فجأة تفجرت علي الساحة حزمة من مشروعات القوانين يكفي واحد منها فقط لإثارة مشاعر السخط والغضب فضلا عن تأجيج الإحساس بالهيمنة والاستقواء التي يسعي إلي تكريسها فصيل واحد آثر أن يحتل المشهد ويفرض رؤيته ويقصي كل ماعداه من تيارات يعلم جيدا قادته أنها ساهمت في الثورة ربما بنصيب أكبر منه. فمشروعات القوانين التي أمطرتها علينا قوي الإسلام السياسي توالت كالقذائف ما إن نتلقي إحداها حتي تصدمنا الأخري في مقتل تجعل معه مجرد الحلم باستقرار الوضع حتي علي المدي البعيد أضغاث أحلام. ويأتي مشروع قانون الصكوك الإسلامية في مقدمة تلك المشروعات المفخخة.. والمشروع الذي أعده حزب الحرية والعدالة يبيح تملك الأجانب للأصول الثابتة للدولة ولا يستثني في ذلك مشروع محور تنمية قناة السويس.. كما أنه يعطي للأجانب الحق في استخدام أموال المصريين لتمويل استثماراتهم في مصر.. خطورة المشروع دفعت مجمع البحوث الإسلامية لرفصه بعدما رأي أن قانون الصكوك الإسلامية يعد مخالفا للشريعة وخطرا علي سيادة الدولة.. بل ووصفه بعض أعضاء المجمع بأنه بداية لبيع مصر لأنه يسمح للأجانب بامتلاك أراض ومؤسسات مصرية وتزداد خطورة مشروع القانون بالطبع في عدم استثنائه لقناة السويس الأمر الذي يفتح الباب أمام التسريبات التي ملأت الساحة عن الاتجاه لتأجير القناة لقطر.. صحيح أن قادة الإخوان لم يتركوا فرصة إلا ونفوا فيها تلك التسريبات إلا أن طرح الصكوك الإسلامية علي هذا النحو يحول الشك إلي يقين وإن كان التعويل علي الحس الوطني للقوي الثورية يدفع إلي الطمأنينة بأنه ليس كل مايفكر فيه البعض سيتحقق علي أرض الواقع. فمن المؤكد أن الاتجاه الرافض لهذا القانون سيجعل ليس فقط من الصعب إقراره وإنما يجعل من الصعب طرحه للنقاش ثانية وإلا فتح الرأي العام والقوي السياسية والأزهر نيرانا لا أعتقد أنه سيحمد عقباها لو قدر لها أن تتفجر. ومن الصكوك الإسلامية لقانون تنظيم التظاهر والاعتصام تتوالي الأدلة التي تؤكد لنا أن هناك مشاريع مفخخة تضر أكثر مما تنفع وتعكس ارتباكا أكثر مما تطرح حلولا وتعقد الأزمة أكثر مما تساهم في حلها.. وتثير مزيدا من الشك فيمن يطرحها أكثر مما تدفع للاطمئنان علي حسن نواياه.. والأهم من ذلك أنها تكشف عن ضيق أفق وافتقاد للرؤي والبدائل التي من شأنها أن تنهض البلاد من عثرتها وتقودها إلي بر الأمان. فمن غير المنطق ولا المقبول أن يطرح مشروع قانون لتنظيم التظاهرات بعد ثورة عظيمة كان شعارها الأبرز وهدفها الأهم هو الحرية.. فهل يعقل أن يخرج علينا البعض بمشروع قانون يضع العراقيل والقيود أمام حرية التظاهر وحق التعبير السلمي من خلال المسيرات وعقد الاجتماعات العامة وتنظيم المظاهرات فلا يسمح بإقامتها بمجرد الإخطار ويفرض مواعيد محددة لها تبدأ من السابعة صباحا وتنتهي في السابعة مساء. كما يعطي للسلطات حق قبول أو رفض تنظيمها.. ليجعل الإخطار يبدو وكأنه ترخيص.. علي حد وصف