. ❊ ما الأسباب التي جعلت كل من هب ودب يتجرأ علي الفتوي؟ قلة الورع وضعف الإيمان وعدم الخوف من الله عز وجل.. فالذي يقوم بالإفتاء هو بمثابة من يوقع عن رب العالمين.. وإذا كان من ينوب عن الإمام يتحري الدقة عند توقيعه بدلا منه فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماء.. أجرؤكم علي الفتوي أجرؤكم علي النار.. والأئمة كانوا يخافون من الإفتاء لعلمهم بعاقبة الإفتاء.. قال تعالي: »يستفتونك قل الله يفتيكم«.. فليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليعلم أنه مسئول غدا موقوف عند يدي مولاه. ❊ هل للأزهر دور في مسألة تقنين الفتاوي؟ دور الأزهر ليس إلزاما ولا فصلا وإنما هو دور دعوي ولكن علي الجهات المختصة أن تستجيب لدعوة الأزهر وهي المسئولة عن الجانب التنفيذي.. وعلي السائل أن يتحري كذلك من يسأل والأماكن الشرعية للإفتاء معروفة وميسرة وعلي السائل أن يعلم من يسأل كما أنه يعلم بحال الطبيب الذي يذهب إليه. ❊ ما الفرق بين لجنة الفتوي بالأزهر ودار الإفتاء؟ الفتوي كما قلنا من الأمور الضرورية في هذا العصر خاصة أن هناك فئة تتصدي للإفتاء عبر الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام فكان من الضروري علي لجنة الفتوي ودار الإفتاء التكامل والتعاون فيما بينهما في الإجابة والاستفسارات الواردة إليهما شفاهية أو تحريريا أو عبر الهاتف وحل مشاكل الناس خاصة الأسرية.. فبينهما تعاون وتكامل ولكن لجنة الفتوي تتبع مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فهي جزء منه.. ولكن مع ذلك من يعمل بدار الإفتاء فهو من خريجي الأزهر وكذلك من يعمل بلجنة الفتوي فهو أيضا من أبناء الأزهر الشريف. ❊ ما هي أكثر نوعيات الفتاوي التي ترد إليكم؟ أكثرها المسائل الخاصة بالأحوال الشخصية ومنها الزواج وما قبله كالخطبة والشبكة وكذلك الخلافات الزوجية والطلاق وما بعده. ❊ كم عدد الفتاوي التي ترد إليكم يوميا؟ تسجل الفتاوي في دفاتر والفتاوي التحريرية لها أرقام ومن أول يناير وفبراير وحتي الآن وصلت إلي 002فتوي تحريرية بخلاف الشفهية وعبر الهاتف. ❊ من يهتم أكثر بأمور الاستفتاء الرجال أم السيدات؟ تختلف حسب نوعية الفتوي.. فالفتاوي الخاصة بالأحوال الشخصية تكون النساء فيها أكثر.. أما البيوع والمعاملات فالرجال تحتل فيها النصيب الأكبر وما هو مشترك في العبادات مثل الصلاة والصيام وغيرها من هذه الأمور تكاد تكون متساوية عند الطرفين. وأثناء الحديث تلقي الدكتور سعيد عامر مكالمة تليفونية من سيدة تسأل عن فتوي خاصة بما فعلته إحدي قريباتها التي ارتكبت الفاحشة أكثر من مرة علما بأنها امرأة متزوجة فنصحها بالستر والنصيحة لها.. ❊ عفوا لماذا كان الرد علي المكالمة هكذا ألم تستحق هذه المرأة إقامة الحد عليها وهو الرجم أو اتخاذ إجراء معها ومعاقبتها؟ هناك أولاد ونحن لا نريد خراب البيوت فتقوم معها أولا بالنصيحة والستر.. ونحن دائما نبدأ بالأولويات وبناء الإنسان وتربيته علي قيم الإسلام وهديه ونحن نقول دائما إن الستر أولي وننسبه للتوبة والاستغفار مادام الأمر لم يصل للقاضي أما إذا وصل إليه فلابد إذن من بيان الحكم الشرعي.. وهناك قاعدة تقول بفهم الواقع وفهم الواجب بالواقع وليس بوجود النص أن يحكم به في كل قضية.. كحال الصحابي الذي شج في رأسه وأصبح علي جنابة وهم في سفر فسألهم هل من حل حتي لا تتدهور حالته.. فقالوا له: لا رخصة في ذلك ولا نجد لك حلا.. فقام باستعمال المياه مما عرض حالته للتدهور فمات.. فلما ذهبوا لرسول الله [ وقصوا عليه ما حدث فقال: قتلوه قتلهم الله ألا سألوا قبل أن يفتوا.. إنما شفاء العي السؤال. ❊ هناك من ينادون بتطبيق الحدود الآن والتي بدأت بالفعل في الأيام القليلة الماضية وآخرها ما حدث بمحلة زياد بالغربية وما فعله الأهالي بأيديهم؟ مسألة تطبيق الحدود تكون للحاكم وحده وهو الذي يطبقه بعد اليقين والمقصود بالحاكم هنا القاضي فهو الذي يقوم مقام الحاكم.. ولكن لا تترك أبدا للأهالي والشعب حتي لا تصبح المسألة فوضي وتزداد الحوادث.. فهناك ولي أمر يتيقن ويقرر وهناك من هو مسئول عن هذا الأمر ولكن لا تترك المسائل هكذا دون ضوابط للأهالي والأفراد العاديين حتي لا ينقلب المجتمع لفوضي كما بدأ يحدث الآن.