قرصنة دولية ومحاولة لنهب الموارد، أول رد فعل لفنزويلا بعد استيلاء على ناقلة نفط أمام سواحلها    ماسك يتحدث عن إلهان عمر وممداني والجحيم الشيوعي    يوسى كوهين شاهد من أهلها.. مصر القوية والموساد    لمدة 6 ساعات خطة انقطاع المياه اليوم في محافظة الدقهلية    مجلس النواب الأمريكي يصوّت بالأغلبية لصالح إلغاء قانون عقوبات "قيصر" ضد سوريا    DC تطرح أول بوستر رسمي لفيلم Supergirl    قرار جديد ضد المتهم بالتحرش بفنانة شهيرة في النزهة    فنزويلا تتهم الولايات المتحدة ب"السرقة الصارخة" بعد مصادرة ناقلة نفط في الكاريبي    ناسا تفقد الاتصال بالمركبة مافن التي تدور حول المريخ منذ عقد    التعاون الإسلامي تدين خطط الاستيطان الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية    خريطة برلمانية جديدة بانتظار حكم «الإدارية العليا» في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    أول قرار ضد مضطرب نفسي تعدى على رجال الشرطة لفظيا دون سبب بمدينة نصر    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    مراكز الإصلاح والتأهيل فلسفة إصلاحية جديدة.. الإنسان أولًا    أحمد مراد يعتذر عن تصريحه الأخير المثير للجدل عن فيلم الست    رفض الأسلوب المهين من ضابط وإعطاء مفتاح سيارته له ..وفاة شاب تحت التعذيب بقسم شرطة ثالث المحلة    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    يوفنتوس ينتصر على بافوس بثنائية نظيفة    تعرف على اسعار العملات الأجنبيةوالعربية أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 11ديسمبر 2025    "شغّلني" تُطلق مشروع تشغيل شباب الصعيد بسوهاج وقنا    لماذا تجدد أبواق السيسى شائعات عن وفاة مرشد الإخوان د. بديع بمحبسه؟    خالد أبو بكر يشيد بجهاز مستقبل مصر في استصلاح الأراضي: سرعة العمل أهم عامل    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    عاجل - قرار الاحتياطي الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس في ثالث خفض خلال 2025    تصعيد سياسي في اليمن بعد تحركات عسكرية للمجلس الانتقالي    أرسنال يسحق كلوب بروج بثلاثية خارج الديار    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11ديسمبر 2025........مواعيد الأذان في محافظة المنيا    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    الرفق بالحيوان: تخصيص أرض لإيواء الكلاب الضالة أحد حلول انتشار هذه الظاهرة    منتخب مصر يواصل تدريباته بمركز المنتخبات الوطنية استعدادا لأمم إفريقيا (صور)    رودريجو: ليس لدي مشكلة في اللعب على الجانب الأيمن.. المهم أن أشارك    كرة طائرة - خسارة سيدات الزمالك أمام كونيجيليانو الإيطالي في ثاني مواجهات مونديال الأندية    "جنوب الوادي للأسمنت" و"العالمية للاستثمار" يتصدران ارتفاعات البورصة المصرية    البنك المركزي: معدل التضخم الأساسي السنوي يسجل 12.5% في نوفمبر 2025    حقيقة منع شيرين عبد الوهاب من رؤية ابنتيها وإفلاسها.. ما القصة؟    "امرأة هزت عرش التحدي".. الموسم الثاني من مسابقة المرأة الذهبية للمركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    المتهم بتجميع بطاقات الناخبين: «كنت بستعلم عن اللجان»    4 فوائد للملح تدفعنا لتناوله ولكن بحذر    أعراض اعوجاج العمود الفقري وأسبابه ومخاطر ذلك    معهد التغذية يكشف عن أطعمة ترفع المناعة في الشتاء بشكل طبيعي    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    الأرقام تكشف.. كيف أنقذ صلاح ليفربول من سنوات الفشل إلى منصات التتويج.. فيديو    مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا    أستاذ علوم سياسية: المواطن استعاد ثقته في أن صوته سيصل لمن يختاره    الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود    ضبط شاب ينتحل صفة أخصائى علاج طبيعى ويدير مركزا غير مرخص فى سوهاج    البابا تواضروس يهنئ الكنيسة ببدء شهر كيهك    ارتفاع الأسهم الأمريكية بعد قرار مجلس الاحتياط خفض الفائدة    ترامب: الفساد في أوكرانيا متفشٍ وغياب الانتخابات يثير تساؤلات حول الديمقراطية    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    ساوندرز: ليفربول ألقى صلاح تحت الحافلة؟ تقاضى 60 مليون جنيه إسترليني    "الصحة" تكشف عن الفيروس الأكثر انتشارا بين المواطنين حاليا    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمود جامع يتذكر:السادات في شهر رمضان
نشر في آخر ساعة يوم 24 - 07 - 2012

الرئيس الراحل وبجواره أحمد سلطان وزير الكهرباء الأسبق والدكتور جامع
كان الدكتور محمود جامع إحدي الشخصيات المقربة من الرئيس الراحل أنور السادات، وبالتالي شهد الكثير من الأحداث طوال فترة حكمه رغم أنه ظل »متفرجا« أكثر منه »لاعبا« ومع ذلك رصد الكثير من الأسرار لما كان يحدث خلف الستار!ومع حلول شهر رمضان المبارك يحكي الدكتور محمود جامع حياة السادات في الصيام، خاصة في بلدته »ميت أبوالكوم« وحكي عن خمسة »عمائم« حوله ارتبط بها وجدانيا ولعبت أدوارا مهمة في مسار هذه الأحداث وهم: الدكتور عبدالحليم محمود، والشعراوي، والنقشبندي، وعيسي، والخطيب!
