رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بشكاوى تداعيات ارتفاع الحرارة في بعض الفترات    موعد غلق باب تنسيق المرحلة الثانية 2025.. آخر فرصة لطلاب الثانوية    جامعة بنها تبدأ مقابلات اختيار القيادات الأكاديمية والإدارية    وزير الكهرباء يتفقد مركز التحكم الإقليمي بالقاهرة    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم السبت    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    تفاصيل.. إيران تعدم عالمًا نوويًا بتهمة التجسس لصالح الموساد الإسرائيلي    باكستان ترحب باتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة: بريطانيا لن تصمت إذا احتُجز 50 مواطنًا لها بغزة    استشهاد 36 فلسطينيًا في غزة منذ فجر اليوم بينهم 21 من طالبي المساعدات    بالفيديو.. احتجاجات في بيروت بعد قرار حكومي بحصر السلاح    طبيب الأهلي السابق يشيد بعمرو السولية    لحظة بلحظة قرعة كأس الكونفدرالية 25/26 .. يشارك بها الزمالك والمصري    مدرب نيوكاسل يونايتد يوضح مستقبل إيزاك    رسميًا... مانشستر يونايتد يتعاقد مع سيسكو ويكمل مثلثه الهجومي    رفع آثار تسرب زيت بطريق الزنكلون بعد انقلاب سيارة نقل بالشرقية - صور    كارثة على كوبري بلبيس.. وفاة أم وابنتها وإصابة الزوج في حادث مروع (صور)    الحرارة 42.. الأرصاد تحذر: ذروة الموجة الحارة الثلاثاء والأربعاء    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    حريق هائل يلتهم محلين لقطع غيار "التكاتك" بالعصافرة شرق الإسكندرية    حسين الجسمي يرد على رسالة نجيب ساويرس بعد حفله بالساحل الشمالي    "الثقافة" تطلق المرحلة الثانية من مبادرة "المليون كتاب"    ما هو الصبر الجميل الذي أمر الله به؟.. يسري جبر يجيب    زوجة أكرم توفيق توجه رسالة رومانسية للاعب    أحمد كريمة: أموال تيك توك والسوشيال ميديا حرام وكسب خبيث    نائبة وزير الصحة تتابع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية    الصحة: إحلال وتجديد 185 ماكينة غسيل كلوي وافتتاح 6 وحدات جديدة    الضرائب: 3 أيام فقط وتنتهي مهلة الاستفادة من التسهيلات الضريبية المقررة وفقًأ للقانون رقم 5 لسنة 2025    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا لمتابعة الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية وتخطيط المرحلة الثانية    افتتاح مونديال ناشئين اليد| وزير الرياضة يشكر الرئيس السيسي لرعايته للبطولة    خلال استقباله وزير خارجية تركيا.. الرئيس السيسى يؤكد أهمية مواصلة العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة.. التأكيد على رفض إعادة الاحتلال العسكرى لغزة وضرورة وقف إطلاق النار ورفض تهجير الفلسطينيين    في ذكرى ميلاد النجمة هند رستم| بنت البلد رغم أنها من عائلة أرستقراطية    حميد الشاعري يشعل أضخم حفلات العلمين الجديدة ب«دويتوهات» متنوعة | صور    الري: تنفيذ 561 منشأ للحماية من أخطار السيول بشمال وجنوب سيناء    تعرف على موعد فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 9 أغسطس 2025    هدفه بناء الشخصية ونهضة المجتمع.. إطلاق مركز القيادات الطلابية بجنوب الوادي    حملات مرورية مكثفة.. إيجابية عينة المخدرات ل 156 سائقًا على الطرق السريعة    بلاغ ضد البلوجر مروة حلمي: تدعي تلفيق الاتهامات لصديقها شاكر    «100 يوم صحة» قدمت 37 مليون خدمة طبية مجانية خلال 24 يوما    وفاة طبيبة أثناء تأدية عملها بالقصر العيني.. وجمال شعبان ينعيها بكلمات مؤثرة    غرفة العمليات الرئيسة بتعليم الدقهلية تتابع سير امتحانات الدور الثاني الإعدادية والدبلومات    بمشاركة المصري.... اليوم قرعة الأدوار التمهيدية من البطولة الكونفيدرالية    "السلاموني": زيادة سعر توريد أردب القمح ساهم في ارتفاع معدلات التوريد ل3.940 مليون طن    24 أغسطس.. فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة    موعد مباراة مصر واليابان فى بطولة العالم لناشئي كرة اليد    أزمة سياسية وأمنية فى إسرائيل حول قرار احتلال غزة.. تعرف على التفاصيل    خلال تفقده لأعمال تطوير الزهراء للخيول العربية.. وزير الزراعة: هدفنا إعادة المحطة لمكانتها الرائدة عالميًا    5 أبراج نشيطة تحب استغلال وقت الصباح.. هل أنت منهم؟    الرئاسة الفلسطينية: الولايات المتحدة لديها القدرة على وقف الحرب فورا    سعر الذهب اليوم السبت 9 أغسطس 2025 في الصاغة وعيار 21 بالمصنعية بعد صعوده 30 جنيهًا    تنسيق المرحلة الثالثة 2025.. توقعات كليات ومعاهد تقبل من 50% أدبي    عودة خدمات إنستاباي إلى العمل بعد تعطلها مؤقتا    إعلام أمريكي: مقتل شرطي في إطلاق نار بالقرب من مركز السيطرة على الأمراض في أتلانتا    علي معلول: جاءتني عروض من أوروبا قبل الأهلي ولم أنقطع عن متابعة الصفاقسي    تامر عاشور يغني "قولوله سماح وتيجي نتراهن" في حفل مهرجان العلمين    هل تأثم الزوجة إذا امتنعت عن زوجها بسبب سوء معاملتها؟ أمين الفتوى يجيب    متي يظهر المسيخ الدجال؟.. عالم أزهري يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمود جامع يتذكر:السادات في شهر رمضان
نشر في آخر ساعة يوم 24 - 07 - 2012

الرئيس الراحل وبجواره أحمد سلطان وزير الكهرباء الأسبق والدكتور جامع
كان الدكتور محمود جامع إحدي الشخصيات المقربة من الرئيس الراحل أنور السادات، وبالتالي شهد الكثير من الأحداث طوال فترة حكمه رغم أنه ظل »متفرجا« أكثر منه »لاعبا« ومع ذلك رصد الكثير من الأسرار لما كان يحدث خلف الستار!ومع حلول شهر رمضان المبارك يحكي الدكتور محمود جامع حياة السادات في الصيام، خاصة في بلدته »ميت أبوالكوم« وحكي عن خمسة »عمائم« حوله ارتبط بها وجدانيا ولعبت أدوارا مهمة في مسار هذه الأحداث وهم: الدكتور عبدالحليم محمود، والشعراوي، والنقشبندي، وعيسي، والخطيب!
