منذ أن قامت الثورة وتمثلت أهم مطالبها في عودة الأموال المنهوبة إلا أن ذلك المطلب لم يتحقق طوال الفترة الانتقالية وبعد وصول الرئيس مرسي إلي سدة الحكم عاد الأمل مرة أخري وذلك مع استراد 11 مليار جنيه الأسبوع الماضي وأعلنت النيابة العامة أن هناك 50 مليارا أخري ستعود خلال الشهر القادم. حيث بدأت النيابة العامة في إجراءات جديدة لتحصيل وإعادة مبلغ 50 مليار جنيه من أموال رجال الأعمال ورموز النظام السابق تنفيذا للأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن وذلك بعد إعلانها مؤخرا عن استعادة مبلغ 11 مليار جنيه من الأموال المنهوبة. وكان المستشار عادل السعيد- مساعد النائب العام و المتحدث الرسمي باسم النيابة العامة، ورئيس المكتب الفني للنيابة قد أكد أن تلك الأموال تذهب إلي وزارة المالية لإدراجها في الموازنة العامة للدولة من خلال باب تنفيذ الأحكام المالية من رد أموال وغرامات. وأكد أنه تم استرداد مبلغ 36 مليون دولار من رجل الأعمال محمد أبو العينين، بالإضافة لقطعة أرض قيمتها 59 مليون دولار كانت مخصصة له من هيئة السياحة. كما تم استرداد قيمة أرض من رجل الأعمال أحمد المغربي وزير الإسكان السابق قيمتها 30 مليون جنيه، كما تم التحفظ علي قطعة أرض ملك أحمد نظيف قيمتها 75 مليون جنيه. وتضم القائمة التي صدرت ضدهم أحكام بالرد والغرامة عددا من رموز النظام البائد، أبرزهم رجل الأعمال أحمد عز أمين التنظيم وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل والصادر ضده حكم بالسجن 7 سنوات وتغريمه بصفة أصلية 12 مليارا و858 مليون جنيه، وبصفة إضافية 6 مليارات و429 مليون جنيه لإدانته بارتكاب جريمة غسل الأموال المتحصلة من جريمتي التربح والاستيلاء علي المال العام خلال الفترة من عام 2001 حتي 2011 وقت أن كان رئيسا لمجلس إدارة شركة الدخيلة. وقد قامت النيابة بالفعل بوضع يدها علي مليار جنيه من أمواله السائلة في البنوك الداخلية، ومخاطبة الجهات المذكورة سابقا لإفادتها بتقاريرها عن ثروته وأملاكه، وتم استقبال التقارير من بعضها وجارٍ استكمال الجزء الآخر. وفي الوقت ذاته يتم التجهيز لمزادات علنية لبيع الممتلكات الخاصة به وأفراد أسرته لسداد كافة الغرامات المالية الموقعة عليه بعد أن دلت التقارير الأولية للبنك المركزي عن وجود مليار جنيه فقط داخل البنوك المصرية، وهو ما ينبئ بشكل كبير بأن عز سيكون أول رموز النظام السابق الذي سيتم عمل مزاد علي ممتلكاته وعقاراته وأسهمه في الشركات. ويأتي في المرتبة الثانية محمد إبراهيم سليمان- وزير الإسكان الأسبق- وقد وضعت النيابة يدها علي قرابة 50 مليون جنيه من أمواله بالبنوك المصرية وذلك تنفيذا للحكم الصادر ضده وضد رجل الأعمال الهارب مجدي راسخ (صهر المخلوع) الذي يقضي بتغريمهما ما يقرب من ملياري جنيه؛ لاتهامهما في قضايا تربح وإضرار بالمال العام وذلك في قضيتي "سوديك" والاستيلاء علي أراضي الدولة لصالح زوجته وأولاده. وقد وضعت النيابة العامة يدها علي 8 ملايين جنيه في البنوك كجزء من قيمة الغرامة الموقعة علي أحمد نظيف- رئيس الوزراء الأسبق- تنفيذا