كيف تعرفت علي السادات؟
تعود بي الذاكرة بعيدا في الأربعينيات حيث كان السادات شابا صغيرا يانعا يحضر إلي بلدتي وبلدته الأصلية كفر السادات مركز تلا منوفية وبصحبة والده الرجل الفاضل الطيب محمد أفندي السادات الموظف بالخدمات الطبية للقوات المسلحة بالجيش المصري أيام السردار (الإنجليزي).
وكان محمد أفندي السادات يحضر إلينا وإلي جدي عمدة البلد الشيخ أحمد جامع حيث إن محمد أفندي السادات الناصع البياض يحن إلي كفر السادات بلد آبائه وأجداده.. فهو مسمي في شهادة ميلاده محمد الساداتي نسبة إلي كفر السادات.. وكذلك محمد أنور السادات وجميع إخوته كانوا يسمون الساداتي نسبة إلي كفر السادات أصل أجدادهم..
التراويح بمسجد القرية
وكان والد السادات يتناول معنا طعام الإفطار مع جميع أفراد العائلة في جو عائلي كريم وجميل.. ثم نصلي جميعا العشاء والتراويح في مسجد القرية مع الأهل والأقرباء.. وكان رحمه الله حريصا دائما وبكل شدة علي صلة الأرحام.. والتواد والتواصل الدائم.. حتي آخر لحظة في حياته.. حتي أن المرحوم خالي عبدالعزيز جامع عندما أنهي مرحلة الدراسة الابتدائية بتلا منوفية.. أخذه محمد السادات إلي القاهرة واستضافه في منزله بحدائق القبة وألحقه بمدرسة الخديوية الثانوية.. تواصلا مع الأهل وصلة للأرحام..
وكيف انضم الرئيس الراحل إلي الحركة الوطنية في مصر لمقاومة الاحتلال؟
بمرور الأيام.. انضم أنور السادات إلي الحركات الوطنية السرية في مصر التي كانت تقاوم الاحتلال الانجليزي.. وكان كثيرا مايجد الملاذ والأمان في هروبه عندنا بالبلدة خاصة بعد اغتيال أمين عثمان حتي قبض عليه ودخل السجن!
الصلة بعائلة جامع
وبعد الإفراج عنه لم تنقطع صلته بعائلة جامع بكفر السادات مع المرحوم والده.. خاصة أن المرحومة والدته كانت حريصة كل الحرص علي صلة الأرحام والتواصل والتزاور في رمضان خاصة في جميع أيام السنة عادة.
وهل تغيرت علاقته بالقرية بعد قيام ثورة 32 يوليو؟
قامت ثورة 32 يوليو.. وأذكر تماما أن أول بلدة زارها بعد نجاح الثورة هي كفر السادات وأتذكر عندما رأيته بين أهله في البلدة مدي مقدار سعادته وحنوه وحنانه مع جميع الأهل والأحباب رجالا وسيدات وأطفالا. ثم قرر زيارة كفر السادات في رمضان وتناول طعام الإفطار مع أهلها وصلي العشاء والتراويح بمسجد القرية..
ولم تنقطع صلته بالقرية وأهلها والعائلة حتي آخر لحظة في حياته.. وكان يقول لي هذه وصية الحاجة والدتي يامحمود لي علي الدوام مشددا..
السادات في رمضان
وكان في رمضان يتردد بين القاهرة وميت أبوالكوم حتي عندما كان رئيسا.
ولم يكن السادات أكولا.. وكان يعتمد علي الطعام المسلوق المبسط مع قليل من الأصناف.
كان يقضي معظم نهاره وليله في رمضان في تلاوة القرآن من مصحفه المفضل وبصوت رخيم جميل رصين، وأتذكر أنه كان يطلب مني أن أحضر له الشيخ سيد النقشبندي المنشد الديني المعروف.. لينشد له في ميت أبوالكوم مساء في ليال قمرية.. أناشيده الدينية وتواشيحه الرخيمة بصوته الجميل الملائكي النفاذ الأخاذ.. وكان السادات يهتز بكل قوة إيمانا وطربا وينفعل معه بكل تقوي وتعبد ..
تكفل بجنازة النقشبندي
حتي أن السادات عندما أخبرته بوفاة النقشبندي فجأة عندي بمستشفي المبرة بطنطا حين كنت مديرا لها.. أرسل اللواء عبده الدمرداش أحد سكرتيريه إليَّ بطنطا بالمستشفي متكفلا بكل مصاريف الجنازة وتوابعها ومتطلبات أسرته.
