مجلس قىادة الثورة بكامل هىئته.. من الىمىن: نجىب ثم عبدالناصر وجمال سالم وعبداللطىف البغدادى.. وبقية أعضاء المجلس الثورة تحولت بتصرفات الضباط إلي »عورة«.. من كنت أتصورهم ثوارا أصبحوا أشرارا أقترب الآن من النهاية.. وأحزم حقائبي استعدادا للرحيل.. إنني في الأيام التي يكون فيها الإنسان معلقا بين السماء والأرض.. في تلك الأيام التي يختفي فيها تأثير الجسد علي البشر ويبقي نفوذ الروح.. ويبتعد فيها الإنسان عن المادة ويغطي نفسه بالشفافية.. وينسي الألم والدنيا والسلطة والمال والولد ولايتذكر إلا الحق والتسامح والصدق والخير.. أنام علي فراشي.. وأقرأ علي فراشي.. وأجلس وأتحدث مع زواري وأقاربي وأصدقائي.. إنه مابقي لي في الدنيا وآخر ما سأراه وألمسه فيها.. في هذه الحياة الرتيبة التي أحياها جاءني بعض الأصدقاء ورحبت بهم.. وتساءلت سرا عن سر زيارتهم لي فأجابوا بأنهم يطالبونني بمذكرات كاملة أودعها صفحات التاريخ.. وقد حاولت الاعتذار في أول الأمر بأنني قلت كلمتي من قبل.. ولكنهم لم يقبلوا الاعتذار قائلين إن الكثير من الأوراق والوثائق والذكريات لاتزال حبيسة في حوزتك.. وهي ليست ملكا خاصا لك وحدك.. ولكنها ملك الأجيال الجديدة وملك التاريخ.. وتركني الأصدقاء لأفكر في الأمر وحدي.. إنني في أيامي الهادئة هذه لا أريد أن أجرح أحدا.. ولا أريد أن أعبث بسكيني في جرح قد التأم.. وقلبت أوراقي الخاصة.. وقلبت في ذاكرتي.. وقرأت مانشرته من قبل، وما نشر عني.. وأحسست فعلا أن عندهم حقا.. فهناك وقائع لم أجد من المناسب ذكرها، وهناك تفاصيل تجاهلتها.. وهناك أسماء لم أنشرها. وأدركت أنه قد بقي علي واجب لابد من أدائه قبل الرحيل.. أن أكشف ماسترته.. وأزيح ماواريته وأكمل الصور التي أشرت إلي وجودها.. وبدأت رحلتي الشاقة في التفتيش عن الأوراق والذكريات.. وفي مواجهة الأخطاء التي وقعت فيها.. والعيوب التي لم أتخلص منها.. لم أكن أتصور أن أعيش وأكتب هذه المقدمة.. يمكنني الآن أن أموت وأنا مستريح البال والخاطر.. والضمير.. فقد قلت كل ماعندي.. ولم أكتم شهادة.. ولم أترك صغيرة ولا كبيرة إلا كشفتها.. هذه كلمات مقدمة كتاب اللواء محمد نجيب.. أول رئيس لمصر بعد ثورة 25.. والذي عنونه ب مذكرات محمد نجيب »كنت رئيسا لمصر«.. والحق أن الكتاب يكشف الكثير عن خفايا الفترة الأولي من عمر ثورة 25 وقادتها.. ويزيح الستار عن أسرار كثيرة عن شخصية جمال عبدالناصر بالذات.. وعلاقاته بالأمريكان واليهود.. وتعالوا نقرأ ماكتبه قلم الرجل وضميره عن تلك الفترة. الثورة تحولت إلي عورة أشعر اليوم أن الثورة، تحولت بتصرفاتهم (يقصد الضباط أعضاء مجلس قيادة الثورة) إلي عورة.. وأشعر أن ماكنت أنظر إليهم علي أنهم أولادي، أصبحوا بعد ذلك مثل زبانية جهنم .. ومن كنت أتصورهم ثوارا، أصبحوا أشرارا. لقد خرج الجيش من الثكنات.. وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية.. فوقعت الكارثة التي لاتزال نعاني منها إلي الآن في مصر.. كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويا.. فأصبح لكل منهم »شلة« وكانت هذه الشلة غالبا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التحضير للثورة.. ولا في القيام بها.. والمنافق دائما مثل العسل علي قلب صاحب النفوذ .. لذلك فهو يحبه، ويقربه، ويتخلص بسببه من المخلصين الحقيقيين، الذين راحوا وراء الشمس، لأن إخلاصهم كان هما وحجرا ثقيلا علي قلوب الضباط من أصحاب الجلالة. تعددت الشلل والتنظيمات داخل الجيش .. وحول ضباط القيادة.. وبدأ الصراع بين هذه الشلل، بعد أيام من نجاح الثورة، وتحول من يومها إلي قتال يومي شرس.. مراكز القوي وظهرت مراكز القوي، بعد شهور قليلة، من قيام الثورة.. داخل مجلس القيادة وخارجه. ومما لاشك فيه أن جمال عبدالناصر كان أكبر مركز قوة داخل المجلس، وعندما ساعده الآخرون في التخلص مني، استدار إليهم، وتخلص