سمير صبري: الحكم أحبط المدعين بالحق المدني بعدما قضت محكمة النقض برئاسة المستشار أحمد علي عبدالرحمن بقبول الطعون المقدمة من الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي علي الحكم الصادر ضدهما الذي قد قضت به محكمة جنايات القاهرة بالسجن المؤبد 52 عاما إثر إدانتهما في قضية قتل المتظاهرين السلميين خلال أحداث ثورة يناير 1102 وقتل 058 متظاهراً كما قبلت المحكمة الطعن علي حكم براءة جمال وعلاء مبارك ورجل الأعمال الهارب حسين سالم في قضية الفساد المالي، هذا في نفس الوقت الذي وافق فيه النائب العام المستشار طلعت عبدالله علي قرار نيابة الأموال العامة بحبس مبارك 51 يوما علي ذمة التحقيق في قضية فساد جديدة تعرف إعلامياً باسم قضية "هدايا الاهرام" وذلك للاستيلاء علي نحو 7 ملايين جنيه من المال العام وذلك لقبوله هو وأسرته هدايا سنوية من مؤسسة الأهرام.. وذلك قبل ساعات من قبول الأموال العامة التصالح مع مبارك مقابل 81 مليون جنيه. (آخرساعة) تحاول من خلال هذا التحقيق التعرف من القانونيين علي مدي جدوي الأدلة الجديدة التي بناء عليها يتم إعادة محاكمة الرئيس السابق بعد قبول الطعن. يوضح سمير صبري المحامي بالنقض أنه لابد من التفرقة بين أمرين الطعن المقدم من حبيب العادلي ومبارك والذي قضي فيه يوم الأحد الماضي بنقض الحكم وإعادة نظر الدعوي أمام دائرة أخري، والطعن المقدم من النيابة العامة علي أحكام البراءة الصادرة لصالح حسين سالم وجمال وعلاء مبارك ومساعدي حبيب العادلي وسوف تعاد المحاكمة بالكامل من جديد والدفاع يقدم كأنه ينظر لأول مرة، وبالنسبة لمبارك والعادلي فلا يمكن أن تصدر أحكام بتشديد العقوبة بحقهما، حيث لا يضار المتهم من طعنه لذلك سوف يصدر الحكم إما بنفس العقوبة السابقة أو تخفيضها أو يحصل علي البراءة. وفيما يتعلق بطعن النيابة علي أحكام البراءة لحسين سالم وجمال وعلاء مبارك ومساعدي العادلي فيمكن أن يصدر الحكم بتأييد البراءة أو توقيع عقوبة عليهم جميعاً أو أي منهم بإجماع آراء الدائرة وعلي ذلك سوف يتم مناقشة جميع الأدلة من جديد والنظر فيها ويبدأ دفاع المتهمين في مرافعاته وتقديم مذكراته دون حضور المدعين بالحق المدني من أسر الشهداء أو المصابين أو المحامين المدافعين عنهم؛ حيث إن الدعوي المدنية قد أحالتها المحكمة الأولي بتاريخ 2/6/1102م إلي المحكمة المدنية المختصة وعلي ذلك فإن دور المدعين بالحق المدني يقف عند مراقبة الدعوي الجنائية دون الحديث فيها. لا أدلة جديدة ويري صبري أنه من المستحيل وجود أدلة جديدة لم تقدم أمام المحكمة الأولي حيث إن جميع الأدلة تم إتلافها بالكامل والعبث فيها بمعرفة الجهات الأمنية، فلا يعقل أن تقدم الداخلية دليل إدانتها؛ وكذلك ثبت أن جميع الأجهزة الرقابية امتنعت عن تقديم أو مساعدة جهات التحقيق بتقديم أي أدلة لديها؛ كذلك ما نشر علي مسئولية لجنة تقصي الحقائق بأن هناك أجهزة كثيرة امتنعت عن مساعدة اللجنة وأصبحت الأدلة التي ستقدمها بحاجة إلي دليل دامغ وقطعي وثابت حتي تطمئن إليه المحكمة عند إعادة نظرها للدعوي مجددا؛ مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يجوز محاكمة جميع المتهمين مرة أخري عن ذات الوقائع التي طرحت أمام المحكمة الأولي إلا إذا كان هناك دليل بها أرسلته المحكمة حين ذلك حيث يجوز التصدي لهذا الدليل وإعادة فحصه. ويشير صبري إلي أن الحكم الصادر الأحد الماضي أصاب جميع المدعين بالحق المدني بالإحباط نتيجة إعادة محاكمة العادلي ومبارك، فقد توقعنا ذلك بسبب صدور قرار قبله بيوم بحبس مبارك 51يوماً علي ذمة التحقيق في اتهامه في قضية تلقي هدايا من مؤسسة الأهرام وبدون هذا الحبس كان سيتم الإفراج عن مبارك في ذلك اليوم لحين إعادة المحاكمة لكن لا يسري ذلك علي حبيب العادلي لأنه محبوس علي ذمة قضايا أخري. ويضيف صبري: الغريب أن يصدر مثل هذا الحكم قبل احتفالات 52 يناير؛ وقبل الحكم في قضية مقتل مشجعي الأهلي يوم 62 يناير المتعلق بأحداث بورسعيد. ويستبعد يسري سامي السيد المحامي بالنقض أن يكون قرار قبول النقض متعلقا بقرب احتفالات ثورة يناير ولتهدئة الشارع مشيراً إلي أن القضاء ليس له علاقة بمجريات السياسة من حيث مواءمة موعد صدور الحكم بأي حدث من عدمه، موضحاً أنه قد تثبت الإدانة في بعض الاتهامات وقد تكون البراءة في بعض