وعلاقته بشيخه عبدالحميد عيسي الذي علمه القرآن في صغره؟
كان جليسه علي الدوام شيخه عبدالحميد عيسي الذي كان يعلمه القرآن ويحفظه له في صغره ويضربه علي يديه وقدميه عند تقصيره.. ويجلس معه ويتناول طعام الإفطار.. وكان يؤدي صلاة الجمعة بمسجد القرية الوحيد وكذلك صلاة العشاء والتراويح.. وبعد الصلاة يقف علي باب المسجد ليصافح أهل القرية من المصلين فردا فردا.. ويلبي كل طلباتهم بكل حب وحنان ودون ضجر.. لابسا جلبابه الفضفاض وعباءته وممسكا بعصاه. .وعندما توفي الشيخ عبدالحميد عيسي.. اتصلت بالسادات وكان في عابدين مجتمعا بالرئيس جيسكار ديستان رئيس فرنسا في مباحثات سياسية فاعتذر له وحضر إلي ميت أبوالكوم في طائرة هليكوبتر وبصحبته رئيس الوزراء والوزراء وصلي علي شيخه واشترك في الجنازة التي تكفل بكل مصاريفها وتوابعها.
علي مائدة الافطار
وكان في كل عام في رمضان يقيم مأدبة إفطار كبري في استراحته بالمعمورة لجميع القيادات السياسية وبعد الإفطار يتنقل بين موائدهم ويجلس ويتسامر معهم بكل بساطة ومحبة ويتبادل معهم حل مشاكل البلد..
وفي ليلة القدر كل عام كان يقيم مأدبة إفطار شاملة لإخوته وأخواته وأبنائهم وكنت أحضر معهم.. وكان يستمع إلي مشاكلهم وطلباتهم ويتسامر معهم ويحنو عليهم وتمتد الجلسة حتي الفجر.. وكان يبدو في قمة سعادته وانشراحه بأهله..
وكان يتمشي في بلدته ميت أبوالكوم في أمسيات رمضان وغير رمضان علي قدميه.. وقد تسوقه قدماه إلي أحد منازل أحد الفلاحين في القرية فيطرق بابه ويجلس عنده لتناول الشاي ويسعد أهله بكل بساطة ومحبة وتراحم.. وأذكر أنه في إحدي المرات تدخل للصلح بين امرأة وحماتها لاختلافهما علي 2/1 جاموسة شركة بينهما ولما إعترضت علي تدخله في مثل هذه المسائل وأنه يشغل وقته بها.. قال لي يامحمود دعني أسعد أسرة!!
هذا هو السادات الإنسان البسيط والفلاح الأصيل والوطني الصميم والبطل المغوار وواصل الأرحام.. بكل بساطة دون زور أو بهتان!
حرب العاشر من رمضان
أما عن إعداده لحرب رمضان المجيدة.. وانتصاره التاريخي وما قبلها ومابعدها من جهد جهيد وكفاح مرير فالحديث يطول والقصص تتزايد والعبر لاتنتهي .. وهو صائم متبتل.. مؤمن واثق من نصر الله.. وليس مغرورا بقوته أو جيشه ولكنه مؤمن كل الإيمان بنصر الله تعالي..
وكان حقا علينا جميعا أن نطلق عليه الرئيس المؤمن عن إيمان ويقين.. وحقه علينا في أعماله التي صدقت أقواله.. وصدق الله تعالي حين قال: »وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين«.
ولاننسي أنه كان يقضي الأسبوع الأخير من رمضان في »وادي الراحة« في سيناء معتكفا متعبدا قارئا للقرآن ومصليا ومتهجدا ومتعبدا بكل شفافية وإيمان.
ترشيح الشعراوي للأزهر
هل تذكرت كيف تعرف الرئيس الراحل السادات علي الشيخ الشعراوي؟
تعرف الشعراوي علي السادات، في بيتي بطنطا، وكان السادات وقتها نائبا لرئيس الجمهورية، وعندما أصبح رئيسا، اختار الشعراوي وزيرا للأوقاف، وكان وقتها أستاذا بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، فتردد في قبول المنصب، لولا أن ممدوح سالم قد ألح عليه، وألححنا عليه نحن أيضا، حتي تولي الوزارة وقد كان نعم الناصح الأمين، للسادات، دائما، وبغير مجاملة، أو نفاق.
وجاء وقت علي السادات، رشح فيه الشعراوي شيخا للأزهر، وكلف فؤاد محيي الدين، بإبلاغه لكن فؤاد محيي الدين، لشيء في نفسه لم يبلغ الشعراوي، وأخبر السادات بأنه فاتحه في الموضوع ورفض.. ولم يكن ذلك صحيحا علي الإطلاق.. ولانعرف إلي اليوم لماذا لم يخبر فؤاد محيي الدين الشيخ الشعراوي، بطلب السادات؟
ولم تكن جيهان السادات، تستريح إلي الشعراوي كثيرا، خاصة بعد الموقف الشهير، الذي دعته فيه إلي إلقاء محاضرة لسيدات مصر الجديدة، ولما دخل وجدهن جميعا سافرات بغير حجاب، فغادر القاعة فورا، وأحرج جيهان السادات، وظلت غاضبة منه، وقالت لي بالحرف الواحد: أنا حاشيله من الوزارة وأبلغه ذلك علي لساني: ولما أبلغته قال: ومن قال إنني حريص علي الوزارة، أو حتي أريدها؟.. إنني طلبت تركها أكثر من مرة ولكنهم رفضوا.
الود المفقود مع جيهان
ولم يكن هناك ود بين جيهان السادات، وبين الشعراوي بوجه عام، ثم جاءت إطاحة الشعراوي بتوفيق عويضة من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، لتضيف سببا آخر، إلي أسباب عدم الارتياح، بين جيهان والشعراوي، الذي عينه السادات عضوا بمجلس الشوري، في أول تشكيل له، إلا أن الشعراوي ظل رافضا لحلف اليمين وللمنصب نفسه، إلي إنتهاء الدورة.