منهم واحدا بعد الآخر. وقوة عبدالناصر في شخصيته.. وشخصيته من النوع الذي يتكيف ويتغير حسب الظروف.. فهو مرة مع الشيوعيين ومرة مع الإخوان.. وعشرات المرات ضد الجميع ومعه نفسه. لقد خلصتهم من فاروق.. وخلصهم سليمان حافظ من كبار السياسيين والأحزاب.. وخلصهم يوسف صديق من نفسه.. وخلصهم ضباط المدفعية من عبدالمنعم أمين.. وخلصهم ضباط الفرسان من خالد محي الدين.. وتخلصوا مني ثم تخلص عبدالناصر من أغلبهم.. وبقي هو وعبدالحكيم عامر وأنور السادات وحسين الشافعي.. أما هو وعامر فقد تخلص منهما اليهود في حرب يونيو 7691.. وتخلص حسين الشافعي من متاعبهم وبقي في بيته.. ولم يبق من ضباط الثورة سوي أنور السادات الذي كان يعرف بدهاء الفلاح المصري كيف يتجنب الأهواء والعواصف.. وكان يقول علي كل شيء »صح«.. وكانت هذه الكلمة لاتعني أنه موافق أو غير موافق، دائما كانت تعني أنه يفكر وينتظر الفرصة. هذا هو أسرع ملخص لسيناريو الثورة.. لقطات السيناريو لكن.. لقطات هذا السيناريو التفصيلية أهم وأمتع بكثير من هذا التلخيص المبتور ولأنني لا أريد التشهير بأحد.. ولأنني لا أحمل في صدي أي حقد أو كراهية أو بغض أو ضغينة لأحد منهم.. ولأنني أقول هذا الكلام وأنا علي بعد سنتيمترات قليلة من لقاء ربي.. فإنني سأتعرض لبعض الوقائع والانحرافات التي نتجت عن استيلاء الضباط علي السلطة، دون أسماء ولاتواريخ محددة.. وقد لايحب التاريخ عدم فضح الأشخاص، لكن الإنسانية بالتأكيد معي في ذلك. إن أول شيء فعله ضباط القيادة بعد أن استقرت الأمور هو أنهم غيروا سياراتهم الجيب، وركبوا سيارات الصالون الفاخرة.. للتمييز بينهم وبين باقي الضباط الأحرار.. وإمعانا في التمييز بين ضباط القيادة وباقي الضباط الأحرار، أوحي جمال عبدالناصر لمصطفي أمين بكتابة مقال بعنوان »سر الضباط التسعة«.. نشرت هذه المقالة في جريدة الأخبار، في سبتمبر 2591 في الصفحة الأولي بجانب صورة كبيرة لجمال عبدالناصر، ومع بقية المقال في الصفحة الثالثة نشرت صور باقي ضباط القيادة من أعضاء المجلس.. وفي هذه المقالة طلب جمال عبدالناصر من مصطفي أمين أن يوحي للقارئ بأنه بطل الثورة ورئيسها الذي يختفي في الظل.. وأنا لم أهتم بهذا الكلام، لكن الذي اهتم به باقي الضباط الأحرار الذين غضبوا من نشره، خاصة أن هناك اتفاقا قديما فيما بينهم بعدم نشر صورهم في الجرائد، وفض الدعاية، وإنكار الذات. وأثارت مقالة مصطفي أمين الفتنة بين صفوف الضباط الأحرار، وحرضت بعضا منهم علي التمرد والانقلاب، كما حدث مع ضباط المدفعية.. وكان ضباط المدفعية قد بدأوا في رصد انحرافات ضباط القيادة.. وكانت فضائحهم في الحقيقة كثيرة. فضائح كثيرة فقد ترك أحدهم شقته المتواضعة واستولي علي قصر من قصور الأمراء في جاردن سيتي، حتي يكون قريبا من إحدي الأميرات التي كان قصرها قريبا من ذلك القصر الذي استولي عليه.. وكان لايتورع أن يهجم علي قصرها بعد منتصف الليل، وهو في حالة إغماء بسبب الخمر.. وكثيرا ماطلبتني الأميرة في الفجر لإنقاذها من ذلك الضابط، الذي تصور، علي حد تعبيرها، إنه ملك جديد. وعندما حاولت أن أثنيه عما يفعل، قال: إننا نسترد جزءا مما دفعناه لسنوات طويلة.. وللأسف كان بعض زملائه، يضحكون. وترك ضابط آخر من ضباط القيادة الحبل علي الغارب لزوجته، التي كانت تعرف كل مايدور في مجلس القيادة، وكانت تستغله لصالحها ولصالحه.. وكانت تتباهي بنفوذها، وكانت تقول علنا: »الجيش في يميني والبوليس في يساري« وكان إيجار شقتها 05 جنيها في وقت كان هذا المبلغ يساوي إيجار بيتي في عامين. وفاحت رائحة ثالث، كان يجري وراء ناهد رشاد زوجة الطبيب بحري يوسف رشاد، طبيب الملك فاروق الخاص، الذي كون الحرس الحديدي.. وانتشرت هذه الفضائح وغيرها لضباط القيادة.. حتي أن زملاءهم الضباط كانوا يقولون عنهم: طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشر ملكا آخر.