صورة تجمع بىن نارىمان والملك فاروق وعمها والرجل المثىر والشهىر أنطوان بوللى كيف استسلم فاروق لحاشيته تدريجيا فأصبحت أداة التحكم فيه؟ .. ونأتي إلي حاشية الملك.. وما أدراك ماحاشية الملك!.. وأصدق تعريف للحاشية ماكتبه الكاتب الكبير فكري أباظة في العدد 667 من مجلة »المصور« في 61 يونيو 9391.. يقول: »هي تلك الشلة التي تكتنف الحاكم، والتي تحاصره وتحيط به في أوقات الفراغ وأوقات السمر وأوقات الفسحة وترويح النفس، والتي تناجيه ويناجيها في معزل عن العمل الرسمي، والتي تنقل له الأخبار وتدبر له النمر وتذيع عنه الدعاية وتنشر له الإشاعات وتحمسه أو تغريه وتضله أو تهديه«.. ولما كان فاروق عاش طفولة مغلقة، فقد وجدت فيه الحاشية العجينة التي تشكلها وفق رؤيتها ومصلحتها. اختلفت أوضاع الحاشية الملكية تماما بين عهدي فؤاد وفاروق، فبرغم أن تكوينها شبه مماثل »أخرجت بعض العناصر وأدخلت أخري في عهد الأخير« فإن أسلوب معاملة الملكين لها كان علي النقيض، مما أعطاها الفرصة لتصبح أداة التحكم في فاروق، وبخاصة أن ظروف توليه العرش في سن صغيرة أخضعته لإغراءاتها، وبالتالي استسلم لها تدريجيا.. وليس المقصود هنا التعرض لدواوين القصر، ولكن الهدف هو إبراز دور غير المسئولين في القصر الذين أصبحت لهم المكانة المرموقة فيه بعد انسحاب المسئولين وإخلاء الطريق لهم. من كهربائي.. إلي قواد الملك كانت أولي الشخصيات التي تمكنت من الملك ولعبت دورا كبيرا في إفساده »كانت الحاشية الملكية تضم مصريين وغير مصريين« »أنطوان بوللي« ذلك الرجل الإيطالي الجنسية والذي منحه فاروق الجنسية المصرية، كان يتمتع بالذكاء والنشاط وفن الأسلوب.. التحق بالقصر عام 2291 وعمل كهربائيا، ويبدو أنه لم يكن مرغوبا فيه، فعقب وفاة فؤاد استلم أمرا بترك القصر فلجأ لفاروق فأبقاه.. وبسرعة فائقة استحوذ علي قلبه حتي لقد وصل الأمر إلي أنه تخطي كل حاجز وأصبح ينادي مولاه بكلمة »شيري« أي عزيزي، بينما يناديه الآخر باسم »بلبل« ورقاه إلي أن أصبح مديرا لشئونه الخصوصية وأنعم عليه برتبة البكوية، وكانت غرفته متاخمة له ومكتبه يقع تحت جناحه.. وكان بوللي هو المسئول عن تجهيز السهرات الخاصة للملك فاروق.. وكانت تلك المهمة الملقاه علي عاتقه بوصفه قوادا، وهي المهنة التي أداها بنجاح منقطع النظير، حيث استخدم طرقا متعددة في هذا الشأن.. وقد بلغ تأثير بوللي علي فاروق حدا جعله يقول للأميرالاي جلال علوبة: » أنا في غاية الحزن لأن بوللي لم يسافر معي، فأنا أحس كأنني فقدت قطعة من قلبي، أنني لا أعرف ماذا أفعل بدونه«.. قالها والدموع في عينيه يوم رحيله من مصر بعد قيام ثورة يوليو!!.. وقد وصل تعلق الملك به بحيث أصر علي التمسك به ضمن الحاشية عندما صدر أمر باعتقال الايطاليين الذين يعملون في مصر. وأحب فاروق بوللي وبرغم ظروف الضغط عليه من جانب بريطانيا مع بداية الحرب بشأن إبعاد الحاشية الايطالية ، فإن تمسكه به فاق الحد، حيث لازمه كظله في غدواته وروحاته، وشغل حيزا كبيرا في التقارير البريطانية، ونال إهتماما كبيرا من المسئولين البريطانيين .. واستاء السفير البريطاني كيلرن من مصاحبة بوللي للملك حتي عندما خرج لمشاهدة مناورات الأسطول البريطاني، فيذكر لحكومته: »لقد أغمضت عيني ولكن أعجب ممن يعملون في القصر، وكيف أنهم لم يخطروا الملك بمنعه«. ويندم السفير البريطاني علي أن لندن وافقت علي إبقائه بجوار مليكه، ورأي أنه يمكن عن طريق عبدالفتاح عمرو تقليص نفوذه وقص أجنحته، إذ أوضح الأخير أنه في إمكانه القيام بذلك، ولكن كان من المستحيل تنفيذ هذا