الاتهامات الأخري، وأشار إلي أنه تم استعجال صدور قرار حبس مبارك 15يوماً علي ذمة قضايا الحصول علي هدايا من مؤسسة الأهرام الصحفية تحسباً لأن تقضي محكمة النقض ببراءة مبارك، وذلك ليس تشكيكاً في عدل وحيادية من أصدر الحكم. ويقول أحمد راغب عضو لجنة تقصي الحقائق: الحكم الصادر بقبول طعن مبارك في قضية قتل المتظاهرين علي أساس نفس الوقائع ومن خلاله قد يعني حصوله علي نفس الحكم السابق وهو المؤبد، هذا في نفس الوقت الذي تكون فيه النيابة غير ملتزمة بالحكم السابق، لذلك يمكن لأهالي الشهداء الحصول علي حقوقهم والحكم بالعدل علي المتهمين في أحداث الثورة. كما أن قبول طعن النيابة علي حكم براءة كبار مساعدي العادلي قد يكون وسيلة لإدانتهم. في حين يشير منتصر الزيات المحامي، إلي أن الحكم الصادر بقبول الطعن وحبس مبارك من جهة أخري ليس من شأنه سوي التمويه علي الأحكام التي ستصدر بعد ذلك، لافتاً إلي أن المستشار أحمد رفعت الذي نظر القضية في جولتها الأولي رغم أنه لم يحصل علي أدلة الإدانة الكافية في القضية إلا أنه مارس وظيفته من خلال النظر في الأوراق المقدمة إليه وأصدر حكمه وفق دليل هو امتناع المتهمين عن إصدار قرارات وتعليمات لوقف جرائم قتل وإزهاق المتظاهرين رغم علمه بها وبناء علي هذه المعلومات البينة أصدر الحكم بالإدانة، ولا أعتقد أنه سيحصل علي حكم مخفف أمام الدائرة الجديدة بل سيكون نفس الحكم السابق بالمؤبد. ويشير د. إبراهيم نايل أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس، إلي أنه بالنسبة لطعن مبارك والعادلي فمن المؤكد أن المحامي أو فريق الدفاع قدموا ما يفيد جدية الطعن وكذلك النيابة العامة بالنسبة للمتهمين الذين حصلوا علي البراءة وهم مساعدو العادلي وفي هذه الحالة تحال القضية كلها إلي دائرة جديدة أمام محكمة الجنايات وتكون المحكمة حرة تماما في إصدار حكمها إما بالإدانة أو بالبراءة، لكن إذا كان طعن النيابة العامة مقتصرا علي الذين حصلوا علي البراءة فمبارك والعادلي لايضاران بطعنهما وبالتالي فإن المحكمة إما أن تصدر نفس العقوبة التي جاءت بالحكم السابق وهي السجن المؤبد أو تحكم بعقوبة أخف أو تنقضي بالبراءة، أما إذا كانت النيابة العامة طعنت علي حكم الإدانة الصادر ضد مبارك والعادلي فإنه يكون للمحكمة أن تشدد العقوبة إذا رأت وجها لذلك ويمكن أن تحكم بالإعدام في هذه الحالة. ويضيف د. نايل أنه في حالة تقديم لجنة تقصي الحقائق أدلة جديدة إلي النيابة العامة التي تحيل تقاريرها إلي المحكمة فقد يتم إدخال متهمين جدد في القضية وقبول الطعون المقدمة من مبارك والعادلي والنيابة العامة يعود بنا لبداية المحاكمات من جديد وكأنه لم تصدر أحكام عليهم من قبل، وسنلاحظ المشاهد التي رأيناها أثناء المحاكمات سابقا من تجمع المواطنين أمام شاشات التليفزيون لمتابعة المحاكمات. ويعلق د. نايل علي قرار نيابة الأموال العامة حول قبولها التصالح مع مبارك في قضية هدايا الأهرام مقابل دفع 81 مليون جنيه قائلا: صدر مسبقا مرسوم من المجلس العسكري أثناء إدارته لشئون البلاد يجيز فيه التصالح في قضايا الأموال العامة وأنا لست من مؤيدي هذا القرار لأنه يفتح الباب أمام الفساد، ويجعل المسئولين يقومون بالاستيلاء علي الأموال العامة واضعين في اعتبارهم التصالح عند اكتشاف الأمر وتنقضي الدعوي الجنائية. ويقول حافظ أبوسعدة رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان: إن قبول طعن مبارك والعادلي في قضية قتل المتظاهرين وكذلك قبول طعن النيابة العامة علي حكم البراءة لمساعدي العادلي وحسين سالم وجمال وعلاء مبارك كان متوقعا حتي لاتكون النيابة مقصرة في حقوق الدولة ولأن الجزء الخاص بالبراءة متعلق باتفاقيات تصدير الغاز وإهدار المال العام في الوقت الذي تتفاوض فيه الحكومة مع رجال الأعمال من النظام السابق المتهمين لاستعادة تلك الأموال فلابد أن تجعل القضية منظورة أمام المحاكم. ويضيف أبو سعدة: التصالح مع مبارك في قضية هدايا الأهرام يأتي من منطلق أن القانون يعترف بالتصالح في القضايا المالية وكذلك قضايا التهرب الضريبي والجمارك، مشيرا إلي أنه بالنسبة لمبارك والعادلي ليست هناك أقصي من العقوبة التي صدرت ضدهما مسبقا بالمؤبد ولأنهما صاحبا الطعن علي الحكم وحقهما قانونا أن يأخذا نفس العقوبة أو تخفف أو يحصلا علي البراءة.