كانت جيهان السادات، تؤيد محمد توفيق عويضة، لأنه كان ضد الإخوان والجماعات علي طول الخط، فلما أطاحه الشعراوي، وأخرجه من وظيفته، بقرار من المحكمة التأديبية العليا، ظلت جيهان حانقة، وغاضبة، علي الشعراوي، أو لنقل أن حنقها قد زاد ولم تكن تخفي سخطها عليه في كثير من المواقف.
وقد كان الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله، خفيف الدم، لطيفا، ابن نكتة، لا يحب التجهم ولا العبوس في وجوه الآخرين.
إن ماعندي عن فضيلة الإمام الراحل، كثير.. كثير، وفي إيجاز أقول إنه كان شديد الاعتزاز بدينه، وقيمه، وكرامته، ولايقبل التفريط في شيء منها، وفي الوقت نفسه، كان يحب أن يكون لينا، بشوشا مقبلا علي الناس.
لكن.. لماذا اختلف شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود مع السادات؟
العالم الجليل د.عبدالحليم محمود، كان شخصية قوية، عاش من أجل دعوة الإسلام، ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وجاهد في سبيل ذلك طويلا، بمقالاته، وخطبه واتصالاته، ولم يكن يهدأ أو يستريح وهو يعمل من أجل تطبيق الشريعة، في كل منحي من مناحي العمل في مصر، ولم يكن يعبأ أبدا، بما لقيه، أو يمكن أن يلقاه، فيما بعد، من مشاكل، بسبب دعوته وإصراره عليها.
عبدالحليم محمود غاضبا
وقد غضب ذات يوم، واعتكف في بيته شهرا كاملا، وقدم استقالته، ورفض تقاضي راتبه، وصرف سائقه وسيارته، مما سبب حرجا شديدا للسادات، الذي أصدر قرارا بأن يكون منصب شيخ الأزهر، بدرجة رئيس وزراء وكلف الدكتور صوفي أبوطالب ببحث مايدعو إليه الشيخ عبدالحليم محمود، بالنسبة لمسائل الشريعة، وأصدر تعليماته إلي مجلس الشعب بدراسة مايراه الشيخ، ثم دعاه إلي الغداء في ميت أبوالكوم، وكنت حاضرا، وحاول استرضاءه بأي شكل، ووعده بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع قوانين الدولة.
والطريف أني بعد عودتي من غداء السادات والشيخ عبدالحليم محمود، تلقيت اتصالا تليفونيا من الشيخ محمد خليل الخطيب، وكان في منزله بطنطا، وأخبرني أن الشيخ عبدالرحمن بيصار، وكيل الأزهر وقتها. عنده في البيت وأنه يريد أن يلقاني.
ذهبت إلي بيت الشيخ الخطيب، وفوجئت بأن الشيخ بيصار يعدد لي أنشطته وخدماته للدولة من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر وغيرهما، وطلب مني في نهاية الكلام، أن أتوسط لتعيينه شيخا للأزهر، خلفا للشيخ عبدالحليم محمود الذي استقال.
سألته عن أسباب استقالة الشيخ عبدالحليم.. فقال إنها مسائل شخصية، وأنه لا يحب الخوض فيها، فشرحت له أن الشيخ عبدالحليم، استقال دفاعا عن كرامة الأزهر، وعن رسالته، ومكانته، ورجاله، وأنه يجب أن يقف بجوار الشيخ، قبل أن يطمع في أن يخلفه.
وأخبرته في النهاية، بأن السادات قد استدعي الشيخ عبدالحليم، وأنه قد استرضاه، وجعل موقعه في درجة رئيس وزراء، وأن الشيخ عبدالحليم، سوف يكون في مكتبه صباح غد، بعد أن وعده السادات بدراسة كل مطالبه بجدية وعزم. وأسقط في يد الشيخ بيصار.
ويوم زار الرئيس الأمريكي كارتر مصر، دعي الشيخ عبدالحليم محمود، ليكون ضمن مستقبلي كارتر، فرفض رفضا قاطعا.
بيصار شيخا للأزهر
وبعد أن توفي الشيخ عبدالحليم تولي الشيخ بيصار مشيخة الأزهر.. بعد أن عرضها السادات علي الشعراوي، من خلال فؤاد محيي الدين، الذي لم يبلغ الشعراوي، كما قلت من قبل، لأسباب لا نعرفها إلي اليوم.
رحم الله الإمام الراحل عبدالحليم محمود، الذي كان مجاهدا في سبيل دينه، وأعطي، ولا ننسي أنه بشرنا بالنصر في أكتوبر 37، عندما رأي حبيبه رسول الله [ في المنام وهو يرفع راية الله أكبر للجنود، ولقوات أكتوبر.
كان صاحب مبدأ، لايحيد عنه، وصاحب رؤية، وصاحب فكر، ولم يكن يقبل أن يلين أبدا أمام كلمة حق يجب أن تقال.. إنه من القلائل الكبار، الذين تبوأوا مشيخة الأزهر الشريف.. وعندما أخبروا السادات بوفاته وكان يرأس جلسة مجلس الوزراء.. قال الحمدلله ربنا ريحنا منه ومن طلباته في تعديل القوانين..