كيف تعرفت علي السادات؟
تعود بي الذاكرة بعيدا في الأربعينيات حيث كان السادات شابا صغيرا يانعا يحضر إلي بلدتي وبلدته الأصلية كفر السادات مركز تلا منوفية وبصحبة والده الرجل الفاضل الطيب محمد أفندي السادات الموظف بالخدمات الطبية للقوات المسلحة بالجيش المصري أيام السردار (الإنجليزي).
وكان محمد أفندي السادات يحضر إلينا وإلي جدي عمدة البلد الشيخ أحمد جامع حيث إن محمد أفندي السادات الناصع البياض يحن إلي كفر السادات بلد آبائه وأجداده.. فهو مسمي في شهادة ميلاده محمد الساداتي نسبة إلي كفر السادات.. وكذلك محمد أنور السادات وجميع إخوته كانوا يسمون الساداتي نسبة إلي كفر السادات أصل أجدادهم..
التراويح بمسجد القرية
وكان والد السادات يتناول معنا طعام الإفطار مع جميع أفراد العائلة في جو عائلي كريم وجميل.. ثم نصلي جميعا العشاء والتراويح في مسجد القرية مع الأهل والأقرباء.. وكان رحمه الله حريصا دائما وبكل شدة علي صلة الأرحام.. والتواد والتواصل الدائم.. حتي آخر لحظة في حياته.. حتي أن المرحوم خالي عبدالعزيز جامع عندما أنهي مرحلة الدراسة الابتدائية بتلا منوفية.. أخذه محمد السادات إلي القاهرة واستضافه في منزله بحدائق القبة وألحقه بمدرسة الخديوية الثانوية.. تواصلا مع الأهل وصلة للأرحام..
وكيف انضم الرئيس الراحل إلي الحركة الوطنية في مصر لمقاومة الاحتلال؟
بمرور الأيام.. انضم أنور السادات إلي الحركات الوطنية السرية في مصر التي كانت تقاوم الاحتلال الانجليزي.. وكان كثيرا مايجد الملاذ والأمان في هروبه عندنا بالبلدة خاصة بعد اغتيال أمين عثمان حتي قبض عليه ودخل السجن!
الصلة بعائلة جامع
وبعد الإفراج عنه لم تنقطع صلته بعائلة جامع بكفر السادات مع المرحوم والده.. خاصة أن المرحومة والدته كانت حريصة كل الحرص علي صلة الأرحام والتواصل والتزاور في رمضان خاصة في جميع أيام السنة عادة.
وهل تغيرت علاقته بالقرية بعد قيام ثورة 32 يوليو؟
قامت ثورة 32 يوليو.. وأذكر تماما أن أول بلدة زارها بعد نجاح الثورة هي كفر السادات وأتذكر عندما رأيته بين أهله في البلدة مدي مقدار سعادته وحنوه وحنانه مع جميع الأهل والأحباب رجالا وسيدات وأطفالا. ثم قرر زيارة كفر السادات في رمضان وتناول طعام الإفطار مع أهلها وصلي العشاء والتراويح بمسجد القرية..
ولم تنقطع صلته بالقرية وأهلها والعائلة حتي آخر لحظة في حياته.. وكان يقول لي هذه وصية الحاجة والدتي يامحمود لي علي الدوام مشددا..
السادات في رمضان
وكان في رمضان يتردد بين القاهرة وميت أبوالكوم حتي عندما كان رئيسا.
ولم يكن السادات أكولا.. وكان يعتمد علي الطعام المسلوق المبسط مع قليل من الأصناف.
كان يقضي معظم نهاره وليله في رمضان في تلاوة القرآن من مصحفه المفضل وبصوت رخيم جميل رصين، وأتذكر أنه كان يطلب مني أن أحضر له الشيخ سيد النقشبندي المنشد الديني المعروف.. لينشد له في ميت أبوالكوم مساء في ليال قمرية.. أناشيده الدينية وتواشيحه الرخيمة بصوته الجميل الملائكي النفاذ الأخاذ.. وكان السادات يهتز بكل قوة إيمانا وطربا وينفعل معه بكل تقوي وتعبد ..
