الناقد يكتب عن فيلم عندما يستفز حواسه، ويدفعه للكتابة، وقراءة الفيلم من داخله وتحليل محتواه، وهذا لايعني أن يكون الفيلم عملا إبداعياً يستحق الإشادة، والتقدير، بل علي العكس قد يكون علي درجة هائلة من السوء والرداءة، ولكن تلك الأفلام التي تقف في منطقة البين بين، فلا تترك في نفسك أثرا، ولاتجعلك تلقي علي نفسك أسئلة، أو تتأمل محتواها أو هدف ظهورها، فهي تجعل الناقد في حيرة من أمره، فالأفلام لابد أن تترك في نفسك شيئا، وإلا ماجدوي صناعتها؟ و"الحفلة" من تلك النوعية من الأفلام، التي لا تستطيع أن تكرهها، فهي تحمل مواصفات عمل سينمائي جيد، ولكنك لاتستطيع أن تحبها أيضا، فهو لايطرح أي جديد، أو مبهر، وربما تكون قد شاهدت عشرات من الحلقات أو الأفلام الأجنبية متوسطة القيمة، تتفوق عنه في جودة الحبكة ومنطقية الحدث، ولكن أمام الفقر الشديد في حالة السينما المصرية وأزمتها الحالكة تضطر أن تتجاهل الحديث عن نقاط ضعف الفيلم وتتحدث عن مميزاته، ولكن عندما تجد بعض العاملين به، يعتبرون أنفسهم وكأنهم فتحوا عكا، أو صنعوا ما يستحق الانبهار، تشعر أنك سوف تساهم في تضليل الجمهور إن أنت ضممت صوتك لتلك الزفة الصبيانية، وكنت قد قرأت حوارا لأحد أبطال الفيلم "محمد رجب" يتحدث فيه عن معاناته في الدخول إلي الشخصية، التي قدمها، ولايملك العاقل إلا الشعور بالدهشة، فكل ماقدمه من إضافة في هذا الفيلم هو الشنب، ولا أعتقد أن شخصية ضابط المباحث الذي يتعقب حادثة اختطاف زوجة أحد رجال الأعمال، تستحق الجهد الذي ادعي أنه بذله، وحكاية الفيلم الذي كتب له السيناريو المنتج وائل عبد الله وأخرجه أحمد علاء، تدور حول رجل أعمال، شاب "أحمد عز" يضارب في البورصة وله مساهمات في هذا المجال، وهو متزوج من امرأة يحبها "روبي" وينتظر معها أول طفل، ولكنها تتعرض للاختطاف ويطالب المختطفون فدية عشرة ملايين جنيه، لإعادتها، ويتدخل رجل مباحث لمحاولة الوصول للفاعل، وطبعا يجب أن يبحث في طبيعة علاقة الزوجة المخطوفة بأصدقائها وجيرانها لمعرفة من له مصلحة في اختطافها، ومحترفو مشاهدة هذه النوعية من الأفلام أو قراءة القصص البوليسية، يدركون أن آخر شخص يمكن أن يكون محطا للشبهات عادة ما يكون هو الجاني! ولذلك لاتندهش عندما تعلم في نهاية الفيلم أن الزوج الملتاع "أحمد عز" الذي كان يصرخ متألما طوال الوقت، عايز مراتي وابني، أن يكون هو المختطف وهو القاتل أيضا، والسبب الانتقام من الزوجه لأنه طلع "ما بيخلفش" وهذا يعني أن الجنين الذي تحمله زوجته هو نتاج خيانة، وإلي هنا قد تبدو الأحداث منطقية، ولكن السؤال الذي سوف يتردد في ذهنك، هو كيف اكتشف ضابط المباحث هذه الحقيقة التي غابت عنه وعنا، خاصة أن الزوج القاتل قد نجح ببساطة في الهرب للخارج، ولم يترك خلفه أثرا، ومع ذلك فضابط المباحث وهو يجلس منفردا يستدعي من وجهة نظرة تفاصيل الجريمة كما حدثت، ويكتشف بعد فوات الأوان ما حدث بين القاتل وزوجته واكتشافه خيانتها، ثم قتلها وهي أشياء لانعرف كيف عرفها الضابط ولكن مش مهم الجمهور يعرف، ولكن أكثر ما يثير الغيظ هو عدم الرد علي سؤال كيف للضابط أن يعرف أن الزوج غير قادر علي الإنجاب؟ طالما كانت تلك الحقيقة غائبة عن جميع من بالفيلم؟ المهم لاتشغل بالك كثيرا بالبحث عن المنطق، فعادة ماتكون تلك النوعية من الأفلام بلا منطق، ولكن الحق يقال، ويجب أن يقال إن المخرج أحمد علاء قدم صورة جيدة، وتصورا مرئيا للأحداث يناسب طبيعة الفيلم، خاصة مشاهد ملاحقة ضابط المباحث ورجاله، لعملية تسليم الفدية، رغم أن تلك المشاهد منقولة من عشرات الأفلام الأمريكية منها "هوية بورن" لمات ديمون، وربما يكون أحمد عز لديه الرغبة في تحدي نفسه، وتقديم أدوار متنوعة، وهو لا يبالي أن يلعب دور القاتل، عكس بعض النجوم الذين يخشون من تغيير الصورة الذهنية عند الجمهور الذي يعتقد أن الفتي الأول لابد أن يظهر في دور العاشق اللطيف أو المغامر الذي لايشق له غبار، وتعافر جمانة مراد كي تجد لنفسها مكانا تحت الشمس، وهي هنا تقدم شخصية امرأة لعوب تحترف اصطياد الأثرياء.. وقد قدمت الدور بمهارة، غير أن هناك زيادة واضحة في وزنها، قد أفسدت ملامحها، أما مفاجأة الفيلم فهي الممثلة الشابة دينا الشربيني، التي تتلون شكلا وأداء مع كل دور حتي تظن أنها ليست نفس الشخص، وكنت قد شاهدتها في مسلسل »عرض خاص« لهادي الباجوري، ثم مسلسل المواطن إكس، وبعده طرف ثالث وكل مرة تثير قدرا من الإعجاب بموهبتها، إنها نموذج لما سيكون عليه شكل أبطال السينما المصرية في السنوات القادمة، ونتمني أن تكون أفضل من تلك التي عشناها طوال العشر سنوات الأخيرة!