قلعة صلاح الدين تقف شامخة فى وجه الزمان منظر عام للقلعة من الداخل عندما تتصارع وتتقاتل الأفكار والرؤي في عقل أي صحفي من أجل أن تحتل إحداها مكان الصدارة في قائمة المناقشة والتناول.. غالبا ما يجد نفسه يلوذ بالهروب منها جميعا ويبحث عن القديم والأصيل مثل التاجر عندما يفلس يبحث في دفاتره القديمة، وإن كان هناك فرق وهو أنه لا يمكن أن يقدم الصحفي أي فكرة أو رؤية سابقة إلا إذا كانت في ثوب جديد. كما أنني من الذين إذا تعذر عليهم الكتابة عن البشر ألجأ إلي الجماد والحجر لأسند ظهري عليه في استراحة مقاتل.. وهناك مكان له معزة خاصة في قلبي وهو جزيرة فرعون بجنوب طابا والتي قمت بزيارتها عام 1984 (أي منذ حوالي 28 سنة) وكنت أول صحفية مصرية تكتب عنها تحقيقا مصورا بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي وهذا التحقيق يعد أيضا الأول في مشواري الصحفي. د. ريحان مع وفد سياحي ورغم صغر وضآلة حجم هذه الجزيرة حيث إن محيطها لا يزيد علي ألف متر، إلا أن بها قلعة حربية تقع في مواجهة القادم إلي مصر عبر بوابتها الشرقية، التي دخل منها جميع الغزاة لبلادنا ومنهم الصليبيون الذين حاصروها ولكن القائد صلاح الدين أمر رجاله بمطاردتهم قبل أن يهزمهم في عكا وحطين. ومنذ أكثر من شهرين.. انتهت وزارة الآثار من مشروع لتطوير وترميم قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون التي تعتبر من أهم الآثار الإسلامية في جزيرة سيناء وتم افتتاحها أمام الزيارة بالليل والنهار وبلغت تكلفة هذا المشروع حوالي 20 مليون جنيه. وتعد هذه المناسبة فرصة عظيمة لنقوم بجولة داخل الجزيرة يصطحبنا فيها الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء والوجه البحري.. والذي ينفي بداية علاقة الفراعنة بهذه التسمية للجزيرة حيث لم يتواجد المصريون القدماء بها لكن تركز نشاطهم في طريق حورس الشهير ومنطقة سرابيت الخادم والمغارة ووداي النصب بجنوبسيناء حيث أعمال تعدين الفيروز والنحاس .ويؤكد الدكتور ريحان أن أقدم تواجد للأجناس في الجزيرة كان للعرب الأنباط كما تشير الاكتشافات بها، وأنه في القرن السادس الميلادي.. أنشأ الإمبراطور جستينان فنارا فوق التل الجنوبي بالجزيرة لإرشاد السفن التجارية القادمة من جزيرة جوتاب (تيران حاليا) إلي رأس خليج العقبة لخدمة تجارة البيزنطيين.. وإن كان الدكتور ريحان يرجع تسمية الجزيرة بهذا الاسم إلي كلمة فنار بالإنجليزية phare التي حرفت فيما بعد إلي فارعون ليصبح اسمها جزيرة فارعون وهناك سبب ثان للتسمية ربما إذا أردنا أن نعطي للشيء أبهة أكثر من اللازم نطلق عليه فرعون. كما أن هناك سببا آخر وهو أن هذه الجزيرة كانت أول ما يواجهه الغزاة لمصر عند قدومهم إليها ولذلك أطلقوا عليها منذ الأزمنة الغابرة هذا الاسم نسبة للفراعنة الذين كانوا يحكمونها من آلاف السنين. منطقة جزيرة فرعون بطابا ولكن الدكتور ريحان يفضل تسمية الجزيرة باسم جزيرة صلاح الدين حيث الدور الذي لعبته قلعته في تاريخ مصر أيام العثمانيين والمماليك ثم هجرت وأهملت تماما بعد احتلال الإنجليز لبلادنا تنفيذا لسياستهم التي كانت تهدف إلي عزل سيناء عن مصر وتركها مفتوحة نحو مستعمراتها في فلسطين والهند. وهيئة الآثار ومن بعدها المجلس الأعلي للآثار.. كما يقول الدكتور ريحان قاما بأعمال عديدة في الجزيرة منها مشروع لترميم شامل للقلعة في عام 1985 وقد أسفرت أعمال الحفر بها عن كشف آثار ولوحات تأسيسية، أكدت أن بناءها تم في عهد صلاح الدين وأبرزت دورها الحضاري وملامحها المعمارية ومعالمها الأثرية . وفي أواخر سبتمبر 2012 ..