تكفل بجنازة النقشبندي
حتي أن السادات عندما أخبرته بوفاة النقشبندي فجأة عندي بمستشفي المبرة بطنطا حين كنت مديرا لها.. أرسل اللواء عبده الدمرداش أحد سكرتيريه إليَّ بطنطا بالمستشفي متكفلا بكل مصاريف الجنازة وتوابعها ومتطلبات أسرته.
وعلاقته بشيخه عبدالحميد عيسي الذي علمه القرآن في صغره؟
كان جليسه علي الدوام شيخه عبدالحميد عيسي الذي كان يعلمه القرآن ويحفظه له في صغره ويضربه علي يديه وقدميه عند تقصيره.. ويجلس معه ويتناول طعام الإفطار.. وكان يؤدي صلاة الجمعة بمسجد القرية الوحيد وكذلك صلاة العشاء والتراويح.. وبعد الصلاة يقف علي باب المسجد ليصافح أهل القرية من المصلين فردا فردا.. ويلبي كل طلباتهم بكل حب وحنان ودون ضجر.. لابسا جلبابه الفضفاض وعباءته وممسكا بعصاه. .وعندما توفي الشيخ عبدالحميد عيسي.. اتصلت بالسادات وكان في عابدين مجتمعا بالرئيس جيسكار ديستان رئيس فرنسا في مباحثات سياسية فاعتذر له وحضر إلي ميت أبوالكوم في طائرة هليكوبتر وبصحبته رئيس الوزراء والوزراء وصلي علي شيخه واشترك في الجنازة التي تكفل بكل مصاريفها وتوابعها.
علي مائدة الافطار
وكان في كل عام في رمضان يقيم مأدبة إفطار كبري في استراحته بالمعمورة لجميع القيادات السياسية وبعد الإفطار يتنقل بين موائدهم ويجلس ويتسامر معهم بكل بساطة ومحبة ويتبادل معهم حل مشاكل البلد..
وفي ليلة القدر كل عام كان يقيم مأدبة إفطار شاملة لإخوته وأخواته وأبنائهم وكنت أحضر معهم.. وكان يستمع إلي مشاكلهم وطلباتهم ويتسامر معهم ويحنو عليهم وتمتد الجلسة حتي الفجر.. وكان يبدو في قمة سعادته وانشراحه بأهله..
وكان يتمشي في بلدته ميت أبوالكوم في أمسيات رمضان وغير رمضان علي قدميه.. وقد تسوقه قدماه إلي أحد منازل أحد الفلاحين في القرية فيطرق بابه ويجلس عنده لتناول الشاي ويسعد أهله بكل بساطة ومحبة وتراحم.. وأذكر أنه في إحدي المرات تدخل للصلح بين امرأة وحماتها لاختلافهما علي 2/1 جاموسة شركة بينهما ولما إعترضت علي تدخله في مثل هذه المسائل وأنه يشغل وقته بها.. قال لي يامحمود دعني أسعد أسرة!!
هذا هو السادات الإنسان البسيط والفلاح الأصيل والوطني الصميم والبطل المغوار وواصل الأرحام.. بكل بساطة دون زور أو بهتان!
حرب العاشر من رمضان
أما عن إعداده لحرب رمضان المجيدة.. وانتصاره التاريخي وما قبلها ومابعدها من جهد جهيد وكفاح مرير فالحديث يطول والقصص تتزايد والعبر لاتنتهي .. وهو صائم متبتل.. مؤمن واثق من نصر الله.. وليس مغرورا بقوته أو جيشه ولكنه مؤمن كل الإيمان بنصر الله تعالي..
وكان حقا علينا جميعا أن نطلق عليه الرئيس المؤمن عن إيمان ويقين.. وحقه علينا في أعماله التي صدقت أقواله.. وصدق الله تعالي حين قال: »وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين«.
ولاننسي أنه كان يقضي الأسبوع الأخير من رمضان في »وادي الراحة« في سيناء معتكفا متعبدا قارئا للقرآن ومصليا ومتهجدا ومتعبدا بكل شفافية وإيمان.
ترشيح الشعراوي للأزهر
هل تذكرت كيف تعرف الرئيس الراحل السادات علي الشيخ الشعراوي؟
تعرف الشعراوي علي السادات، في بيتي بطنطا، وكان السادات وقتها نائبا لرئيس الجمهورية، وعندما أصبح رئيسا، اختار الشعراوي وزيرا للأوقاف، وكان وقتها أستاذا بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، فتردد في قبول المنصب، لولا أن ممدوح سالم قد ألح عليه، وألححنا عليه نحن أيضا، حتي تولي الوزارة وقد كان نعم الناصح الأمين، للسادات، دائما، وبغير مجاملة، أو نفاق.
وجاء وقت علي السادات، رشح فيه الشعراوي شيخا للأزهر، وكلف فؤاد محيي الدين، بإبلاغه لكن فؤاد محيي الدين، لشيء في نفسه لم يبلغ الشعراوي، وأخبر السادات بأنه فاتحه في الموضوع ورفض.. ولم يكن ذلك صحيحا علي الإطلاق.. ولانعرف إلي اليوم لماذا لم يخبر فؤاد محيي الدين الشيخ الشعراوي، بطلب السادات؟
ولم تكن جيهان السادات، تستريح إلي الشعراوي كثيرا، خاصة بعد الموقف الشهير، الذي دعته فيه إلي إلقاء محاضرة لسيدات مصر الجديدة، ولما دخل وجدهن جميعا سافرات بغير حجاب، فغادر القاعة فورا، وأحرج جيهان السادات، وظلت غاضبة منه، وقالت لي بالحرف الواحد: أنا حاشيله من الوزارة وأبلغه ذلك علي لساني: ولما أبلغته قال: ومن قال إنني حريص علي الوزارة، أو حتي أريدها؟.. إنني طلبت تركها أكثر من مرة ولكنهم رفضوا.