هل كانت هناك شخصيات دينية أخري مقربة من السادات؟
كان السادات يتفاءل كثيرا، برؤية الشيخ محمد خليل الخطيب، في مسجد السيد البدوي، وكان كلما زار طنطا، أصر علي أن يزوره وأن يطلب منه الدعاء والبركة.. تعرف عليه في منزلي، وهو نائب للرئيس، وبعد أن أصبح السادات رئيسا للجمهورية حضر إلي طنطا في زيارة للمدينة، وزار السيد البدوي ، وطلب من الشيخ الخطيب أن يدعو له، فأخبره الشيخ أن الله سينصره علي المتآمرين عليه، ممن حوله، وسينصره أيضا علي أعدائه من الصهاينة، وسيعينه الله علي استرداد الأرض المحتلة.. وقام السادات، وطبع قبلة علي جبين الشيخ الخطيب.
وتحققت نبوءة الشيخ، عندما تخلص السادات من شرور مراكز القوي، ثم نصره الله علي الصهاينة في 37.
التبرك بالشيخ الخطيب
وكان الشيخ الخطيب، يري أشياء في منامه، ويبلغني بأن أوصلها للسادات وكنت أفعل، وكانت رؤياه تصدق دائما، لأنه من رجال الله المخصلين، وكان السادات يعلق صورة الشيخ محمد الخطيب وهو بصحبته في منزله تبركا وحبا واحتراما.
وكان قبل إقدامه علي أي قرار مصيري خطير، يزور سيدي السيد البدوي تبركا.. وقد فعل ذلك قبل ثورة التصحيح، وقبل العبور، وقبل زيارة القدس، وقبل مباحثات كامب ديفيد.
ولا أنسي يوم أن ذهب السادات يصلي في مسجد السيد البدوي، وقد كان يحب دائما أن يجلس عند الصف الأخير، من المصلين وأن يستند بظهره إلي الحائط وبينما خطيب الجمعة يستعد لإلقاء خطبته، لاحظ الشيخ الخطيب أن رجالا من الحرس يعطون ظهورهم للقبلة، بينما عيونهم علي الرئيس فاستشاط الشيخ غضبا، وطلب إخراجهم من المسجد وكاد يضربهم بعصاه وطلب إليهم الجلوس للصلاة، وكادت تحدث مشكلة كبري، وكانت الصلاة مذاعة علي ا لهواء مباشرة، لولا أن تدخل السادات وأشار إلي الحرس أن يطيعوا الشيخ وألا يستفزوه، وأن يجلسوا، وبالفعل ذهب بعضهم وتوضأ، وصلي مع الرئيس وسائر المصلين.
كان رحمه الله، لايخشي في الله لومة لائم، وكان يري الرسول كثيرا، رؤيا يقظة ويخبرنا بما رآه، وكنا نصدقه، لأنه من أولياء الله الصالحين، فعلا وقولا..
كيف تعرفت علي السادات؟
تعود بي الذاكرة بعيدا في الأربعينيات حيث كان السادات شابا صغيرا يانعا يحضر إلي بلدتي وبلدته الأصلية كفر السادات مركز تلا منوفية وبصحبة والده الرجل الفاضل الطيب محمد أفندي السادات الموظف بالخدمات الطبية للقوات المسلحة بالجيش المصري أيام السردار (الإنجليزي).
وكان محمد أفندي السادات يحضر إلينا وإلي جدي عمدة البلد الشيخ أحمد جامع حيث إن محمد أفندي السادات الناصع البياض يحن إلي كفر السادات بلد آبائه وأجداده.. فهو مسمي في شهادة ميلاده محمد الساداتي نسبة إلي كفر السادات.. وكذلك محمد أنور السادات وجميع إخوته كانوا يسمون الساداتي نسبة إلي كفر السادات أصل أجدادهم..
التراويح بمسجد القرية
وكان والد السادات يتناول معنا طعام الإفطار مع جميع أفراد العائلة في جو عائلي كريم وجميل.. ثم نصلي جميعا العشاء والتراويح في مسجد القرية مع الأهل والأقرباء.. وكان رحمه الله حريصا دائما وبكل شدة علي صلة الأرحام.. والتواد والتواصل الدائم.. حتي آخر لحظة في حياته.. حتي أن المرحوم خالي عبدالعزيز جامع عندما أنهي مرحلة الدراسة الابتدائية بتلا منوفية.. أخذه محمد السادات إلي القاهرة واستضافه في منزله بحدائق القبة وألحقه بمدرسة الخديوية الثانوية.. تواصلا مع الأهل وصلة للأرحام..
وكيف انضم الرئيس الراحل إلي الحركة الوطنية في مصر لمقاومة الاحتلال؟
بمرور الأيام.. انضم أنور السادات إلي الحركات الوطنية السرية في مصر التي كانت تقاوم الاحتلال الانجليزي.. وكان كثيرا مايجد الملاذ والأمان في هروبه عندنا بالبلدة خاصة بعد اغتيال أمين عثمان حتي قبض عليه ودخل السجن!
الصلة بعائلة جامع
وبعد الإفراج عنه لم تنقطع صلته بعائلة جامع بكفر السادات مع المرحوم والده.. خاصة أن المرحومة والدته كانت حريصة كل الحرص علي صلة الأرحام والتواصل والتزاور في رمضان خاصة في جميع أيام السنة عادة.
