الدكتور وليد سيف رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي انتهي من جميع الترتيبات الخاصة بالدورة الثامنة والعشرين التي تقام خلال الفترة من 21 إلي 91 سبتمبر المقبل بتنويعة رائعة من الأفلام ، حيث يعرض في القسم الإعلامي عشرات الأعمال التي يغلب عليها طابع البهجة وتتحقق من خلالها متعة المشاهدة. كما يستحدث في هذه الدورة ولأول مرة برنامج بعنوان ( سينما خارج المألوف) يتضمن عددا من التجارب السينمائية الجريئة التي حالت شروط المسابقة الدولية دون اشتراكها في التنافس علي جوائز المسابقة الدولية، ولكنها أفلام قوية في أفكارها ومتقدمة في لغتها السينمائية ومن المتوقع أن تشهد اهتماما من قبل جمهور النقاد وشباب الفنانين المهتمين بالسينما غير التقليدية، حيث يتاح لهم في هذا القسم مشاهدة الفيلم التركي (شعر) الذي يتوغل في علاقة رجل وامرأة بأسلوب شعري وبلغة سينمائية خالصة. وكذلك الفيلم الفرنسي (إجازات علي البحر) وهو عبارة عن إسكتشات سينمائية حركية ولكنها تصب جميعها في خدمة فكرة التلاقي بأسلوب ساخر وفي أجواء شاطئية خلابة. أما فيلم (طريق العودة) فهو تجربة مختلفة للمخرج إيهاب حجازي وهو مصري دارس ومقيم في روسيا. ويتصدي فيلمه لرواية لتشارلز ديكنز بأسلوب مميز وبمعالجة تتناسب مع واقع عصابات المافيا الروسية وتأثيرها علي الشباب والصبية. أما قسم (روائع متوسطية حديثة) فيعرض عددا من أهم أفلام دول البحر المتوسط الحديثة وأكثرها تميزا وحصولا علي جوائز دولية، من بينها فيلم (حب) للمخرج النمساوي مايكل هنيكة الحائز علي السعفة الذهبية بمهرجان كان وأيضا فيلم (العظم والصدأ) من إخراج جاك أودبار وبطولة ماريان كوتيار والذي اتفقت آراء معظم النقاد علي أنه كان درة مهرجان كان في دورة هذا العام والأحق بجوائزه الكبري. يعرض في هذا القسم أيضا فيلم بيليفيديري من البوسنة والذي تدور أحداثه في بيئة شديدة الخصوصية في معسكر لاجئين وتروي قصته رحلة البحث عن الأهل المفقودين بين الهياكل العظمية.. أجواء حزينة وسط الموت ولكن الحياة موجودة أيضا من خلال شاب يبني بيته بيده ويلعب الرياضة وامرأة تحب الأطفال ولا تنجب.. وعجوز مدمن خمر يصاب بنوبات مرضية وعصبية ولكنه يجد من تعتني بأمره.. إحساس بصري متميز وموقع شديد الخصوصية وتركيبات إنسانية نادرة وصورة تعكس المضمون الدرامي ببلاغة وإيجاز. المسابقة الرسمية وتشهد المسابقة الرسمية منافسة قوية بين عدد كبير من أقوي الأفلام في المسابقة الرسمية، وسوف يصل عددها لأول مرة إلي ستة عشر فيلما تمثل غالبية دول البحر المتوسط المنتجة للسينما، بل وتمثل أفضل وأرقي مستويات السينما في بلادها التي حرصت أن تقدم لإدارة المهرجان مختارات من أفضل إنتاجها. وهو ما وضع اللجنة العليا في موقف صعب للحسم بين الجيد والأجود. وقد أصبح من المؤكد أن تشارك تركيا وحدها بفيلمين أولهما يحمل عنوان (لا تنسيني يا إسطنبول) وهو أشبه بمقاطع من قصيدة عشق في حب المدينة الجميلة. أما الفيلم التركي الثاني فهو بعنوان الثعبان وهو تجربة شديدة الندرة والأهمية في مجال الصورة والشخصية، وهو فيلم تدور أحداثه في بيئة مميزة وأجواء مختلفة وعبر دراما شديدة الإحكام وعميقة التأثير. ومن فرنسا يأتي فيلم علي الشاطئ وهو سايكودراما تدور في إطار تشويقي حول شرطي كبير يمر بحالة من عدم التوازن والإحباط يسعي للحصول علي إجازة مرضية ويهجر امرأته ويهيم علي وجهه.. تبدأ الأحداث حين يتأكد من موت امرأة في شرفتها بملابس السباحة، ويقوم بالإبلاغ عنها بزعم أنه يعرفها ..فهل يريد أن يكشف عن أسرار مقتلها أم أنه يعرفها بالفعل وهي سبب مأساته. لن تتأكد إلا في المشهد الأخير الرائع الذي يقفز فيه في البحر خلف رماد جسدها ليشعر بملمسها وإحساسه بذراتها وهي تتغلغل في كيانه وكأنه يراقصها ..فهل كان هو بالفعل من يذوب في أحضانها علي الشاطئ؟ وتنافس المغرب بقوة أيضا وعبر فيلمها (أندرومان من دم وفحم) من إخراج عز العرب العلوي. وهو عن فتاة تعيش في ملابس الرجال بأمر والدها الذي تعاني من قسوته حين لا يلمح منها أي مظهر أنثوي ..تتكشف الحقيقة علي مهل وتتضح المأساة بأسلوب درامي بليغ. لدي الجار الجزائري أيضا فيلم شديد الرهافة والإنسانية بعنوان (قداش تحبني) للمخرجة فاطمة الزهراء زموم. وهو عنوان باللهجة الجزائرية يعني (كم تحبني). والفيلم عن ذكريات صبي خلال فترة انفصال الأم عن الأب وإقامته مع جده وجدته حيث لقاء بين عالمين يفصلهما الزمن ولكن يجمعهما التعاطف والحب. أما فيلم العدو فهو من روائع الإنتاج المشترك بين كرواتيا والبوسنة وصربيا. وهو يدور في أجواء ما بعد الهدنة وآثار الحرب من قلب المواقع العسكرية وفرق الكشف عن الألغام وتقسيم الحدود. تتجلي من خلاله صور مدهشة للحياة والمشاعر الإنسانية رغم الأجواء العسكرية.. وهو يتميز بصورة سينمائية رائعة ولغة فيلمية متقدمة وأداء تمثيلي حي ومتمكن. أيضا ينتمي فيلم الصمت المتجمد الأسباني للأعمال الكبيرة بكل ما تعنيه الكلمة إنتاجيا وفكريا. وهو يرجع بنا إلي عام 3491حيث الجنرال فرانكو يبعث بفرقة عسكرية إلي روسيا مهمتها مساعدة هتلر في القضاء علي الشيوعية ولكن الجيش الأحمر يتصدي في عناد ومقاومة مستمرة.. يضيع الأسبان في أرض غريبة ويواجهون الموت والصقيع وتجمد القلوب والخوف من الخيانة ومن أنفسهم.