الود المفقود مع جيهان
ولم يكن هناك ود بين جيهان السادات، وبين الشعراوي بوجه عام، ثم جاءت إطاحة الشعراوي بتوفيق عويضة من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، لتضيف سببا آخر، إلي أسباب عدم الارتياح، بين جيهان والشعراوي، الذي عينه السادات عضوا بمجلس الشوري، في أول تشكيل له، إلا أن الشعراوي ظل رافضا لحلف اليمين وللمنصب نفسه، إلي إنتهاء الدورة.
كانت جيهان السادات، تؤيد محمد توفيق عويضة، لأنه كان ضد الإخوان والجماعات علي طول الخط، فلما أطاحه الشعراوي، وأخرجه من وظيفته، بقرار من المحكمة التأديبية العليا، ظلت جيهان حانقة، وغاضبة، علي الشعراوي، أو لنقل أن حنقها قد زاد ولم تكن تخفي سخطها عليه في كثير من المواقف.
وقد كان الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله، خفيف الدم، لطيفا، ابن نكتة، لا يحب التجهم ولا العبوس في وجوه الآخرين.
إن ماعندي عن فضيلة الإمام الراحل، كثير.. كثير، وفي إيجاز أقول إنه كان شديد الاعتزاز بدينه، وقيمه، وكرامته، ولايقبل التفريط في شيء منها، وفي الوقت نفسه، كان يحب أن يكون لينا، بشوشا مقبلا علي الناس.
لكن.. لماذا اختلف شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود مع السادات؟
العالم الجليل د.عبدالحليم محمود، كان شخصية قوية، عاش من أجل دعوة الإسلام، ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وجاهد في سبيل ذلك طويلا، بمقالاته، وخطبه واتصالاته، ولم يكن يهدأ أو يستريح وهو يعمل من أجل تطبيق الشريعة، في كل منحي من مناحي العمل في مصر، ولم يكن يعبأ أبدا، بما لقيه، أو يمكن أن يلقاه، فيما بعد، من مشاكل، بسبب دعوته وإصراره عليها.
عبدالحليم محمود غاضبا
وقد غضب ذات يوم، واعتكف في بيته شهرا كاملا، وقدم استقالته، ورفض تقاضي راتبه، وصرف سائقه وسيارته، مما سبب حرجا شديدا للسادات، الذي أصدر قرارا بأن يكون منصب شيخ الأزهر، بدرجة رئيس وزراء وكلف الدكتور صوفي أبوطالب ببحث مايدعو إليه الشيخ عبدالحليم محمود، بالنسبة لمسائل الشريعة، وأصدر تعليماته إلي مجلس الشعب بدراسة مايراه الشيخ، ثم دعاه إلي الغداء في ميت أبوالكوم، وكنت حاضرا، وحاول استرضاءه بأي شكل، ووعده بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع قوانين الدولة.
والطريف أني بعد عودتي من غداء السادات والشيخ عبدالحليم محمود، تلقيت اتصالا تليفونيا من الشيخ محمد خليل الخطيب، وكان في منزله بطنطا، وأخبرني أن الشيخ عبدالرحمن بيصار، وكيل الأزهر وقتها. عنده في البيت وأنه يريد أن يلقاني.
ذهبت إلي بيت الشيخ الخطيب، وفوجئت بأن الشيخ بيصار يعدد لي أنشطته وخدماته للدولة من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر وغيرهما، وطلب مني في نهاية الكلام، أن أتوسط لتعيينه شيخا للأزهر، خلفا للشيخ عبدالحليم محمود الذي استقال.
سألته عن أسباب استقالة الشيخ عبدالحليم.. فقال إنها مسائل شخصية، وأنه لا يحب الخوض فيها، فشرحت له أن الشيخ عبدالحليم، استقال دفاعا عن كرامة الأزهر، وعن رسالته، ومكانته، ورجاله، وأنه يجب أن يقف بجوار الشيخ، قبل أن يطمع في أن يخلفه.
وأخبرته في النهاية، بأن السادات قد استدعي الشيخ عبدالحليم، وأنه قد استرضاه، وجعل موقعه في درجة رئيس وزراء، وأن الشيخ عبدالحليم، سوف يكون في مكتبه صباح غد، بعد أن وعده السادات بدراسة كل مطالبه بجدية وعزم. وأسقط في يد الشيخ بيصار.
ويوم زار الرئيس الأمريكي كارتر مصر، دعي الشيخ عبدالحليم محمود، ليكون ضمن مستقبلي كارتر، فرفض رفضا قاطعا.
بيصار شيخا للأزهر
وبعد أن توفي الشيخ عبدالحليم تولي الشيخ بيصار مشيخة الأزهر.. بعد أن عرضها السادات علي الشعراوي، من خلال فؤاد محيي الدين، الذي لم يبلغ الشعراوي، كما قلت من قبل، لأسباب لا نعرفها إلي اليوم.
رحم الله الإمام الراحل عبدالحليم محمود، الذي كان مجاهدا في سبيل دينه، وأعطي، ولا ننسي أنه بشرنا بالنصر في أكتوبر 37، عندما رأي حبيبه رسول الله [ في المنام وهو يرفع راية الله أكبر للجنود، ولقوات أكتوبر.
