آخر تقرير صادر عن الأممالمتحدة يحذر من تفاقم أحوال الأوضاع الإنسانية في سوريا، وحال اللاجئين في البلدان المجاورة (تركيا، لبنان، والأردن)، بعدما يصف الحرب الدائرة في سوريا بالكارثة الإنسانية الأسوأ، منذ بداية الألفية الثالثة، ويؤكد التقرير أن المساعدات الإنسانية التي وصلت السوريين حتي الآن ليست علي المستوي المطلوب ولا توازي ما يتعرضون له بأي حال من الأحوال، وذلك لجملة من الأسباب، لا يتعلق أي منها بالمنظمات القائمة علي توصيل تلك المساعدات. بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة الجيش النظامي لبشار الأسد، فإن الحصول علي تصريحات رسمية بالمرور، يتم بصعوبة بالغة، إذ يتطلب الأمر المرور بجمعية الهلال الأحمر السورية، التي تظل جهة تابعة أولا وأخيرا للنظام الحاكم في دمشق، وبالرغم أن الكثيرين شهدوا لها بالقيام بالكثير من المجهودات الإنسانية الضخمة، ولكن تبعيتها للنظام من ناحية واشتداد حدة المعارك من ناحية أخري، يعقدان الأمور بشكل كبير، فحتي مع الحصول علي تصريحات رسمية من الجهات الأمنية بدمشق لمرور القوافل الإغاثية، فإن جنود النظام لا يسمحون لها بعبور حواجز التفتيش. أما في المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش النظامي فإن عمليات القصف الجوي بالطائرات والقصف بالمدفعية الثقيلة يشكلان واقعا يوميا، يصعب معه القيام بما هو مأمول. وفي هذا الإطار تشتكي المنظمة الدولية للصليب الأحمر مر الشكوي من عدم تمكنها من التحاور والتواصل مع مسئولين بالنظام السوري للحصول علي ضمانات كافية لأمن ومرور قوافلهم الإغاثية وعدم العودة بها من حيث أتوا، لاسيما أن للأزمة السورية أبعادا إقليمية ودولية، حيث هناك من يؤيد النظام وهناك من يؤيد المعارضة، وبالتالي لا يتم السماح لقافلة إغاثة قطرية علي سبيل المثال بالمرور داخل أراضي يسيطر عليها النظام، و بالمثل لا يتم السماح لقافلة تحمل العلم الصيني بالمرور داخل أراضي يسيطر عليها الجيش الحر، إذ من المعروف دعم قطر لهذا الأخير، فيما تقف الصين قلبا وقالبا مع نظام عائلة الأسد. غير أن ذلك لا يعني انعدام الجهود الإنسانية بالمرة، فتقرير الأممالمتحدة يؤكد أن بعض المنظمات الصغيرة وغير التابعة لأي دولة تعمل بحرية كاملة، خاصة في مناطق الجيش الحر، كما أن أطباء وجراحين يأتون متطوعين بمبادرات فردية، مرحب بهم دوما في تلك المناطق، ويشدد التقرير أنه بالرغم من جهود السوريين المقيمين بالخارج ومنظمات عربية وإسلامية لمساعدة السوريين بالداخل والنازحين للخارج، إلا أن كل ذلك لا يبدو كافيا، في مجمله، علي الإطلاق، ويشير التقرير إلي بون شاسع في نسبة توزيع المساعدات الإنسانية، علي الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام وتلك الخاضعة لسيطرة المعارضة، بينما هذه النسبة في الأولي لا تتجاوز ال 51٪، فإنها تصل ل 58٪ بالثانية وهو ما يعكس هامشاً كبيراً في حرية الحركة تتمتع به المنظمات الإنسانية في أراضي الجيش الحر، بخلاف أراضي القوات النظامية. غير أن التقرير يوضح أن السيطرة المتنامية للجيش الحر علي المنطقة الواقعة ما بين مدينة حلب والحدود السورية (باستثناء الطريق الساحلي)، يغير المعطيات بعض الشيء، حيث يؤمن ذلك الوصول للعديد من المناطق، منها مدينة إدلب وريفها علي سبيل المثال، ولكن تبقي كمية المساعدات لا تفي بأكثر من 02٪ من الاحتياجات، علما بأنها كانت تقترب من الصفر٪ منذ عدة أشهر، والوضع ذاته ينطبق علي كثير من مناطق الشمال الشرقي (باستثناء مدينة دير الزور التي تشهد معارك ضارية) التي يسيطر عليها انفصاليون أكراد، ويبدو أن بينهم وبين الجيش النظامي اتفاقا غير معلن علي عدم الدخول في أي معارك فيما بينهم. كما تظل كمية المساعدات للاجئين في الأردن بخلاف عن تركيا، غير كافية علي الإطلاق، في ظل تزايد أعداد النازحين يوميا، وضعف إمكانيات الحكومة الأردنية، التي لا تسعفها في إقامة مخيمات مجهزة بشكل معقول، هذا فضلا عن البرد القارس ونقص المياه وما يترتب عليهما من انتشار العديد من الأمراض والأوبئة في المخيمات، وهو ما وصفه التقرير بالوضع الذي لا يحتمل الانتظار. وبشكل متواز يشير التقرير إلي صعوبات في إيصال المساعدات تتعلق بالناحية التنظيمية عند الجيشين النظامي والحر فالأول يتمركز أغلبه في دمشق وما حولها وفي بعض المناطق الساحلية، أهمها اللاذقية مسقط رأس بشار الأسد، و هوما لايمكنه من نجدة منكوبين في مناطق الأطراف وقري نائية، وبالنسبة للجيش الحر فيوضح التقرير نقطة في غاية الحساسية، وهي عدم وجود قيادة مركزية لهذا الجيش، وتوترات بين فصائله المختلفة بسبب اختلاف الأيدولوجيات فيما بينهم وإن كانوا جميعا متفقين علي مسألة إسقاط النظام القائم في دمشق. في النهاية يختتم التقرير بالإشارة إلي أنه بالرغم من الإحساس العميق الموجود لدي دول الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط وفي منظمة الأممالمتحدة نفسها، بفداحة ما يعانيه السوريون، فإن كل ذلك ليس بالأمر الكافي لجمع التبرعات اللازمة لتغطية ما يحتاجه المنكوبون السوريون، سواء داخل سوريا أو خارجها، مؤن وأغذية وأدوية طبية، لذا فإن التقرير يناشد الصحف ووكالات الأنباء العالمية بتسليط الضوء بشكل أكبر علي المنكوبين والمتضررين، بدلا من طلقات المدافع والبنادق التي لم تتوقف منذ عامين ولم تؤد لأي شيء.