واحنا صغيرين ، كنا نسأل أمي باستهتار ، وكل عيد أم " عاوزه إيه هدية؟ "، لنريح أنفسنا من جهد التفكير واللف في السوق .. فكانت تتأملنا لحظات بتسامح ، وزهو بنا يطل من عينيها - مهما تمادينا في الغباوة !!- .. وتجيب نفس الإجابة ، " ولا حاجة ، عاوزه أشوفكم فرحانين " . ولم نصدقها أبدا .. وترجمنا إجابتها بمعني " خلي عندكم دم واعملولي مفاجأة مرة في السنة " .. بل وحولنا جملتها الي نكتة نتبادلها مع أصحابنا ممن يعانون من نفس نوعية الامهات !. فماذا فعلت بنا السنون!؟ بعد فقداني لأمي ، ظل عيد الأم لسنوات ، هو يوم تجديد حزني لفراقها واشتياقي لها .. حتي تصورت أنني تعافيت بفعل الزمن .. وفي صباح عيد أم استيقظت بمشاعر مختلفة ، مشحونة بحالة امتلاء مريح بوجودها .. صوتها المرح الصاخب ، وضياء وجهها الجميل ، وبريق عينيها الراضي المتفائل .. حتي رائحة خبيزها المميز في الأعياد يملأ منزلي ، وجودها يغمر روحي بهجة .. فخرجت أشارك في مظاهرة العيد ، أمر علي المحلات التي اعتدنا شراء احتياجاتها منها معا ، وأنا أكاد أسمعهم يسالون عنها.. أستعيد لحظاتنا الحرة الخاصة ، المسروقة من الزمن .. وقلقها أن أتاخر علي أطفالي وعملي .. وسخريتها من كآبة فايزة احمد وهي تولول ل" ست الحبايب " .. فأضحك أخيرا .. وأعود . وبالأمس سالتني ابنتي " عاوزه إيه هدية ؟" .. فهل تصدقني لو أجبتها " عاوزه أشوفك فرحانة ".. ربما !.. ولكن من باب الاحتياط .. ياريت تجار عيد الام يبتكرون كروتا مضادة من الأمهات للأبناء .. سأكتب فيها .. " ابنتي الحبيبة .. رويتك من نفس ينابيعي.. فانطلقي لري بذورك بفرح .. لا تنظري خلفك ، فالشمس تشرق لك .. والربيع يزهر لك .. والحقول بفراشاتها تمتد لك .. وعناقيد الياسمين لا يفوح عطرها إلا حول معصميك .. وأسراب النورس تصطف علي الشاطئ في الغروب تسبح الله من أجلك .. هديتي أن أراك حرة ، متمردة ، شجاعة ، متفائلة .. ومقاتلة في معارك الحياة ، بفرح .. أما هديتك فمازالت معي .. الصورة التي رسمتها لي بأناملك الصغيرة في الحضانة ، وزينت إطارها بوردات المكرونة الجافة .. وأسرعت بها لأحضاني ، تصرخين من بين أسنان لم تكتمل " كل ثنة وانت طيبة يا ماما " .. أسعدتني بصحبتك طفلة ، ومراهقة ، وعروس .. وصديقة .. افرحي لتشرق شمس أيامي ." .