كان صاحب مبدأ، لايحيد عنه، وصاحب رؤية، وصاحب فكر، ولم يكن يقبل أن يلين أبدا أمام كلمة حق يجب أن تقال.. إنه من القلائل الكبار، الذين تبوأوا مشيخة الأزهر الشريف.. وعندما أخبروا السادات بوفاته وكان يرأس جلسة مجلس الوزراء.. قال الحمدلله ربنا ريحنا منه ومن طلباته في تعديل القوانين..
هل كانت هناك شخصيات دينية أخري مقربة من السادات؟
كان السادات يتفاءل كثيرا، برؤية الشيخ محمد خليل الخطيب، في مسجد السيد البدوي، وكان كلما زار طنطا، أصر علي أن يزوره وأن يطلب منه الدعاء والبركة.. تعرف عليه في منزلي، وهو نائب للرئيس، وبعد أن أصبح السادات رئيسا للجمهورية حضر إلي طنطا في زيارة للمدينة، وزار السيد البدوي ، وطلب من الشيخ الخطيب أن يدعو له، فأخبره الشيخ أن الله سينصره علي المتآمرين عليه، ممن حوله، وسينصره أيضا علي أعدائه من الصهاينة، وسيعينه الله علي استرداد الأرض المحتلة.. وقام السادات، وطبع قبلة علي جبين الشيخ الخطيب.
وتحققت نبوءة الشيخ، عندما تخلص السادات من شرور مراكز القوي، ثم نصره الله علي الصهاينة في 37.
التبرك بالشيخ الخطيب
وكان الشيخ الخطيب، يري أشياء في منامه، ويبلغني بأن أوصلها للسادات وكنت أفعل، وكانت رؤياه تصدق دائما، لأنه من رجال الله المخصلين، وكان السادات يعلق صورة الشيخ محمد الخطيب وهو بصحبته في منزله تبركا وحبا واحتراما.
وكان قبل إقدامه علي أي قرار مصيري خطير، يزور سيدي السيد البدوي تبركا.. وقد فعل ذلك قبل ثورة التصحيح، وقبل العبور، وقبل زيارة القدس، وقبل مباحثات كامب ديفيد.
ولا أنسي يوم أن ذهب السادات يصلي في مسجد السيد البدوي، وقد كان يحب دائما أن يجلس عند الصف الأخير، من المصلين وأن يستند بظهره إلي الحائط وبينما خطيب الجمعة يستعد لإلقاء خطبته، لاحظ الشيخ الخطيب أن رجالا من الحرس يعطون ظهورهم للقبلة، بينما عيونهم علي الرئيس فاستشاط الشيخ غضبا، وطلب إخراجهم من المسجد وكاد يضربهم بعصاه وطلب إليهم الجلوس للصلاة، وكادت تحدث مشكلة كبري، وكانت الصلاة مذاعة علي ا لهواء مباشرة، لولا أن تدخل السادات وأشار إلي الحرس أن يطيعوا الشيخ وألا يستفزوه، وأن يجلسوا، وبالفعل ذهب بعضهم وتوضأ، وصلي مع الرئيس وسائر المصلين.
كان رحمه الله، لايخشي في الله لومة لائم، وكان يري الرسول كثيرا، رؤيا يقظة ويخبرنا بما رآه، وكنا نصدقه، لأنه من أولياء الله الصالحين، فعلا وقولا..
كيف تعرفت علي السادات؟
تعود بي الذاكرة بعيدا في الأربعينيات حيث كان السادات شابا صغيرا يانعا يحضر إلي بلدتي وبلدته الأصلية كفر السادات مركز تلا منوفية وبصحبة والده الرجل الفاضل الطيب محمد أفندي السادات الموظف بالخدمات الطبية للقوات المسلحة بالجيش المصري أيام السردار (الإنجليزي).
وكان محمد أفندي السادات يحضر إلينا وإلي جدي عمدة البلد الشيخ أحمد جامع حيث إن محمد أفندي السادات الناصع البياض يحن إلي كفر السادات بلد آبائه وأجداده.. فهو مسمي في شهادة ميلاده محمد الساداتي نسبة إلي كفر السادات.. وكذلك محمد أنور السادات وجميع إخوته كانوا يسمون الساداتي نسبة إلي كفر السادات أصل أجدادهم..
التراويح بمسجد القرية
وكان والد السادات يتناول معنا طعام الإفطار مع جميع أفراد العائلة في جو عائلي كريم وجميل.. ثم نصلي جميعا العشاء والتراويح في مسجد القرية مع الأهل والأقرباء.. وكان رحمه الله حريصا دائما وبكل شدة علي صلة الأرحام.. والتواد والتواصل الدائم.. حتي آخر لحظة في حياته.. حتي أن المرحوم خالي عبدالعزيز جامع عندما أنهي مرحلة الدراسة الابتدائية بتلا منوفية.. أخذه محمد السادات إلي القاهرة واستضافه في منزله بحدائق القبة وألحقه بمدرسة الخديوية الثانوية.. تواصلا مع الأهل وصلة للأرحام..
وكيف انضم الرئيس الراحل إلي الحركة الوطنية في مصر لمقاومة الاحتلال؟
بمرور الأيام.. انضم أنور السادات إلي الحركات الوطنية السرية في مصر التي كانت تقاوم الاحتلال الانجليزي.. وكان كثيرا مايجد الملاذ والأمان في هروبه عندنا بالبلدة خاصة بعد اغتيال أمين عثمان حتي قبض عليه ودخل السجن!
