حكاية من مصر "نستخدم الطبول والمشاعل في القتال ليلا ، ونستخدم أعدادا كبيرة من الأعلام في القتال نهارا حتي ترتبك عيون العدو، ويتحقق نفس الهدف بواسطة ترويج القصص عن خيانة القادة ، بمعني آخر هو نشر الشائعات التي تربك الخصم وتجعله يفقد الأرض التي يحارب عليها" .. في القرن الخامس قبل الميلاد خط الصيني "صان تزو" هذه الكلمات في كتابه " الحرب" أقدم أعمال الاستراتيجية العسكرية حول الحرب النفسية ، تكلم صان عن كيفية شن حرب ناجحة وتحطيم عزيمة العدو في القتال عن طريق المفاجأة وإحداث الضوضاء.. وهو ما حدث تقريبا في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر وخاصة في جولة الإعادة التي تصدرت فيها الشائعات المشهد بجدارة أهم أدوات الحرب النفسية وحققت الكثير من النجاح ونالت من المرشحين وأفقدتهما الكثير من الأصوات ، حتي حسم الأمر للدكتور محمد مرسي وتبخر الكثير من الشائعات التي استقر بعضها في قلوب ونفوس وعقول الكثيرين وخاصة ما يتوافق مع ما كان موجودا من الأصل وهو الأمر الذي يتعلق بفزاعة الدين . الفزاعة التي عزفت عليها بعض وسائل الإعلام بعضها كان منطقيا تمثل في المطالبة بالحفاظ علي الحريات العامة وخاصة للمرأة وبعضها غالي بشدة حتي صدر رعبا لاقي الكثير من القبول في الشارع المصري نتيجة لاجتهادات من ينصبون أنفسهم قضاة ومفوضين عن الله في محاكمة البشر ، ونرصد منها بوقا من الأبواق قام بتصدير الفزع حينما صرخ في برنامجه بأن النساء في مصر سيتعرضن للضرب والاضطهاد في الطريق من قبل المتشددين في دولة الإخوان وسيفرض عليهن الحجاب قصرا ، وكانت كلماته واحدة من أهم الشائعات التي انتشرت في فترة الانتخابات الرئاسية وتواصلت مع شائعة أخري متعلقة " بالختان " حتي وصلت إلي أن الإسلاميين سيقومون بالطواف علي المنازل لإجبار الفتيات علي الختان، والطريف أن تلك الشائعة تحديدا لقيت قبولا واسعا واستمعت إليها من فتاة شابة تعمل في أحد البنوك الأجنبية وأعربت لي عن خوفها الشديد من فوز الدكتور مرسي لأنها وحسب الشائعة سيذهبون إليها في منزلها لإجبارها علي الختان وكانت تشعر برعب شديد ، حتي إنني سألتها وكيف سيعلمون بأنك لم تخضعي للختان ! ولم أنتظر منها إجابة بطبيعة الحال ولكنها حالة تشي بما يحدث في المجتمع من تخوف شديد أصاب الكثير من النساء والفتيات في مصر وخاصة مع رصد عدد كبير من الحالات أكدن تعرض بعض الملتحين والمنقبات لهن في مواقف الأتوبيسات ودعوتهن لارتداء الحجاب أو الاحتشام في الملابس أو توجيه الانتقادات لهن علي طريقة الحجاب البعيدة عن الجلباب والخمار علي أقل تقدير والغريب أن كثيرات أجمعن علي أن تلك المواجهات كانت في أماكن انتظار المواصلات المختلفة وكانت في كثير من الأحيان ترافقها كلمات تهديدية من نوعية "سنقوم بحبسكن في المنازل" مما يستدعي حالة من الشك خاصة من انتشار تلك الأقاويل في وقت واحد ! ومما زاد من حالة الشك القصة التي نشرت علي معظم المواقع ووقعت أحداثها في مدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية عن قيام مجموعة من الأهالي بالقبض علي ثلاثة أشخاص اشتبهوا فيهم بعد أن شاهدوهم يتحدثون مع فتاة ووالدتها ويأمرونهن بارتداء الحجاب وبعد التحقيق معهم أعترفوا بأن واحدا منهم ينتمي إلي جهاز أمن الدولة المنحل ، وأن قياديا بالجهاز حرضهم علي مهاجمة الفتيات بالشوارع ونصحهم بارتداء الحجاب وإلا سوف يتم عقابهم علي يد جماعة الإخوان المسلمين! تسببت مثل هذه الحكايات التي تصل مشوهة ومع إضافات كثيرة تلعب فيها حرب الدعاية دورا كبيرا أن بعض الفتيات قمن بتكوين جماعة لمقاومة من سيعترض طريقهن في المستقبل ومن بينهن "زينة