وهل تغيرت علاقته بالقرية بعد قيام ثورة 32 يوليو؟
قامت ثورة 32 يوليو.. وأذكر تماما أن أول بلدة زارها بعد نجاح الثورة هي كفر السادات وأتذكر عندما رأيته بين أهله في البلدة مدي مقدار سعادته وحنوه وحنانه مع جميع الأهل والأحباب رجالا وسيدات وأطفالا. ثم قرر زيارة كفر السادات في رمضان وتناول طعام الإفطار مع أهلها وصلي العشاء والتراويح بمسجد القرية..
ولم تنقطع صلته بالقرية وأهلها والعائلة حتي آخر لحظة في حياته.. وكان يقول لي هذه وصية الحاجة والدتي يامحمود لي علي الدوام مشددا..
السادات في رمضان
وكان في رمضان يتردد بين القاهرة وميت أبوالكوم حتي عندما كان رئيسا.
ولم يكن السادات أكولا.. وكان يعتمد علي الطعام المسلوق المبسط مع قليل من الأصناف.
كان يقضي معظم نهاره وليله في رمضان في تلاوة القرآن من مصحفه المفضل وبصوت رخيم جميل رصين، وأتذكر أنه كان يطلب مني أن أحضر له الشيخ سيد النقشبندي المنشد الديني المعروف.. لينشد له في ميت أبوالكوم مساء في ليال قمرية.. أناشيده الدينية وتواشيحه الرخيمة بصوته الجميل الملائكي النفاذ الأخاذ.. وكان السادات يهتز بكل قوة إيمانا وطربا وينفعل معه بكل تقوي وتعبد ..
تكفل بجنازة النقشبندي
حتي أن السادات عندما أخبرته بوفاة النقشبندي فجأة عندي بمستشفي المبرة بطنطا حين كنت مديرا لها.. أرسل اللواء عبده الدمرداش أحد سكرتيريه إليَّ بطنطا بالمستشفي متكفلا بكل مصاريف الجنازة وتوابعها ومتطلبات أسرته.
وعلاقته بشيخه عبدالحميد عيسي الذي علمه القرآن في صغره؟
كان جليسه علي الدوام شيخه عبدالحميد عيسي الذي كان يعلمه القرآن ويحفظه له في صغره ويضربه علي يديه وقدميه عند تقصيره.. ويجلس معه ويتناول طعام الإفطار.. وكان يؤدي صلاة الجمعة بمسجد القرية الوحيد وكذلك صلاة العشاء والتراويح.. وبعد الصلاة يقف علي باب المسجد ليصافح أهل القرية من المصلين فردا فردا.. ويلبي كل طلباتهم بكل حب وحنان ودون ضجر.. لابسا جلبابه الفضفاض وعباءته وممسكا بعصاه. .وعندما توفي الشيخ عبدالحميد عيسي.. اتصلت بالسادات وكان في عابدين مجتمعا بالرئيس جيسكار ديستان رئيس فرنسا في مباحثات سياسية فاعتذر له وحضر إلي ميت أبوالكوم في طائرة هليكوبتر وبصحبته رئيس الوزراء والوزراء وصلي علي شيخه واشترك في الجنازة التي تكفل بكل مصاريفها وتوابعها.
علي مائدة الافطار
وكان في كل عام في رمضان يقيم مأدبة إفطار كبري في استراحته بالمعمورة لجميع القيادات السياسية وبعد الإفطار يتنقل بين موائدهم ويجلس ويتسامر معهم بكل بساطة ومحبة ويتبادل معهم حل مشاكل البلد..
وفي ليلة القدر كل عام كان يقيم مأدبة إفطار شاملة لإخوته وأخواته وأبنائهم وكنت أحضر معهم.. وكان يستمع إلي مشاكلهم وطلباتهم ويتسامر معهم ويحنو عليهم وتمتد الجلسة حتي الفجر.. وكان يبدو في قمة سعادته وانشراحه بأهله..
وكان يتمشي في بلدته ميت أبوالكوم في أمسيات رمضان وغير رمضان علي قدميه.. وقد تسوقه قدماه إلي أحد منازل أحد الفلاحين في القرية فيطرق بابه ويجلس عنده لتناول الشاي ويسعد أهله بكل بساطة ومحبة وتراحم.. وأذكر أنه في إحدي المرات تدخل للصلح بين امرأة وحماتها لاختلافهما علي 2/1 جاموسة شركة بينهما ولما إعترضت علي تدخله في مثل هذه المسائل وأنه يشغل وقته بها.. قال لي يامحمود دعني أسعد أسرة!!
هذا هو السادات الإنسان البسيط والفلاح الأصيل والوطني الصميم والبطل المغوار وواصل الأرحام.. بكل بساطة دون زور أو بهتان!
حرب العاشر من رمضان
أما عن إعداده لحرب رمضان المجيدة.. وانتصاره التاريخي وما قبلها ومابعدها من جهد جهيد وكفاح مرير فالحديث يطول والقصص تتزايد والعبر لاتنتهي .. وهو صائم متبتل.. مؤمن واثق من نصر الله.. وليس مغرورا بقوته أو جيشه ولكنه مؤمن كل الإيمان بنصر الله تعالي..
وكان حقا علينا جميعا أن نطلق عليه الرئيس المؤمن عن إيمان ويقين.. وحقه علينا في أعماله التي صدقت أقواله.. وصدق الله تعالي حين قال: »وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين«.