الصلة بعائلة جامع
وبعد الإفراج عنه لم تنقطع صلته بعائلة جامع بكفر السادات مع المرحوم والده.. خاصة أن المرحومة والدته كانت حريصة كل الحرص علي صلة الأرحام والتواصل والتزاور في رمضان خاصة في جميع أيام السنة عادة.
وهل تغيرت علاقته بالقرية بعد قيام ثورة 32 يوليو؟
قامت ثورة 32 يوليو.. وأذكر تماما أن أول بلدة زارها بعد نجاح الثورة هي كفر السادات وأتذكر عندما رأيته بين أهله في البلدة مدي مقدار سعادته وحنوه وحنانه مع جميع الأهل والأحباب رجالا وسيدات وأطفالا. ثم قرر زيارة كفر السادات في رمضان وتناول طعام الإفطار مع أهلها وصلي العشاء والتراويح بمسجد القرية..
ولم تنقطع صلته بالقرية وأهلها والعائلة حتي آخر لحظة في حياته.. وكان يقول لي هذه وصية الحاجة والدتي يامحمود لي علي الدوام مشددا..
السادات في رمضان
وكان في رمضان يتردد بين القاهرة وميت أبوالكوم حتي عندما كان رئيسا.
ولم يكن السادات أكولا.. وكان يعتمد علي الطعام المسلوق المبسط مع قليل من الأصناف.
كان يقضي معظم نهاره وليله في رمضان في تلاوة القرآن من مصحفه المفضل وبصوت رخيم جميل رصين، وأتذكر أنه كان يطلب مني أن أحضر له الشيخ سيد النقشبندي المنشد الديني المعروف.. لينشد له في ميت أبوالكوم مساء في ليال قمرية.. أناشيده الدينية وتواشيحه الرخيمة بصوته الجميل الملائكي النفاذ الأخاذ.. وكان السادات يهتز بكل قوة إيمانا وطربا وينفعل معه بكل تقوي وتعبد ..
تكفل بجنازة النقشبندي
حتي أن السادات عندما أخبرته بوفاة النقشبندي فجأة عندي بمستشفي المبرة بطنطا حين كنت مديرا لها.. أرسل اللواء عبده الدمرداش أحد سكرتيريه إليَّ بطنطا بالمستشفي متكفلا بكل مصاريف الجنازة وتوابعها ومتطلبات أسرته.
وعلاقته بشيخه عبدالحميد عيسي الذي علمه القرآن في صغره؟
كان جليسه علي الدوام شيخه عبدالحميد عيسي الذي كان يعلمه القرآن ويحفظه له في صغره ويضربه علي يديه وقدميه عند تقصيره.. ويجلس معه ويتناول طعام الإفطار.. وكان يؤدي صلاة الجمعة بمسجد القرية الوحيد وكذلك صلاة العشاء والتراويح.. وبعد الصلاة يقف علي باب المسجد ليصافح أهل القرية من المصلين فردا فردا.. ويلبي كل طلباتهم بكل حب وحنان ودون ضجر.. لابسا جلبابه الفضفاض وعباءته وممسكا بعصاه. .وعندما توفي الشيخ عبدالحميد عيسي.. اتصلت بالسادات وكان في عابدين مجتمعا بالرئيس جيسكار ديستان رئيس فرنسا في مباحثات سياسية فاعتذر له وحضر إلي ميت أبوالكوم في طائرة هليكوبتر وبصحبته رئيس الوزراء والوزراء وصلي علي شيخه واشترك في الجنازة التي تكفل بكل مصاريفها وتوابعها.
علي مائدة الافطار
وكان في كل عام في رمضان يقيم مأدبة إفطار كبري في استراحته بالمعمورة لجميع القيادات السياسية وبعد الإفطار يتنقل بين موائدهم ويجلس ويتسامر معهم بكل بساطة ومحبة ويتبادل معهم حل مشاكل البلد..
وفي ليلة القدر كل عام كان يقيم مأدبة إفطار شاملة لإخوته وأخواته وأبنائهم وكنت أحضر معهم.. وكان يستمع إلي مشاكلهم وطلباتهم ويتسامر معهم ويحنو عليهم وتمتد الجلسة حتي الفجر.. وكان يبدو في قمة سعادته وانشراحه بأهله..
وكان يتمشي في بلدته ميت أبوالكوم في أمسيات رمضان وغير رمضان علي قدميه.. وقد تسوقه قدماه إلي أحد منازل أحد الفلاحين في القرية فيطرق بابه ويجلس عنده لتناول الشاي ويسعد أهله بكل بساطة ومحبة وتراحم.. وأذكر أنه في إحدي المرات تدخل للصلح بين امرأة وحماتها لاختلافهما علي 2/1 جاموسة شركة بينهما ولما إعترضت علي تدخله في مثل هذه المسائل وأنه يشغل وقته بها.. قال لي يامحمود دعني أسعد أسرة!!
هذا هو السادات الإنسان البسيط والفلاح الأصيل والوطني الصميم والبطل المغوار وواصل الأرحام.. بكل بساطة دون زور أو بهتان!
حرب العاشر من رمضان
أما عن إعداده لحرب رمضان المجيدة.. وانتصاره التاريخي وما قبلها ومابعدها من جهد جهيد وكفاح مرير فالحديث يطول والقصص تتزايد والعبر لاتنتهي .. وهو صائم متبتل.. مؤمن واثق من نصر الله.. وليس مغرورا بقوته أو جيشه ولكنه مؤمن كل الإيمان بنصر الله تعالي..
