المسرح هو أمتع وأهم وسائل السمر فهو شعر وموسيقي وحكاية وأسطورة وتاريخ وفلسفة وفن تشكيلي وهو سجل الأمم في حفظ تاريخها ومعاركها الحربية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ولم يبق الحال كما هو عليه بل تغير كثيرا في العصر الحديث ومع وسائل الاتصال الأخري تغير الحال وانشغل الناس والجمهور عن »أبو الفنون« يصف فرحان بلبل في كتابه »شئون وقضايا مسرحية« كيف أثرت وسائل الاتصال علي أكبر فنين ابتكرهما العصر الحديث وهما السينما والمسرح.. ففي أوائل القرن العشرين السينما كأكبر منافس للمسرح باعتبارها فنا يقدم كل ما يعرض علي خشبة المسرح بشكل ممتع ومبهر في تجسيده للمكان بتفوق عن المسرح وعندما تطورت لتصبح ناطقة سرقت كل جمهور المسرح باكتساح فبدأ المسرحيون يعيدون النظر في أدواته وأساليبه وطرق تقديمه.. وتصدر المشهد المخرج الذي استطاع إعادة ترتيب وتنسيق عناصر العرض المسرحي في شكل جديد بهيج وعميق ومبهر يمكنه أن يبقي صامدا في وجه المكتسح الجديد فكانت العروض المسرحية أقوي كثيرا مما كانت عليه وانتقلت إلي الاستعارة لبعض أدوات العرض السينمائية وساعدت الكهرباء علي تغيير في أسلوب الإضاءة المتبع وأصبحت أحد عناصر العرض المسرحي المعبرة ولتخلي المسرح عن ركنيين أساسيين هما الممثل والكلمة مما ساهم في القضاء علي خصوصية المسرح في صلته الحية بالجمهور وتلقيه ما يقدم بتأثر وتأثير مباشر وهذا ما لا تستطيعه السينما فباءت كل محاولات سرقة أدوات السينما لاسترجاع الجمهور بالفشل وعاد مرة أخري لطبيعته في الاعتماد علي الممثل والكلمة مع وجود مخرج جديد وتقنيات علمية وهو ما اصطلح علي تسميته »تكامل العرض المسرحي« وهذا هو الانتصار الكبير الذي حققه المسرح في وجه السينما وبدأ يطور أساليب الأداء البارعة مع سبل جديدة في الكتابة تمتلئ بالخيال والجمال.. حتي منتصف القرن العشرين وظهور التليفزيون الذي اعتبر منافسا متوحشا للسينما واستطاع أن يسرق متفرجي السينما وكان خوف المسرح أكبر من خوف السينما كثيرا إلا أن التليفزيون أتاح للمسرح منبرا للدعاية بإستضافته الممثلين والمخرجين والكتاب وبقية العاملين في المسرح وقد أقتبس كتاب الدراما التليفزيونية من المسرحيات التي قام بها بتصويرها وإذاعتها فساهم في رواج المسرح وشاهد الجمهور مسرحيات لم يكن يحلم بمشاهدتها وأمام هذه الخدمة الرفيعة التي قدمها التليفزيون للمسرح بدأ معها في سرقة جمهوره لم يستطع المسرح الاستفاضة منها حتي الآن.. لقد استطاع المسرح أن يستعيد مكانته أمام السينما ولم يتمكن من المحافظة عليها أمام التليفزيون.