قام وزير الآثار محمد إبراهيم بافتتاح مشروع لترميم وتطوير القلعة.. والذي بدأ كما يحكي لنا الدكتور ريحان عام 2008 ومن خلاله تم ترميم السور الخارجي لها وإظهار الجوانب المكتشفة منه وحمايته من عوامل النحر والانهيار بفعل أمواج البحر العاتية في فصل الشتاء والتي تصل إلي داخل الجزيرة نفسها، كما تم عمل لوحات إرشادية مزودة بمادة علمية توضح للزائرين معالم القلعة إلي جانب تأمين الصعود في سلالم لأعلي القلعة، فضلا عن وضع إضاءات وأنوار تحول الجزيرة لبقعة مرئية ليلا عبر السعودية والأردن ومصر وفلسطينالمحتلة. ويؤكد الدكتور ريحان علي إتاحة زيارة القلعة للمصريين والأجانب في الليل والتي تتلألأ بالأنوار في جوف الظلام وإن كانت هذه الزيارة بالنهار أكثر من رائعة حيث يمكن للواقف أعلاها أن يشاهد بالعين المجردة أنواعا نادرة من الأسماك الملونة والشعب المرجانية والحيوانات البحرية، كما يمكنه تمييز السيارات والناقلات التي تمر بالدول السابق ذكرها. أما التطوير فقد شمل تقديم خدمات حول القلعة منها برجولات خشبية لراحة الزائرين وتطوير البحيرة الداخلية والمرسي ومدخل القلعة والبرج الأمامي منها. برج الحمام الزاجل بالقلعة وعن القيمة الثقافية لها.. يذكر الدكتور ريحان أن قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون تقع في أقصي الطرف الشمالي لخليج العقبة جنوب طابا بحوالي 8 كم وتبعد عن الشاطيء 250م وتمثل قيمة تاريخية وثقافية مهمة حيث تشرف علي حدود 4 دول وأنشأها القائد صلاح الدين (عام 567 هجرية 1171م) لصد غارات الصليبيين وحماية طرق المواصلات والحج والتجارة عبر سيناء وكان لها دور عظيم في ذلك، كما يسرد لنا الدكتور ريحان، فحين حاصرها الأمير أرناط صاحب حصن الكرك 1182م بقصد إغلاق البحر الأحمر في وجه المسلمين واحتكار تجارة الشرق الأقصي والمحيط الهندي بالاستيلاء علي أيلة شمالا (العقبة حاليا) وعدن جنوبا أرسلت الحامية الموجودة بالقلعة رسالة إلي القيادة المركزية لها عبر الحمام الزاجل، فتصدي له العادل أبوبكر أيوب بتعليمات من أخيه صلاح الدين، فأعد أسطولا قويا في البحر الأحمر بقيادة الحاجب حسام الدين لؤلؤ قائد الأسطول بديار مصر، فحاصر مراكب الفرنج وأحرقها وأسر من فيها وتعقبها حتي شواطئ الحجاز وكانت تمهيدا لموقعة حطين. ويوضح لنا الدكتور ريحان أهمية الموقع الاستراتيجي للقلعة التي تحتوي علي منشآت دفاعية من أسوار وأبراج وفرن لتصنيع الأسلحة وقاعة اجتماعات حربية وأماكن للإعاشة من غرف للجنود وفرن للخبز ومخازن غلال وحمام بخار يشبه الحمامات الشعبية وخزانات مياه وبرج للحمام الزاجل لنقل البريد ومسجد أنشأه الأمير حسام الدين باجل بن حمدان وقد عثر علي اللوحة التأسيسية له، وتم اقتطاع الصخر الناري الجرانيتي المأخوذ من التلين اللذين شيدت عليهما القلعة لاستخدامه في بنائها وكانت المونة من الطفلة الناتجة عن السيول، أي أنها شيدت من عناصر البيئة المحيطة بها، كما حرص صلاح الدين علي اختيار موقع استراتيجي في جزيرة فرعون لبناء قلعته علي تلين مرتفعين (أحدهما شمالي والآخر جنوبي) عن سطح البحر شديد الانحدار، فيصعب تسلقها، كما أن بين كل منهما سهل عبارة عن تحصين قائم بذاته قادرا علي الدفاع في حالة حصار الآخر ويحيط بهما سور خارجي كخط دفاع أول للقلعة، إلي جانب حفر خزانات مياه للشرب، وبذلك توفرت كل وسائل الحماية والإعاشة، علاوة علي أن القلعة تحوي عناصر دفاعية تتمثل في سور خارجي كخط دفاع أول يخترقه 9 أبراج دفاعية ثم تحصين شمالي ويخترقه 14 برجا دفاعيا كخط دفاع ثان ويخترق هذه الأسوار مجموعة من الأبراج بها مزاغل للسهام. وقد عثر في الجزء الشرقي من التحصين الشمالي علي بناني للحمام كما يشير الدكتور ريحان مؤكدا وجود بقايا حبوب من شعير وفول، موضحا أن الحمام الزاجل يتميز بقوة عضلاته وصدره العريض وعينيه الواسعتين ويستطيع أن يسير ألف كيلو متر دون توقف.