وكان حقا علينا جميعا أن نطلق عليه الرئيس المؤمن عن إيمان ويقين.. وحقه علينا في أعماله التي صدقت أقواله.. وصدق الله تعالي حين قال: »وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين«.
ولاننسي أنه كان يقضي الأسبوع الأخير من رمضان في »وادي الراحة« في سيناء معتكفا متعبدا قارئا للقرآن ومصليا ومتهجدا ومتعبدا بكل شفافية وإيمان.
ترشيح الشعراوي للأزهر
هل تذكرت كيف تعرف الرئيس الراحل السادات علي الشيخ الشعراوي؟
تعرف الشعراوي علي السادات، في بيتي بطنطا، وكان السادات وقتها نائبا لرئيس الجمهورية، وعندما أصبح رئيسا، اختار الشعراوي وزيرا للأوقاف، وكان وقتها أستاذا بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، فتردد في قبول المنصب، لولا أن ممدوح سالم قد ألح عليه، وألححنا عليه نحن أيضا، حتي تولي الوزارة وقد كان نعم الناصح الأمين، للسادات، دائما، وبغير مجاملة، أو نفاق.
وجاء وقت علي السادات، رشح فيه الشعراوي شيخا للأزهر، وكلف فؤاد محيي الدين، بإبلاغه لكن فؤاد محيي الدين، لشيء في نفسه لم يبلغ الشعراوي، وأخبر السادات بأنه فاتحه في الموضوع ورفض.. ولم يكن ذلك صحيحا علي الإطلاق.. ولانعرف إلي اليوم لماذا لم يخبر فؤاد محيي الدين الشيخ الشعراوي، بطلب السادات؟
ولم تكن جيهان السادات، تستريح إلي الشعراوي كثيرا، خاصة بعد الموقف الشهير، الذي دعته فيه إلي إلقاء محاضرة لسيدات مصر الجديدة، ولما دخل وجدهن جميعا سافرات بغير حجاب، فغادر القاعة فورا، وأحرج جيهان السادات، وظلت غاضبة منه، وقالت لي بالحرف الواحد: أنا حاشيله من الوزارة وأبلغه ذلك علي لساني: ولما أبلغته قال: ومن قال إنني حريص علي الوزارة، أو حتي أريدها؟.. إنني طلبت تركها أكثر من مرة ولكنهم رفضوا.
الود المفقود مع جيهان
ولم يكن هناك ود بين جيهان السادات، وبين الشعراوي بوجه عام، ثم جاءت إطاحة الشعراوي بتوفيق عويضة من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، لتضيف سببا آخر، إلي أسباب عدم الارتياح، بين جيهان والشعراوي، الذي عينه السادات عضوا بمجلس الشوري، في أول تشكيل له، إلا أن الشعراوي ظل رافضا لحلف اليمين وللمنصب نفسه، إلي إنتهاء الدورة.
كانت جيهان السادات، تؤيد محمد توفيق عويضة، لأنه كان ضد الإخوان والجماعات علي طول الخط، فلما أطاحه الشعراوي، وأخرجه من وظيفته، بقرار من المحكمة التأديبية العليا، ظلت جيهان حانقة، وغاضبة، علي الشعراوي، أو لنقل أن حنقها قد زاد ولم تكن تخفي سخطها عليه في كثير من المواقف.
وقد كان الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله، خفيف الدم، لطيفا، ابن نكتة، لا يحب التجهم ولا العبوس في وجوه الآخرين.
إن ماعندي عن فضيلة الإمام الراحل، كثير.. كثير، وفي إيجاز أقول إنه كان شديد الاعتزاز بدينه، وقيمه، وكرامته، ولايقبل التفريط في شيء منها، وفي الوقت نفسه، كان يحب أن يكون لينا، بشوشا مقبلا علي الناس.
لكن.. لماذا اختلف شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود مع السادات؟
العالم الجليل د.عبدالحليم محمود، كان شخصية قوية، عاش من أجل دعوة الإسلام، ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وجاهد في سبيل ذلك طويلا، بمقالاته، وخطبه واتصالاته، ولم يكن يهدأ أو يستريح وهو يعمل من أجل تطبيق الشريعة، في كل منحي من مناحي العمل في مصر، ولم يكن يعبأ أبدا، بما لقيه، أو يمكن أن يلقاه، فيما بعد، من مشاكل، بسبب دعوته وإصراره عليها.
عبدالحليم محمود غاضبا
وقد غضب ذات يوم، واعتكف في بيته شهرا كاملا، وقدم استقالته، ورفض تقاضي راتبه، وصرف سائقه وسيارته، مما سبب حرجا شديدا للسادات، الذي أصدر قرارا بأن يكون منصب شيخ الأزهر، بدرجة رئيس وزراء وكلف الدكتور صوفي أبوطالب ببحث مايدعو إليه الشيخ عبدالحليم محمود، بالنسبة لمسائل الشريعة، وأصدر تعليماته إلي مجلس الشعب بدراسة مايراه الشيخ، ثم دعاه إلي الغداء في ميت أبوالكوم، وكنت حاضرا، وحاول استرضاءه بأي شكل، ووعده بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع قوانين الدولة.
والطريف أني بعد عودتي من غداء السادات والشيخ عبدالحليم محمود، تلقيت اتصالا تليفونيا من الشيخ محمد خليل الخطيب، وكان في منزله بطنطا، وأخبرني أن الشيخ عبدالرحمن بيصار، وكيل الأزهر وقتها. عنده في البيت وأنه يريد أن يلقاني.