ولاننسي أنه كان يقضي الأسبوع الأخير من رمضان في »وادي الراحة« في سيناء معتكفا متعبدا قارئا للقرآن ومصليا ومتهجدا ومتعبدا بكل شفافية وإيمان.
ترشيح الشعراوي للأزهر
هل تذكرت كيف تعرف الرئيس الراحل السادات علي الشيخ الشعراوي؟
تعرف الشعراوي علي السادات، في بيتي بطنطا، وكان السادات وقتها نائبا لرئيس الجمهورية، وعندما أصبح رئيسا، اختار الشعراوي وزيرا للأوقاف، وكان وقتها أستاذا بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، فتردد في قبول المنصب، لولا أن ممدوح سالم قد ألح عليه، وألححنا عليه نحن أيضا، حتي تولي الوزارة وقد كان نعم الناصح الأمين، للسادات، دائما، وبغير مجاملة، أو نفاق.
وجاء وقت علي السادات، رشح فيه الشعراوي شيخا للأزهر، وكلف فؤاد محيي الدين، بإبلاغه لكن فؤاد محيي الدين، لشيء في نفسه لم يبلغ الشعراوي، وأخبر السادات بأنه فاتحه في الموضوع ورفض.. ولم يكن ذلك صحيحا علي الإطلاق.. ولانعرف إلي اليوم لماذا لم يخبر فؤاد محيي الدين الشيخ الشعراوي، بطلب السادات؟
ولم تكن جيهان السادات، تستريح إلي الشعراوي كثيرا، خاصة بعد الموقف الشهير، الذي دعته فيه إلي إلقاء محاضرة لسيدات مصر الجديدة، ولما دخل وجدهن جميعا سافرات بغير حجاب، فغادر القاعة فورا، وأحرج جيهان السادات، وظلت غاضبة منه، وقالت لي بالحرف الواحد: أنا حاشيله من الوزارة وأبلغه ذلك علي لساني: ولما أبلغته قال: ومن قال إنني حريص علي الوزارة، أو حتي أريدها؟.. إنني طلبت تركها أكثر من مرة ولكنهم رفضوا.
الود المفقود مع جيهان
ولم يكن هناك ود بين جيهان السادات، وبين الشعراوي بوجه عام، ثم جاءت إطاحة الشعراوي بتوفيق عويضة من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، لتضيف سببا آخر، إلي أسباب عدم الارتياح، بين جيهان والشعراوي، الذي عينه السادات عضوا بمجلس الشوري، في أول تشكيل له، إلا أن الشعراوي ظل رافضا لحلف اليمين وللمنصب نفسه، إلي إنتهاء الدورة.
كانت جيهان السادات، تؤيد محمد توفيق عويضة، لأنه كان ضد الإخوان والجماعات علي طول الخط، فلما أطاحه الشعراوي، وأخرجه من وظيفته، بقرار من المحكمة التأديبية العليا، ظلت جيهان حانقة، وغاضبة، علي الشعراوي، أو لنقل أن حنقها قد زاد ولم تكن تخفي سخطها عليه في كثير من المواقف.
وقد كان الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله، خفيف الدم، لطيفا، ابن نكتة، لا يحب التجهم ولا العبوس في وجوه الآخرين.
إن ماعندي عن فضيلة الإمام الراحل، كثير.. كثير، وفي إيجاز أقول إنه كان شديد الاعتزاز بدينه، وقيمه، وكرامته، ولايقبل التفريط في شيء منها، وفي الوقت نفسه، كان يحب أن يكون لينا، بشوشا مقبلا علي الناس.
لكن.. لماذا اختلف شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود مع السادات؟
العالم الجليل د.عبدالحليم محمود، كان شخصية قوية، عاش من أجل دعوة الإسلام، ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وجاهد في سبيل ذلك طويلا، بمقالاته، وخطبه واتصالاته، ولم يكن يهدأ أو يستريح وهو يعمل من أجل تطبيق الشريعة، في كل منحي من مناحي العمل في مصر، ولم يكن يعبأ أبدا، بما لقيه، أو يمكن أن يلقاه، فيما بعد، من مشاكل، بسبب دعوته وإصراره عليها.
عبدالحليم محمود غاضبا
وقد غضب ذات يوم، واعتكف في بيته شهرا كاملا، وقدم استقالته، ورفض تقاضي راتبه، وصرف سائقه وسيارته، مما سبب حرجا شديدا للسادات، الذي أصدر قرارا بأن يكون منصب شيخ الأزهر، بدرجة رئيس وزراء وكلف الدكتور صوفي أبوطالب ببحث مايدعو إليه الشيخ عبدالحليم محمود، بالنسبة لمسائل الشريعة، وأصدر تعليماته إلي مجلس الشعب بدراسة مايراه الشيخ، ثم دعاه إلي الغداء في ميت أبوالكوم، وكنت حاضرا، وحاول استرضاءه بأي شكل، ووعده بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع قوانين الدولة.
والطريف أني بعد عودتي من غداء السادات والشيخ عبدالحليم محمود، تلقيت اتصالا تليفونيا من الشيخ محمد خليل الخطيب، وكان في منزله بطنطا، وأخبرني أن الشيخ عبدالرحمن بيصار، وكيل الأزهر وقتها. عنده في البيت وأنه يريد أن يلقاني.