فقهاء دستوريين له يتعين علي من يدعو له الحصول عليه والمضحك أن من بين البيانات التي يجب تسجيلها عند التقدم بطلب الحصول علي موافقة المسئولين لتنظيم هذه التظاهرات أن يحدد الأعداد المشاركة فيه وهو أمر بالطبع مستحيل.. فكيف يمكن تقدير تلك الأعداد.. والدليل علي ذلك ليس ببعيد فثورة يناير التي أسقطت مبارك لم يتوقع حتي من دعا إلي الخروج يوم 25 يناير منددا بالانتهاكات التي تعصف بحرية المصري وتهين كرامته لم يتوقع كل من دعا إليها أو تحمس لها أن تخرج بتلك الأعداد الضخمة.. لكن يبدو أنه في الدليل نفسه الذي أسوقه يكمن السر في السعي الحثيث علي إقرار هذا المشروع الذي يقيد حق التظاهر.. فيبدو أن النظام الحالي يخشي أن تتكرر التجربة.. ومن المفترض أن يدفع من يتولي أمور البلاد إلي توخي الحذر وأن يعمل بكل طاقته لاستقطاب الرأي العام لصالحه وليس العكس. لكن يبدو أن هناك من يهوي تكرار الفشل وإلا فما معني أن يتم طرح مشروع قانون للانتخابات علي نفس شاكلة القانون المعيب الذي تم طرحه والذي انتهي بأزمة دستورية مازالت البلاد تتحمل تبعاتها حتي الآن. فبالرغم من أن أصوات القوي السياسية بحت للمطالبة بإجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية إلا أن الاتجاه يسير عكس ما تشتهيه سفن تلك القوي.. فضلا عن أنه لم يتلاف العيوب التي عانينا منها بتطبيق قانون الانتخابات السابق والذي أجريت علي أساسه الانتخابات.. وكان من أبرزها تقسيم الدوائر بشكل يصبح من الصعب معه نجاح الأحزاب السياسية الليبرالية واليسارية والثورية في دخول البرلمان إلا إذا كان لديها من الإمكانات المادية مايساعدها للإنفاق علي الدعاية في دوائر متسعة وكبيرة.. والواقع يثبت أنها تفتقر لتلك الإمكانات ومن ثم يصبح نجاحها ضعيفا علي عكس قوي الإسلام السياسي التي تمتلك الكثير من هذه الإمكانات.. خاصة أن القانون لم يضع سقفا لتلك الدعاية، كما أنه لم يحرم استخدام دور العبادة في الدعاية ولايحمل ضمانات للإشراف القضائي.. وهو ما دفع كثيرا من الفقهاء الدستوريين لرفضه. أخيرا يأتي مشروع قانون يفتح الباب أمام المعاش المبكر للمرأة لتكتمل دائرة المشروعات المفخخة التي من شأنها أن تعيد عقارب الساعة للوراء وتأخذنا إلي ردة حضارية في الوقت الذي نأمل فيه النهوض ببلد يستحق مكانة أفضل مما هو عليه الآن.. وفي رأيي أنه مجرد الحديث عن معاش مبكر للمرأة هو حنجلة كبداية لرقصة شيطانية تهدف فيما بعد لإزاحة المرأة من ساحة العمل تحت دعوي باطلة بالعودة لدورها الطبيعي لبناء الأسرة ورعايتها.. قول حق يراد به باطل فالمرأة أثبتت قدرتها علي القيام بأكثر من دور تؤديها كلها بمهارة وتفوق يخطيء من يظن أن عقارب الساعة ستعود للوراء فهو إما أنه لايدرك طبيعة العصر أو أنه لايدرك طبيعة الشعب الذي شب علي الطوق ولن يسمح لأحد أن يكمم فمه أو يكبل حريته تحت أي شعار حتي لو كان متمسحا باسم الدين.. والدين منه براء.