للحكم الصادر ضده بالسجن 3 أعوام وتغريمه وردّ 18 مليون جنيه، لإدانته بتهمة الكسب غير المشروع وتضخم ثروته عن طريق استغلال نفوذه. كما وضعت النيابة يدها علي نحو 25 مليون جنيه لزكريا عزمي- رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق- كجزء من الغرامة الموقعة عليه والمقدرة بنحو 72 مليون جنيه وحبسه 7 سنوات لاستغلال نفوذه وتربحه بشكل غير مشروع. ووضعت النيابة كذلك يدها علي نحو 5 ملايين جنيه من أموال حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق في البنوك في القضية المحكوم عليه فيها بالسجن 12 سنة وغرامة 22 مليون جنيه لتربحه من وظيفته. كما أعلن الرئيس محمد مرسي عن فتح حساب يحمل الرقم 333 بالبنك المركزي المصري و هذا الحساب يهدف لتجميع الأموال التي سيتم تحصيلها واستردادها لصالح الدولة في إطار استرداد الأموال المهربة للخارج. وهذا الحساب يهدف أيضا لتحصيل حقوق مصر في الأراضي التي تم تحصيلها وحصل عليها بعض الأفراد بأسعار بخسة أو قاموا بتغيير نشاطها بما أتاح لهم تحقيق أرباح طائلة تقدر بمئات الملايين دون وجه حق وقد تقاعست بعض الأجهزة المعنية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل حقوق الدولة بسبب الفساد. وتوالت جهود مصر في استعادة الأموال المنهوبة مؤخرا بعدما قدمت طلبا للعرض خلال الاجتماع الوزاري العربي الأوروبي الذي عقد في القاهرة يوم 13 نوفمبر حول الأموال العربية المهربة في الدول الأوروبية وهو لم يكن مطروحا مسبقا في مشروع إعلان القاهرة الذي تم مناقشته. وقال تقرير صادر حديثا من البنك الدولي إن حجم الأموال المصرية المهربة بلغ أكثر من 134 مليار دولار علي مدي 30 عامًا وكشفت عن مستندات حول كيفية استيلاء وتهريب كبار رجال الأعمال ورجال الحكومة وسرقة الأموال علي مدي 30 عامًا هي مدة حكم الرئيس السابق حسني مبارك. وأوضح تقرير البنك الدولي أن الأصول المصرية عرفت طريقها إلي مناطق مثل الرياض والدوحة ودبي ولندن ومدريد وبنما وسويسرا وتفاوتت ردود الفعل والإرادة السياسية من هذه الجهات في المساعدة وكانت سويسرا مثالا صارخا للاستجابة السياسية. وأكد التقرير أن البنك الدولي قال إن ربع سكان مصر يعيشون علي دولارين للفرد في اليوم الواحد وأن آمال المصريين في فرص الحياة تتبدد بشكل يومي مشيرًا إلي أن تجميد الأموال لايعني عودتها إلي مصر مرة أخري خاصة أنه علي القاهرة تقديم براهين تثبت أن منبع هذه الأموال غير مشروع وهنا تكمن المهمة الصعبة. وأضاف التقرير أن النظام المصرفي كان يسهل عملية تهريب الأموال إلي الخارج مشيرا إلي أنه كان هناك حالة من الفساد المقنن حيث تم تغيير قانون البنوك عام 2003 وأصبح لرئيس الجمهورية الحق في تعيين محافظ البنك المركزي بدون أي مساءلات، ووصف الدكتور فاروق العقدة بأنه لايملك تاريخًا في سجله الوظيفي. وأكد تقرير عن المدعي العام السويسري مايكل لأوبر المسئول عن تجميد تلك الأموال المهربة الذي قال إنه قد تم تجميد أكثر من 4 مليارات و458 مليون جنيه مصري وإن هذه الأموال تخضع للتحقيق وأن هناك أكثر من 20 ضابط شرطة ومحققين ماليين