مىنا بدىع في صباح الثلاثاء 20 نوفمبر 2012 توجه وفد خبراء منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الذي يزور مصر حالياً بزيارته المقررة لمنطقة مارمينا الأثرية بمنطقة مريوط الواقعة غرب الإسكندرية وذلك لمتابعة مشروعات التطوير والترميم الجارية بالموقع كأحد المواقع المصرية الهامة المدرجة علي قائمة التراث العالمي منذ عام 1979م والتي يعود تاريخها إلي القرن الرابع الميلادي (العصر المسيحي). وتحت عنوان "55 مليون جنيه لترميم وتطوير منطقة أبومينا الأثرية بالإسكندرية" نشرت جريدة "الأهرام" بعددها الصادر صباح 41/21/9002 تقريرا عن العمل الذي يتم بأقصي سرعة لإنقاذ منطقة أبومينا الأثرية من خطر المياه الجوفية الذي يهددها منذ عشرات السنين، حيث تم رصد أكثر من 55 مليون جنيه لأعمال الترميم ودرء الخطر وذلك بالتعاون مع اليونسكو، باعتبار منطقة أبومينا أحد المواقع المدرجة علي قائمة التراث العالمي المُعَرض للخطر. تقع هذه المنطقة قرب الإسكندرية علي بُعد حوالي 50 كيلومترا منها، وتقريبا في منتصف المسافة بينها وبين وادي النطرون علي طريق القوافل القديم الذي كان يصل الإسكندرية بواحة سيوة وبرقة غربا. وتمتد أطراف هذه المنطقة التي ترقي إلي مستوي المدينة في حدود صحراء مريوط حيث تشغل مساحة لا تقل عن أربعين ألفا من الأمتار المربعة بما عليها من بقايا الكنائس والأديرة والحمامات والمنازل والأسواق وغيرها. وتتوسط هذه جميعا، الكنيسة الرئيسية الرائعة التي طالما انتزعت إعجاب المؤرخين القدماء فأطلقوا عليها اسم "أجمل وأعظم كنيسة مصرية"، "تحفة من روائع الفن المسيحي"، "مسرة لجميع شعوب مصر"، "الأكروبول المسيحي القديم"، وأيضا "المدينة الرخامية". أما الشهيد المصري الذي تحمل المنطقة اسمه فهو القديس مينا الملّقب بالعجايبي، فهو من عائلة مصرية نبيلة، وأصل والديه أودوكسيس وأوفومية من المدينة المصرية الشهيرة المسماة باليونانية "نيقيوس" وتعني بالمصرية (المنتصرون)، وتسمي أيضا "إبشاتي" (التي هي الآن زاوية رزين بمحافظة المنوفية) باسم الحاكم المصري الذي بني ميدانا في وسطه مقصورة وقوّي أسوارها. وقد ولد الشهيد المصري في عام 285م، وانخرط في الجندية كأحد النبلاء وهو يبلغ من العمر 15 عاما، وشغل وظيفة نائب للقائد العام للجيش بولاية فريجيا بآسيا الصغري. بعد أن صدرمنشور دقلديانوس الذي يأمر كل إنسان بعبادة الأوثان، انسحب القديس مينا إلي الصحراء بغرض النسك والعبادة، وبعد أن قضي نحو خمس سنوات في الرهبنة، غادر الصحراء إلي المدينة وجاهر بإيمانه المسيحي واستشهد بقطع رأسه بحد السيف في 24 نوفمبرعام 309م وهو يبلغ من العمر 24 عاما، وبعد ذلك اصطحب بعض الجنود جسده المبارك وذهبوا به إلي منطقة مريوط وهناك تم دفنه. كانت نواة منطقة أبومينا قبرا صغيرا ضم رفات الشهيد المصري مينا، ففي بداية الأمر تم بناء مقصورة صغيرة فوق قبر القديس في أوائل القرن الرابع الميلادي ثم أقيمت الكنيسة الأولي فوق هذه المقصورة في منتصف القرن الرابع. ولما ضاقت هذه الكنيسة بالأعداد الغفيرة المتزايدة من المصلين، شيدت علي امتدادها من الجهة الشرقية كنيسة فخمة رحبة في أوائل القرن الخامس الميلادي بأمر من الإمبراطور أركاديوس (395 418م) الذي لم يدخر جهدا في زخرفتها وتزيينها بأثمن أنواع الرخام والفسيفساء والنقوش البديعة، وقد كان لهذه الكنيسة بهاء وروعة انتزع إعجاب المؤرخين القدماء. اشتهرت المنطقة بكميات الأواني الفخارية الهائلة المحلاة بصورة الشهيد المصري واسمه والتي عثر عليها في شتي أرجاء العالم. وكان زوار المنطقة يأتون في هذه الأواني بقليل من الماء - الذي كان ينبع من بئر بجوار