ما إن تقرأ سيرة الرسول ([) حتي يستوقفك زهده في الدنيا، إنه يتعامل معه كمفارق لها، لم يكنز فضة ولا ذهبا، ولابني لنفسه قصرا، ولا ادخر شيئا من المال، فهو القائل: لو علم الله أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها جرعة ماء. دخل عليه عمر بن الخطاب وهو معتزل نساءه، فرآه يجلس علي حصير قد أثرت في جنبه، ولم يكن عنده سوي جفنات من شعير وتمر، وكان الرسول قد أقام في مشربه يأكل فيها ويشرب وينام، فقال عمر للرسول([) متأثرا بما رأي فيه الرسول الكريم([) من زهد: قد وسع الله عليك يا رسول الله، فهلا تزودت من الدنيا بما يقويك؟ فقال النبي ([): كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، وكان عليه الصلاة والسلام قليل الأكل، وهو القائل: ماملأ ابن آدم، وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه. وتقول عنه عائشة رضي الله عنها: لم يمتلئ جوف النبي([) شبعا قط، وإنما كان في أهله يسألهم طعاما، ولايتشهاه، إن أطعموه أكل، وما أطعموه قبل، وما سقوه شرب. وقالت أيضا رضي الله عنها: (ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاثة أيام تباعا حتي قبض«. وهو مع كل هذا الزهد، كان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل كما أمره ربه سبحانه وتعالي: (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا). وكان عليه الصلاة والسلام قلبه متعلق بربه، سواء كان في النوم أو في اليقظة، فهو القائل عليه الصلاة والسلام: إن عيني تنامان، ولاينام قلبي وقال عنه أنس بن مالك: ما علمت النبي([) أكل من سُكرّجه قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل علي خوان قط. ومع كل ما كان يأخذ به نفسه، كان لايكلف أحدا من المسلمين أن يأخذ نفسه بالمشقة، بل يأمرهم أن يأخذوا الأمور بما يطيقون فهو يختلف عن الآخرين.. لديه القدرة علي الصبر.. وعلي العبادة أكثر من الآخرين، ومن هنا كان ناصحا المسلمين: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) ما أعظمك يا خاتم الأنبياء والمرسلين.