لإسراع سير التحقيقات قدر المستطاع. وقال إنه تلقي العديد من البلاغات بعد الثورة مباشرة حول مبارك وكبار المسئولين وقال إن النيابة العامة قامت بإرسال طلبات مساعدة قضائية إلي دول العالم في شهر فبراير أي بعد الثورة مباشرة. وأوضح أنه أصدر قرارًا بتجميد أرصدة رموز النظام السابق بعد تنحي مبارك بنصف ساعة الذي قال إنه عند إعلان التنحي كانت القائمة جاهزة وكانت تحتوي الأشخاص الذين يشتبه بقيامهم بأعمال غير قانونية، وحول اتخاذ سويسرا لهذه المبادرة قال إن مصر يمكن أن تقوم بذلك بنفسها ولكن لابد من التعاون بين الجهات ليتم إنجاز تلك التحقيقات. وأكد الدكتور عبد المنعم درويش الخبير الاقتصادي أن استرداد الأموال المهربة للخارج لن يتم إلا من خلال التصالح الكامل والتعاون بين الحكومة المصرية وأصحاب الشأن أنفسهم الذين يمتلكون مفاتيح عودة تلك الأموال وقال إن عودة الأموال المصرية المهربة من الخارج تحكمها قواعد منصوص عليها في إتفاقية الأممالمتحدة عام 2003.. ومصر جزء من تلك الاتفاقية، مشيرا إلي أن عودة هذه الأموال تقتضي إصدار حكم نهائي من القضاء المصري. وأوضح أن رفض الحكومة التصالح مع رموز النظام السابق لن ولم يؤثر علي مصير عودة الأموال المهربة، لافتا إلي أن الدولة لن تستفيد من الأحكام في الجرائم ذات الطبيعة الاقتصادية والمتهم فيها الكثير من رموز النظام السابق. ووصف درويش عودة الأموال المهربة بأنها مسألة معقدة للغاية لأن الدول التي تمتلك تلك الأموال تربطها مصالح مباشرة وغير مباشرة مع رموز النظام السابق، منوها إلي أنه لابد من وجود إرادة سياسية وعلاقات قائمة علي المصالح بين مصر وتلك الدول التي لديها الأموال. ومن جانبه أكد معتز صلاح الدين، رئيس المبادرة الشعبية لاسترداد أموال مصر المنهوبة، أن أعضاء اللجان سعوا بشتي الطرق إلي استعادة هذه الأموال وحتي الآن هم يبذلون قصاري جهدهم. وأشار إلي أن الأمر يحتاج إلي تدخل سياسي حاسم وقوي من جانب مصر مع جميع الدول التي تم تهريب الأموال إليها وعلي رأسها أمريكا وطالب بضرورة إنشاء مجلس رئاسي يضم شخصيات دبلوماسية وسياسية وقانونية بارزة لتسهيل التفاوض مع هذه الدول وللتأكيد علي رغبة مصر الحقيقية في استعادة هذا الشكل. وأوضح أن تقديرات المبادرة لحجم الأموال المهربة يتجاوز ال225 مليار دولار موضحا أنه لم يتم تجميد أموال العديد من شخصيات النظام السابق حتي الآن نتيجة رفض تعاون معظم هذه الدول مع مصر لتمكينها من استرداد هذه الأموال. وأكد صلاح الدين أن المبادرة لديها العديد من المستندات المهمة التي تثبت وتؤكد بتقديرات دقيقة حجم الأموال التي تم تهريبها لدي بعض الدول وعلي أتم استعداد للتعاون مع الحكومة المصرية، مشيرا إلي أن الأمر يحتاج إلي تدخل سياسي وشعبي لتشكيل منظومة متكاملة للضغط علي هذه الدول من أجل التعاون بشكل جدي مع مصر. وحذر صلاح الدين من الدعوات التي يدعو إليها البعض للتصالح مع رموز الفساد من أجل استعادة الأموال، مشيرا إلي أن هذه الدعوات هي بمثابة انتكاسة حقيقية للثورة ودعوة صريحة لزيادة الفساد في مصر وتكرار مأساة نظام المخلوع ورموزه.