هل تري بيننا من لم يقرأ لم يسمع ولايعرف عن مسرحية رقم 444 هو ذاته الذي كان قد استثمره الإيرانيون يوما ليسرقوا به أضواء العالم في الثمانينيات باحتجاز رهائن السفارة الأمريكية في طهران لمدة 444 يوما .. دارت به طاحونة الفلك الدوار اليوم دون طحنه، فأعادته سالما: (444) إلي الملعب العربي من لندن..! ألاحظتموه (444) اليوم في بريطانيا؟ وأنظار العالم كلها متجهة نحو الأستاد الأولمبي بستراتفورد شرقي لندن لافتتاح دورة الألعاب الصيفية (أولمياد 2012) وكان هذا الرقم الثلاثي السلس الأربعائي عريس الحفل (في نظري المتواضع)، سلسلته بثلاث أربعات 444 ولا مجاراته لأرقام أخري ضخمة جديرة بالاهتمام، وإنما لحاجة في قلب يعقوب سيعرفها أخوة يوسف بعد قليل. الأرقام كانت بكثرة في المهرجان، كحضور زعماء (120) دولة ملوكها، ورؤسائها ووزرائها وحكوماتها، ومشاهدو الحفل أكثر من (مليار) شخص، والساعة (السابعة واثنتي عشرة دقيقة) التي قرع فيها جرس بيج بن هي الأخري رقم قياسي آخر، إذ تدق للمرة الأولي خارج قرعاته المعتادة عند كل ساعة صفر، منذ وفاة الملك جورج السادس والد الملكة إليزابيت الثانية. وأرقام أخري كرقم (12 ألف و877) كيلومترا مسيرة الشعلة الأولمبية التي امتدت ليوم الافتتاح برقم (السبعين) إلي قصر هامبتون كورت قرب لندن، والملعب المكتظ برقم (ثمانين ألف مشاهد) ولاحتي رقم (عشرة آلاف و500 رياضيون ولاعبون) أو رقمي (302) ميدالية ذهبية و (17) يوم يتنافس فيها اللاعبون علي تلك الميداليات، كل هذه الأرقام لم تشغلني علي الإطلاق. بل ولم يشغلني حتي ذلك الرقم (الواحد) لذلك الرجل (الواحد) في العالم: الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي لم يحضر هذا الحفل، لانشغاله بتوقيعات حفل تقوية إسرائيل بتسليحها أكثر وأكثر في وجه الفلسطينيين العزّل، قد يذهب بعدها السيناتور إلي تل أبيب مباشرة للمهرجان الأمريكي الإسرائيلي، فانتدبت عنه زوجته (ميشيل أوباما) المهرجان الرياضي العالمي بصفتها السيدة الأولي في العالم. في الحقيقة لم تشغلني تلك الأرقام كلها ولابعضها. وإنّ ما أشغلني بصدق، هو ما أعلنته اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية في لندن، أن المشاركين الرياضيين العرب هذا العام، ذكور وإناث (منها المرأة السعودية للمرة الأخري) بلغ عددهم الإجمالي 444. العرب اليوم برقم جميل إن استثمروه لغد جميل بحنكة! فيجعلوه أمامهم لاخلفهم، هذا الرقم الأربعائي الثلاثي، لايمثل 444 لاعبا ولاعبة في الميدان فحسب، وإنما هم نجوم سكان العالم العربي برمّته، والذي قارب نصف مليار حسب الإحصائيات الأخيرة، الرقمُ لا بعدد لاعبيهم اليوم في لندن، ولابعدد ذويهم وآبائهم المشاهدين من 22 دولة عربية عبر التلفاز علي موائدهم الرمضانية من الفطور والسحور، يتفاخرون بأبنائهم اللاعبين واللاعبات، وإنما أيها اللاعبون وأنتم بالميدان، فليكن لكم أبناء ينادونكم غدا بالمثل، ويتضاعف كل عام. عندما سمعت أن الفعالية الأولي في هذا المهرجان الدولي العملاق كانت (السباحة)، تذكرت حديثا للرسول صلي الله عليه وسلم كان قد أطلقه قبل 1400 عام من بيئة صحراوية بدوية قاحلة (علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل) .. فلنخفي هذا الحديث عن العدسات، أخشي عليها من سوء الترجمة سوء الفهم وسوء الاستخدام، خاصة لو كان المترجم مهاجرا مأجورا سلسا بين العين والباء من العربية إلي العبرية، فإنه قد يرفع كلمة (الرماية) من الحديث إلي أول السطر، ظنّا منه انه الكلاشنكوف والحزام الناسف.! نعم أوصانا الرسول بحمل السلاح، لكنه سلاح العلم، بما عظّمه الله العلماء في كتابه الحكيم (إنما يخشي الله من عباده العلماء) احتراما للعالم كائنا من كان هو وما كان علمه، لافرق إن كان عالما دينيا أو رياضيا وطبيا واقتصاديا وفيزيائيا وكيميائيا حتي وإن كان سندبادا بحريا، فالإسلام يحترم العلم، ويحرض علي طلبه من مكة إلي الصين. (أبناؤنا اللاعبون 444) انتم في الميدان سفراء نصف مليار في 22 دولة عربية، لستم بعباقرة إذا كان اعتقادكم بالعبقرية أنها قاعدة تنمو فقط بين أثرياء الدول المتحضرة، ولستم بعباقرة إذا لم تُنمّوا وتضاعفوا رقمكم 444 إلي 888 العام المقبل، رقم ينمو ويتضاعف كل عام، ومع كل خطة تنموية مقبلة ومتبادلة بين 22 دولة عربية، ولستم بعباقرة إذا لم تُقنعوا منظمي أولمبياد 2012 في لندن، أن بين عواصم الدول العربية هناك عواصمٌ مؤهلة بل وتنافس لندن ونيويورك وباريس لاستضافة هذه المهرجانات إن أتيح لها المجال دون معاكسات ودون نظرة دونية. ولستم بعباقرة يا أبنائي وإخواني إن لم تُقنعوا اللون الأبيض، أن السماء الزرقاء تعرف ما يقوله الأبيض والأسمر، وأننا لم نكذب بأن (السباحة) التي اخترتموها "الصفحة الأولي" لأولمبيادكم عام 2012 كان قد وضعها بدوي من ظهر ناقته قبل 1400 سنة علي الصفحة الأولي لمناهج أولادنا: (علّموا أولادكم السباحة)، وأنه كان قد قال أيضا اثنان لايشبعان، طالب علم وطالب مال، فإذا كانت اليونان والأسبان لم تنعشهما اليوريو مهما غذّيتموهما والصين لم تشبع من تنقيب بحر الشمال نفطا وغازا؟ فمن حقنا أيضا أن لانشبع من هذا الأولمبياد العالمي بأسواره اللندنية إن لم تدخل إحدي عواصمنا المأهولة وما أكثرها المأهولات، ناهيك عن تلك التي في طريقها للتأهيل. ومبروك للفائزين مقدما