القبر لأقاربهم ومعارفهم الذين أقعدتهم ظروفهم الصحية عن تحمل مشقات السفر. هذا وكان يوجد بالمدينة نفسها عدة قنوات لنقل المياه من النبع المقدس إلي مجموعة كبيرة من الأحواض والصهاريج والحمامات والقاعات المخصصة لاستقبال المرضي. وما لبث أن تحولت الأرض المجاورة إلي كروم وبساتين يانعة ومثمرة. وهكذا قامت في جوف الصحراء مدينة كاملة عامرة. وظلت منطقة أبومينا أشهر موضع للتقديس في مصر كلها زمانا طويلا إبان العصور الوسطي. يذكر لنا المؤرخ أبوالمكارم أن كنيسة القديس مينا كانت لا تزال قائمة حتي القرن الثالث عشر الميلادي. بعد ذلك تكاثرت عليها عوامل التدمير وغمرتها رمال الصحراء، حتي دخلت المدينة العظيمة في طي الصمت والكتمان والنسيان حتي أمكن اكتشافها علي يد أفراد البعثة الألمانية الأثرية التي حضرت من فرانكفورت عام 1905م بقيادة الأسقف الألماني كارل- ماريا كاوفمان. ثم في عام 1959 فور جلوس البطريرك الملهم قداسة البابا كيرلس السادس علي الكرسي المرقسي حتي أبدي اهتماما واضحا بالتعاون مع جمعية مارمينا للدراسات القبطية بالإسكندرية - لإحياء تلك المنطقة. وكان قداسته طوال فترة رهبنته مشغولاً بإحياء تلك المنطقة وإعادتها إلي مجدها السابق، وقد عاونه في ذلك ثلاثة من أعضاء جمعية مارمينا للدراسات القبطية بالإسكندرية وهم مفتش الآثار بالمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية الأستاذ بانوب حبشي (1907 1956) والطبيب السكندري والمؤرخ الكنسي القدير د. منير شكري (1908 1990) وخبير رسم الآثار المصرية بالمتحف اليوناني الروماني الأستاذ بديع عبدالملك (1908 1979). فبادر قداسة البابا بزيارة المنطقة الأثرية بصفة دورية وإقامة الصلوات بها. ثم قام ببناء دير حديث يبعد مسافة مسموح بها أثريا عن المنطقة الأثرية فقام بوضع حجر أساس الدير في يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 ثم وضع حجر أساس كنيسة كبري كالتي كانت عليها الكنيسة القديمة في يوم الجمعة 24 نوفمبر 1961. وما أن جلس قداسة البابا شنوده الثالث علي الكرسي المرقسي في عام 1971حتي قام باستكمال الأعمال التي قام بها سلفه الراحل. وفي يوم الاثنين 10 يناير 2005 قام البابا شنوده بتدشين الكنيسة الكبري بالدير. حاليا يهتم أسقف الدير الأنبا كيرلس آفا مينا بالتعاون مع المجلس الأعلي للآثار بترميم المنطقة الأثرية وتعمير الدير الحديث. هذا وقد رأس قداسة البابا شنودة الثالث في نوفمبر 2009 - الاحتفالات الكبري التي أقامها دير مارمينا هذا العام بذكري مرور سبعة عشرة قرنا علي استشهاد القديس مينا واليوبيل الذهبي لوضع حجر أساس الدير الحديث والتي شارك فيها جمعية محبي التراث القبطي بالقاهرة وجمعية مارمينا للدراسات القبطية بالإسكندرية. إن قصة دير القديس مينا العجايبي هي قصة حب بين البطريرك الوقور البابا كيرلس السادس وبين أبنائه المحبين الذين ارتبطوا ارتباطاً وثيقاً بكنيستهم ووطنهم. ويشرف كاتب المقال أنه كان أحد الأفراد الذين حضروا احتفال وضع حجر أساس هذا الدير العظيم في عام 1959 وكنت وقتها طفلاً أبلغ من العمر تسع سنوات، كما أن البابا كيرلس السادس قام بتكليف الأستاذ بديع عبدالملك بكتابة اللوحة التذكارية التي وُضعت علي حجر الأساس ومازالت اللوحة التذكارية موجودة بالدير تشهد علي روعة الكتابة والاتقان في الإخراج القائم علي الحب. كان هذا الزمن هو زمن البساطة والصراحة والحب بعيداً عن الفلسفات التي تفسد العلاقات الإنسانية. تحية لليونسكو علي مجهوداتها السخية وتحية لروح البطريرك العظيم البابا كيرلس السادس ولأرواح أعضاء جمعية مارمينا للدراسات القبطية بالإسكندرية من المؤسسين.