ذهبت إلي بيت الشيخ الخطيب، وفوجئت بأن الشيخ بيصار يعدد لي أنشطته وخدماته للدولة من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر وغيرهما، وطلب مني في نهاية الكلام، أن أتوسط لتعيينه شيخا للأزهر، خلفا للشيخ عبدالحليم محمود الذي استقال.
سألته عن أسباب استقالة الشيخ عبدالحليم.. فقال إنها مسائل شخصية، وأنه لا يحب الخوض فيها، فشرحت له أن الشيخ عبدالحليم، استقال دفاعا عن كرامة الأزهر، وعن رسالته، ومكانته، ورجاله، وأنه يجب أن يقف بجوار الشيخ، قبل أن يطمع في أن يخلفه.
وأخبرته في النهاية، بأن السادات قد استدعي الشيخ عبدالحليم، وأنه قد استرضاه، وجعل موقعه في درجة رئيس وزراء، وأن الشيخ عبدالحليم، سوف يكون في مكتبه صباح غد، بعد أن وعده السادات بدراسة كل مطالبه بجدية وعزم. وأسقط في يد الشيخ بيصار.
ويوم زار الرئيس الأمريكي كارتر مصر، دعي الشيخ عبدالحليم محمود، ليكون ضمن مستقبلي كارتر، فرفض رفضا قاطعا.
بيصار شيخا للأزهر
وبعد أن توفي الشيخ عبدالحليم تولي الشيخ بيصار مشيخة الأزهر.. بعد أن عرضها السادات علي الشعراوي، من خلال فؤاد محيي الدين، الذي لم يبلغ الشعراوي، كما قلت من قبل، لأسباب لا نعرفها إلي اليوم.
رحم الله الإمام الراحل عبدالحليم محمود، الذي كان مجاهدا في سبيل دينه، وأعطي، ولا ننسي أنه بشرنا بالنصر في أكتوبر 37، عندما رأي حبيبه رسول الله [ في المنام وهو يرفع راية الله أكبر للجنود، ولقوات أكتوبر.
كان صاحب مبدأ، لايحيد عنه، وصاحب رؤية، وصاحب فكر، ولم يكن يقبل أن يلين أبدا أمام كلمة حق يجب أن تقال.. إنه من القلائل الكبار، الذين تبوأوا مشيخة الأزهر الشريف.. وعندما أخبروا السادات بوفاته وكان يرأس جلسة مجلس الوزراء.. قال الحمدلله ربنا ريحنا منه ومن طلباته في تعديل القوانين..
هل كانت هناك شخصيات دينية أخري مقربة من السادات؟
كان السادات يتفاءل كثيرا، برؤية الشيخ محمد خليل الخطيب، في مسجد السيد البدوي، وكان كلما زار طنطا، أصر علي أن يزوره وأن يطلب منه الدعاء والبركة.. تعرف عليه في منزلي، وهو نائب للرئيس، وبعد أن أصبح السادات رئيسا للجمهورية حضر إلي طنطا في زيارة للمدينة، وزار السيد البدوي ، وطلب من الشيخ الخطيب أن يدعو له، فأخبره الشيخ أن الله سينصره علي المتآمرين عليه، ممن حوله، وسينصره أيضا علي أعدائه من الصهاينة، وسيعينه الله علي استرداد الأرض المحتلة.. وقام السادات، وطبع قبلة علي جبين الشيخ الخطيب.
وتحققت نبوءة الشيخ، عندما تخلص السادات من شرور مراكز القوي، ثم نصره الله علي الصهاينة في 37.
التبرك بالشيخ الخطيب
وكان الشيخ الخطيب، يري أشياء في منامه، ويبلغني بأن أوصلها للسادات وكنت أفعل، وكانت رؤياه تصدق دائما، لأنه من رجال الله المخصلين، وكان السادات يعلق صورة الشيخ محمد الخطيب وهو بصحبته في منزله تبركا وحبا واحتراما.
وكان قبل إقدامه علي أي قرار مصيري خطير، يزور سيدي السيد البدوي تبركا.. وقد فعل ذلك قبل ثورة التصحيح، وقبل العبور، وقبل زيارة القدس، وقبل مباحثات كامب ديفيد.
ولا أنسي يوم أن ذهب السادات يصلي في مسجد السيد البدوي، وقد كان يحب دائما أن يجلس عند الصف الأخير، من المصلين وأن يستند بظهره إلي الحائط وبينما خطيب الجمعة يستعد لإلقاء خطبته، لاحظ الشيخ الخطيب أن رجالا من الحرس يعطون ظهورهم للقبلة، بينما عيونهم علي الرئيس فاستشاط الشيخ غضبا، وطلب إخراجهم من المسجد وكاد يضربهم بعصاه وطلب إليهم الجلوس للصلاة، وكادت تحدث مشكلة كبري، وكانت الصلاة مذاعة علي ا لهواء مباشرة، لولا أن تدخل السادات وأشار إلي الحرس أن يطيعوا الشيخ وألا يستفزوه، وأن يجلسوا، وبالفعل ذهب بعضهم وتوضأ، وصلي مع الرئيس وسائر المصلين.
كان رحمه الله، لايخشي في الله لومة لائم، وكان يري الرسول كثيرا، رؤيا يقظة ويخبرنا بما رآه، وكنا نصدقه، لأنه من أولياء الله الصالحين، فعلا وقولا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.