بعد اندلاع ثورة يناير وتنحي الرئيس السابق حسني مبارك عَوَّل الكثيرون علي الثوار وتعلقت أحلام المصريين بجهودهم لتحقيق مطالب الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ووسط الملايين المحتشدة في الميدان كان مجموعة من شباب الثورة يعدون العُدة ويجهزون حالهم لتشكيل حكومة الثورة أو حكومة "الظل" بشكل مواز للحكومة الجديدة وقتذاك التي تولي رئاستها د.عصام شرف وأعلنت بشكل رسمي في نقابة الصحفيين يوم 16 أبريل 2011. بعد عام ونصف العام من إعلانها ماذا حققت هذه الحكومة، وما الأدوار المنوطة بها للحفاظ علي مكتسبات الثورة؟ هذا ما نتعرف عليه من خلال الحوار التالي مع د.وحيد عواد وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة ظل الثورة. ما هي حكومة الظل وماذا عن أهم أهدافها؟ - هذه الحكومة مهمتها متابعة تنفيذ مطالب الثورة وأهدافها. تشكلت بعد مفاوضات بين مجموعة من الشباب الذين شاركوا في الثورة بهدف استكمال المشوار بطريقة علمية عملية لا تعتمد فقط علي المظاهرات مع التأكيد علي ضرورتها وأهميتها، وإنما أيضاً بالتوازي معها يشارك أعضاؤها في التنمية والتوعية من خلال كيان منظم ومحترف يقوم علي التمسك بأهداف الثورة ويعمل وفق أسس علمية. ماذا عن أبرز مهام حكومة الظل؟ - مهام عِدة أهمها مراقبة أداء الحكومة الحالية، ومتابعة تنفيذ باقي مطالب الثورة، والمساهمة في حل مشاكل كل الوزارات، ووضع حلول ومقترحات لتطويرها، والتواصل الشعبي الحقيقي مع مختلف أجهزة الدولة بدءاً من مؤسسة الرئاسة وانتهاءً بكل مؤسساتها، لذا تشكلت هذه الحكومة من شباب مصري من مختلف الاتجاهات السياسية والتخصصات العلمية وهم موزعون علي فرق عمل، كل فريق مهمته مراقبة وزارة من وزارات الحكومة الحالية وإمدادها بالمشروعات والدراسات والأفكار التي تساعدها علي تطوير أدائها. ماذا حققت حكومة الظل حتي الآن وما أبرز الملفات التي تتابعها؟ - من أبرز الملفات والقضايا التي اهتمت بها الحكومة وتبنتها، قيام الحكومة متمثلة في رئيسها د.علي عبدالعزيز بحضور سلسلة اجتماعات العام الماضي مع د.عصام شرف عندما كان رئيساً للوزراء لمتابعة تنفيذ مطالب الثورة وذلك بتقديم مطالب الثوار وآليات تنفيذها، كما طرحت الحكومة مبادرة للعفو عن الجماعات المسلحة في سيناء لعودة الأمن بها، وكنا بالفعل قد توصلنا إلي تسوية بين الشرطة والجماعات المسلحة هناك عندما تولي اللواء منصور العيسوي وزارة الداخلية، لكن للأسف أفشلها الصراع بين الجهات الأمنية هناك في اللحظات الأخيرة. كما قدمت الحكومة خطة متكاملة لتنمية سيناء التي عانت الإهمال والتجاهل من النظام البائد. وقدمنا مشروعاً متكاملاً للدستور إلي لجنة وضع الدستور وخُصصت 4 جلسات استماع للحكومة من قبل اللجنة. ولدي الحكومة رؤية متكاملة لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي ومشروع لقانون جديد لتنظيم الجامعات. وشاركنا في التعديلات التي أُقرت في مشروع قانون تنظيم الجامعات والتي علي إثرها تمت زيادة رواتب أعضاء هيئة التدريس وتحقيق استقلال الجامعات المصرية وذلك بجعل اختيار قياداتها عن طريق الانتخاب المباشر وليس بالتعيين الذي كان يخضع لاعتبارت أمنية. أعلم أن لكم جهودا أخري فيما يتعلق بمشكلة المياه. حدثني عنها؟ - أولت الحكومة ملف مشكلة المياه مع دول حوض النيل أهمية خاصة، لما له من أثر خطير علي الأمن المائي المصري، وتقدمنا بخطة لتطوير وزارة الري والموارد المائية وحل جميع مشاكلها إلي د.هشام قنديل حينما كان علي رأس هذه الوزارة وقبل توليه رئاسة الحكومة. وماذا عن المشكلة السكانية وملف الأمن والطاقة؟ - لدي الحكومة مشروع تنموي عملاق للتنمية وحل للمشكلة السكانية والازدحام السكاني في القاهرة وهو مشروع إنشاء عدة عواصم جديدة لمصر (سياسية وعلمية واقتصادية وفنية وصناعية)، وبخصوص ملف الأمن تبنت الحكومة رؤية ومشروعا لتطوير جهاز الشرطة وعودة الأمن للشارع وعرضتها علي وزارة الداخلية، وإدراكاً من الحكومة لأهمية ملف الطاقة، قامت بتتخصيص وزارة للطاقة المتجددة وصيغت عدة مشاريع جديدة لتوليد الغاز من المخلفات الزراعية للمزارع والقري وبتكلفة بسيطة جداً كما قدمت مشروعا لتدوير القمامة. وبالنسبة إليك ماذا حققت وزارة التخطيط والتعاون الدولي التي تتولي حقيبتها؟ "التخطيط والتعاون الدولي" وزارة وليدة بالحكومة، حيث كُلفت بحقيبتها منذ ثلاثة أسابيع فقط كأول وزير لها. أعكف حالياً علي دراسة بعض الملفات المهمة مثل العلاقات الدولية مع دول العالم كافة وأوجه التعاون القائمة والمفترضة، كما أعكف علي دراسة خطط التنمية السابقة للتوصل إلي نقاط الضعف بها وما يمكن إصلاحه في الخطة المستقبلية، واقتراح بعض المشاريع المهمة التي تساعد في تنفيذ أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تتلاقي مع أهداف الثورة. وأوشكت علي الانتهاء من تشكيل فريق عمل الوزارة من مجموعة متنوعة من الكفاءات الوطنية بالداخل والخارج. كما أقوم أيضاً بإعطاء بعض المحاضرات عن الثورة المصرية ومستقبلها ومستقبل العلاقات المصرية الأمريكية في عدد من المناسبات والفاعليات المختلفة بالولايات المتحدة تنشيطاً للتعاون ودعوة للاستثمار والسياحة في مصر. ألا تري أنه من الضروري عليكم (كحكومة ظل ثورية) بذل مزيد من الجهد للوصول إلي المواطن البسيط وتوعيته؟ - نعم، نحن دائما بحاجة لبذل المزيد من الجهد، ودائماً نتطلع إلي الأفضل، لكن تواجهنا مشكلة محدودية الموارد المتاحة (سواء موارد بشرية أو مادية)، حيث إن الحكومة قائمة علي العمل التطوعي والجهود الذاتية لأفرادها، لكننا مع ذلك نحاول قدر الإمكان، ونركز علي القضايا التي تخص المواطن البسيط وبخاصة ملف العدالة الاجتماعية، كما نقوم بحملات توعية سياسية متعددة نحاول من خلالها الوصول إلي المواطن البسيط لتعريفه بحقوقه وواجباته. تشارك في فعاليات خارج مصر لمناقشة أوضاع البلاد هلا ألقيت الضوء عليها؟ - أقوم بدور توعوي فيما يتعلق بالتعريف بالثورة المصرية وأهدافها وأسباب اندلاعها، لأن الإعلام الغربي دائماً يركز علي نقاط معينة يبرزها ويهمل أخري، بل ربما يشوه الحقائق لتحقيق أهداف سياسية معينة من خلال توصيل رسائل ما للمشاهد الغربي عموماً والأمريكي بخاصة. دُعيت لإلقاء عدة محاضرات في مناسبات مختلفة للحديث عن ثورات الربيع العربي ومن القلب منها الثورة المصرية، ألقيت فيها الضوء علي الوضع الراهن في مصر وبخاصة بعد تزايد القلق الأمريكي إثر تعرض سفارتيها في مصر وليبيا للاعتداء بعد أزمة الفيلم المسيء. فأبرزت وجهة النظر المصرية المعتدلة فيما حدث. وكيف ناقشت مسألة الفيلم المسيء لتوضيح الصورة للمواطن الأمريكي؟ - حاولت تصحيح ما حاولت الصحافة الأمريكية المتحكم فيها رأس المال الصهيوني واليمين المتطرف زرعة في عقل المشاهد الأمريكي في أن الثورات العربية جاءت وبالاً علي أمريكا والعالم، وأنها جاءت بمتطرفين إلي مقاعد الحكم، وأن الأنظمة العربية الجديدة تعادي الغرب وتدعم التطرف الديني. وفي السياق أوضحت وجهة النظر الثورية فيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الأمريكية التي يجب أن تنهض علي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة فقط، فلا مجال للتبعية بعد الثورة، وأن القرار السياسي المصري يجب أن يكون مستقلاً ولن يسمح المصريون لأحد أن يتدخل في شئونهم الداخلية أو يتحكم في سياساتهم الخارجية بعد اليوم. أخذت علي عاتقي التعريف بالثورة المصرية في كل مكان في العالم، إذ إن هناك محاولات حثيثة لتشويهها، محاولاً المساعدة في جذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة لمصر والحفاظ علي صورة الثورة من التشويه. أسست اتحاد شباب هيئة التدريس بالجامعات المصرية إلي أي شيء يدعو هذا الاتحاد وما أبرز أهدافه؟ - قمت ومجموعة من الزملاء من رفقاء الميدان الذين يشاركونني حلم توصيل الثورة المصرية إلي كل مؤسسة وركن من أركان هذا الوطن وعلي رأسها الجامعات، قاطرة التقدم والازدهار لأي وطن، بتأسيس هذا الاتحاد، استكمالاً وتأكيداً وتحقيقاً لأهداف الثورة، فالاتحاد يعبر عن جموع المعيدين والمدرسين المساعدين في الجامعات المصرية بدءاً من المؤتمر الأول للاتحاد في الإسكندرية الذي عُقد في 20 مايو 2011 ومن أهم المطالب والأهداف التي دعا إليها الاتحاد وتحقق جزء منها بالفعل ونجتهد لتحقيق الباقي منها: التأكيد علي دعم مبادئ وأهداف ثورة يناير، استقلال الجامعات المصرية مع وجود ضمانات لذلك، وانتخاب القيادات الجامعية مع حق مشاركة المعيدين والمدرسين المساعدين في الانتخاب، وإقرار قانون جديد لتنظيم الجامعات بدلاً من القانون الحالي المعيب مع مشاركة الاتحاد في صياغته، وإعادة صياغة منظومة البحث العلمي في مصر مع تأكيد الشفافية في كل موارد ونفقات الجامعات بجميع هيئاتها، وزيادة الأجور بحيث تحقق حياة كريمة لعضو هيئة التدريس ليتمكن من التفرغ لرسالته السامية. كيف تقرأ المشهد السياسي الراهن في مصر؟ - المشهد السياسي الراهن في مصر ضبابي إلي حد ما بخاصة فيما يتعلق بالدستور. ثمة تخوف عام من الدستور لدي فئات كثيرة من الشعب وتحديداً ما يتعلق بمواد الحريات ونظام الحكم وهذه التخوفات لها ما يبررها بعد أن عانينا لعقود طويلة الاضطهاد والاستبداد وحكم الفرد والحزب الواحد. نتمني أن نري دستوراً يليق بمصر الثورة، وسنبذل كل جهدنا في سبيل ذلك في إطار توافق مجتمعي، وقد قام الرئيس محمد مرسي بخطوات عديدة في سبيل الإصلاح وهي جيدة، لكنها برأيي غير كافية فنحن في انتظار المزيد من الإصلاح والقضاء علي كل بؤر الفساد، كما ننتظر خطوات إصلاح اقتصادي حقيقية غير معتمدة بالأساس علي الاقتراض والاستدانة، ما يؤثر علي استقلالية القرار السياسي المصري، بل قائمة علي مشروعات واستثمار وطني وأجنبي وتعاون مشترك مع دول العالم كافة. وأتمني أن يسارع الرئيس في تحقيق العدالة الاجتماعية لتقليل حالة الاحتقان في الشارع المصري ويخف الضغط الاقتصادي علي المواطن البسيط. وكيف تنظر إلي المعارضة السياسية في مصر الآن؟ - المعارضة السياسية تتشكل وبقوة بما يدعو إلي التفاؤل، حيث إن وجود معارضة قوية هو الضمانة الحقيقية لقيام نظام ديمقراطي تنافسي قوي يصب في صالح الوطن والمواطن، وأتمني ألا يقوم النظام الحالي بتشويه المعارضة أو وصمها باللاوطنية كما أتمني من المعارضة أن تكون أكثر موضوعية في نقدها وتركز علي إيجاد البدائل. وأن نصل إلي دستور توافقي يرضي غالبية الشعب وبعدها نصل إلي انتخابات برلمانية نزيهة وقوية يتنافس فيها الجميع علي خدمة الوطن دون تخوين أو مزايدة. أخيراً.. هل أنت متفائل بشأن الغد؟ - دائماً متفائل، وبخاصة حينما يتعلق الأمر بشأن مستقبل الوطن، فليس هناك أي مجال للعودة إلي الوراء، ولن يسمح الشعب الذي قام بهذه الثورة العظيمة بالعودة للوضع الذي كان قائماً قبل الثورة، فهذا الشعب قادر علي حماية ثورته وستصل مصر إلي المكانة التي نحلم بها.