التخطيط، إذ ظل بوللي هو الملك غير المتوج، وكان إلي جانب مهنته المعروفة يشكل ثقلا في صفقات الملك وعملياته المالية المريبة، وقد وقع عليه الاتهام في قضية الأسلحة الفاسدة، وطبيعي أن يبرأ، وأصبح بالنسبة لفاروق كل شيء، وعُدَّ مكتبه للشئون الخصوصية بمثابة دويلة ضمت الأسرار الملكية، لدرجة أنه عند قيام حركة الضباط الأحرار وفي أثناء التفاهم بشأن تنازل الملك عن العرش طلب أن يصحبه معه. المجموعة الايطالية أما بقية المجموعة الإيطالية التي ورثها فاروق عن أبيه، فضمت: جيور جيوجارو.. وكان يعمل حلاقا بالقصر منذ عام 9191.. وأصبح حلاق الملك فؤاد، وكان الملك فؤاد يصغي إلي أحاديثه كثيرا، وبعد وفاة الملك فؤاد ظل مع الملك فاروق متقربا إليه إلي أن صار من أفراد الحاشية المقربين للملك. بترو دوفاللي.. مساعد جيوجارو، وكان يعمل قهوجيا في مقهي بسيدي المتولي بالإسكندرية قبل التحاقه بالقصر، وجاءت تقارير الشرطة لعام 9391 بأنهما كانا يصحبان فاروقا إلي الملاهي الليلية بالإسكندرية.. كافاتسي.. مدرب الكلاب.. وميلانيزي رئيس فرقة الموسيقي بالقصر. فيروتشي.. كبير مهندسي القصر، وهو أخطر شخصية من الناحية السياسية، وبسببه انتشرت شائعة ميل الملك فاروق إلي دول المحور.. وعرف بتأثيره علي فاروق.. وقد انشغلت بريطانيا به خلال فترة الحرب واتهامه بالعمالة الايطالية. فلقد ارتمي فاروق في أحضان هؤلاء واستأنس بهم وخضع لإرشاداتهم معللا بأن الذي ألجأه للانخراط في سلكهم فقدانه للسعادة الزوجية.. ويذكر أنه منح بوللي وجارو وبترو وكافاتسي الجنسية المصرية، وأصر علي أن تجري لهم عملية التختين حتي يضفي عليهم الطابع الشرقي.. وكان مثل ذلك العمل يدخل علي قلبه البهجة والسرور، وانجرف البعض منهم في تيار الصفقات حيث ثبت أن مدرب الكلاب كان يشارك في المضاربات. الشماشرجية وإلي جوار الخدم الإيطاليين، كان هناك شماشرجية يطلق عليهم أيضا أمناء خصوصيون ويقومون علي خدمة الملك في مكتبه وغرفته الخاصة، وهم ثلاثة: خليل الكردي، عبدالعزيز عثمان، محمد حسن، والأخير نوبي تفوق علي زميليه لسرعة بديهته وقوة شخصيته والمكانة التي احتلها عند فاروق، وكان قبل التحاقه بالقصر في أكتوبر 4491 ساعيا في محل سلفاجو تاجر الأقطان المشهور، وفي القصر تدرج بسرعة في الترقيات، وأنعم عليه بنوط الرضا الذهبي عام 6491، ونيشان النيل من الطبقة الرابعة عام 1591، وأصبح يمثل أداة الاتصال بين الملك والوزراء، وأنيط به مهمة رفع البريد الوارد من الديوان، وأمن فاروق بأنه أحسن من يتولي هذه المهام، وبذلك استطاع الاستئثار بعطفه، وتدريجيا امتلك النفوذ، وماكان لرئيس الديوان الاتصال بالملك إلا عن طريقه، كما أنه راح يؤشر بخطه علي الأوراق الرسمية والمذكرات المرسلة من مكاتب الديوان الملكي، ووصل به الأمر إلي التكلم باسم مليكه الذي اتخذه مستشارا له، وحتي السكرتير الخاص للملك لم يكن يتصل به إلا عن طريق محمد حسن الذي استحوذ علي مهامه أيضا.. وارتفعت مكانة الأمين الخاص، وقصده ذوو الحاجات، واستغل ذلك جيدا عن طريق تاجر الطيور المورد للقصور الملكية، حيث كان يجتمع في مكتبه بهم ليعقد الصفقات والاتفاقات، وضح ذلك جليا في أثناء تسلط فاروق علي النيابة وقت التحقيق في قضية الأسلحة الفاسدة.. وبلغ مداه في السلطة.. ويذكر أنه عند قيام الضباط الأحرار بحركتهم وحصار قصر رأس التين.. فشل حافظ عفيفي بالاتصال تليفونيا بالملك لأن محمد حسن هو الذي تولي الرد، وأصر علي أنه ينقل مايريده رئيس الديوان لفاروق. وهكذا وصل الحال إلي أن يقبض خادم علي زمام الأمور.