ذهبت إلي بيت الشيخ الخطيب، وفوجئت بأن الشيخ بيصار يعدد لي أنشطته وخدماته للدولة من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر وغيرهما، وطلب مني في نهاية الكلام، أن أتوسط لتعيينه شيخا للأزهر، خلفا للشيخ عبدالحليم محمود الذي استقال.
سألته عن أسباب استقالة الشيخ عبدالحليم.. فقال إنها مسائل شخصية، وأنه لا يحب الخوض فيها، فشرحت له أن الشيخ عبدالحليم، استقال دفاعا عن كرامة الأزهر، وعن رسالته، ومكانته، ورجاله، وأنه يجب أن يقف بجوار الشيخ، قبل أن يطمع في أن يخلفه.
وأخبرته في النهاية، بأن السادات قد استدعي الشيخ عبدالحليم، وأنه قد استرضاه، وجعل موقعه في درجة رئيس وزراء، وأن الشيخ عبدالحليم، سوف يكون في مكتبه صباح غد، بعد أن وعده السادات بدراسة كل مطالبه بجدية وعزم. وأسقط في يد الشيخ بيصار.
ويوم زار الرئيس الأمريكي كارتر مصر، دعي الشيخ عبدالحليم محمود، ليكون ضمن مستقبلي كارتر، فرفض رفضا قاطعا.
بيصار شيخا للأزهر
وبعد أن توفي الشيخ عبدالحليم تولي الشيخ بيصار مشيخة الأزهر.. بعد أن عرضها السادات علي الشعراوي، من خلال فؤاد محيي الدين، الذي لم يبلغ الشعراوي، كما قلت من قبل، لأسباب لا نعرفها إلي اليوم.
رحم الله الإمام الراحل عبدالحليم محمود، الذي كان مجاهدا في سبيل دينه، وأعطي، ولا ننسي أنه بشرنا بالنصر في أكتوبر 37، عندما رأي حبيبه رسول الله [ في المنام وهو يرفع راية الله أكبر للجنود، ولقوات أكتوبر.
كان صاحب مبدأ، لايحيد عنه، وصاحب رؤية، وصاحب فكر، ولم يكن يقبل أن يلين أبدا أمام كلمة حق يجب أن تقال.. إنه من القلائل الكبار، الذين تبوأوا مشيخة الأزهر الشريف.. وعندما أخبروا السادات بوفاته وكان يرأس جلسة مجلس الوزراء.. قال الحمدلله ربنا ريحنا منه ومن طلباته في تعديل القوانين..
هل كانت هناك شخصيات دينية أخري مقربة من السادات؟
كان السادات يتفاءل كثيرا، برؤية الشيخ محمد خليل الخطيب، في مسجد السيد البدوي، وكان كلما زار طنطا، أصر علي أن يزوره وأن يطلب منه الدعاء والبركة.. تعرف عليه في منزلي، وهو نائب للرئيس، وبعد أن أصبح السادات رئيسا للجمهورية حضر إلي طنطا في زيارة للمدينة، وزار السيد البدوي ، وطلب من الشيخ الخطيب أن يدعو له، فأخبره الشيخ أن الله سينصره علي المتآمرين عليه، ممن حوله، وسينصره أيضا علي أعدائه من الصهاينة، وسيعينه الله علي استرداد الأرض المحتلة.. وقام السادات، وطبع قبلة علي جبين الشيخ الخطيب.
وتحققت نبوءة الشيخ، عندما تخلص السادات من شرور مراكز القوي، ثم نصره الله علي الصهاينة في 37.
التبرك بالشيخ الخطيب
وكان الشيخ الخطيب، يري أشياء في منامه، ويبلغني بأن أوصلها للسادات وكنت أفعل، وكانت رؤياه تصدق دائما، لأنه من رجال الله المخصلين، وكان السادات يعلق صورة الشيخ محمد الخطيب وهو بصحبته في منزله تبركا وحبا واحتراما.
وكان قبل إقدامه علي أي قرار مصيري خطير، يزور سيدي السيد البدوي تبركا.. وقد فعل ذلك قبل ثورة التصحيح، وقبل العبور، وقبل زيارة القدس، وقبل مباحثات كامب ديفيد.
ولا أنسي يوم أن ذهب السادات يصلي في مسجد السيد البدوي، وقد كان يحب دائما أن يجلس عند الصف الأخير، من المصلين وأن يستند بظهره إلي الحائط وبينما خطيب الجمعة يستعد لإلقاء خطبته، لاحظ الشيخ الخطيب أن رجالا من الحرس يعطون ظهورهم للقبلة، بينما عيونهم علي الرئيس فاستشاط الشيخ غضبا، وطلب إخراجهم من المسجد وكاد يضربهم بعصاه وطلب إليهم الجلوس للصلاة، وكادت تحدث مشكلة كبري، وكانت الصلاة مذاعة علي ا لهواء مباشرة، لولا أن تدخل السادات وأشار إلي الحرس أن يطيعوا الشيخ وألا يستفزوه، وأن يجلسوا، وبالفعل ذهب بعضهم وتوضأ، وصلي مع الرئيس وسائر المصلين.
كان رحمه الله، لايخشي في الله لومة لائم، وكان يري الرسول كثيرا، رؤيا يقظة ويخبرنا بما رآه، وكنا نصدقه، لأنه من أولياء الله الصالحين، فعلا وقولا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.