عمرو عيسي " التي قررت مع صديقاتها اللجوء إلي الشرطة للإبلاغ عنهم للتصدي لمثل هذه المحاولات ، ومما يثير الريبة أكثر القصة التي رواها لي أسامة بسماتيك وهو ناشط قبطي وكان يجلس مع أصدقاء له علي مقهي في الحي السابع بجوار موقف للأتوبسات وشاهد فتاتين ترتديان الخمار والجلباب وقيامهما باعتراض بعض الفتيات غير المحجبات في الشارع لدعوتهن لارتداء الحجاب ، المفاجأة هنا أن صديقه الذي كان يجلس بجواره وهو بالمناسبة مسلم أكد له أن هاتين الفتاتين يعرفهما جيدا لأنهما يسكنان بجواره في الحي العاشر وهما غير محجبات من الأصل ! وما أن لاحظتا وجوده حتي انصرفتا بسرعة ، والقصة تلقي بظلالها علي نظرية المؤامرة وأن ثمة مدفوعين لتنفيذ مخطط بعينه لإفشاء حالة من الخوف والذعر في المجتمع والتي تعرف "بالإسلاموفوبيا " . وإذا كان هناك من يخطط لهذا الأمر فإننا نرصد حالات حقيقية لبعض المتحمسين من أصحاب التدين المظهري الذين لا يمتلكون ثقافة أو معرفة دينية حقيقية قاموا بالفعل بتحرك حدثتنا عنه "سماح يوسف " وهي سيدة وأم لأربعة أطفال تقيم في منطقة الخصوص وتعرضت للمضايقة من أحد الملتحين في السوق أثناء شرائها لاحتياجاتها واعترض علي طريقة حجابها وتوعدها بأنه سيأتي اليوم الذي لن تخرج فيه من منزلها ، وعلي جانب آخر نستمع لقصة طريفة حدثت مابين جارتين في منطقة فيصل واحدة منهن منتقبة والأخري محجبة وشرفة كل منهما تواجه الأخري فطلبت الأولي من الثانية إغلاق شرفتها حتي تفتح هي شرفتها بسبب الحر الشديد ولا ترغب في أن يراها أحد داخل منزلها فاعترضت السيدة المحجبة وبدأ التراشق اللفظي بينهما يأخذ طابعا سياسيا حين قالت لها " إنت فاكرين نفسكم حتتحكموا فينا علشان وصلتوا للحكم " فما كان من المنتقبة إلا أن صعدت من لهجتها وقالت: "انتو لسه شفتوا حاجة" وهكذا تحول خلاف عادي ما بين جارتين إلي مناقشة سياسية حامية ، تنذر بما يمكن أن يحدث في الشارع المصري فهي مجرد إشارات تستدعي مواجهتها حتي لا تتضخم خاصة بعد القصة التي رواها لي شاب من سكان المعادي وقعت له أثناء وجوده في الميكروباص وتصادف جلوسه بجانب رجل ملتح بدأ يهمهم بكلمات مسموعة بالكاد عن وصول مرسي للحكم وضرورة إعطائه الفرصة وعدم الهجوم عليه مثلما يفعل بعض الليبراليين. كان صديقي مندهشاً من هذا التطفل، ولم يعره اهتماماً فما كان من الشخص الملتحي إلا أن تمادي في الكلام وبدأ بسؤاله السؤال التقليدي الذي يحرص علي أن يسأله أمثال هذا الملتحي لأي شخص لا يعرفونه في بداية أي حوار "إنت اسمك إيه؟" حتي يعرف إذا كان مسلماً أم مسيحياً!! وحينما علم من صديقي أنه مسلم، بدأ يتحدث معه عن ضرورة إطلاق المسلم للحيته وبخاصة بعد أن بات الحكم إسلامياً – حسبما قال له– ومن الضروي الاحتذاء برسول الله (صلي الله عليه وسلم) وحينما شعر أن صديقي هذا منزعج من طريقته في الحديث واختراقه لخصوصيته بادره بالقول "خلي بالك أنا مش إخواني"، فابتسم صديقي وقاله "واضح من لحيتك وحلقك لشاربك تماماً أنك لست إخوانياً.. أنت سلفي"، فقال الرجل الملتحي هذه سُنة عن النبي، مستشهداً بالحديث الذي يقول "حفوا الشوارب وأطلقوا اللحي"، فاعترض صديقي علي تفسيره لكلمة "حفوا الشارب" بأن المقصود بها حلق الشارب تماماً بالموسي كما يفعل بعض المتشددين، وقال له أظن أن هذا ما كان يفعله المجوس في الحروب مع المسلمين حتي يسهل عليها التعرف علي بعضهم البعض، وواجهه بحديث آخر جاء فيه "احفظوا ما بين لحييكم..." والمقصود به حفظ اللسان، وأن المعني هنا يدل علي أن الرجل تكون له لحيتين (الشارب وشعر الذقن) وبالتالي ليس للمسلم لحية واحدة كما قد يظن البعض، وأن تفسير الحديث أن تكون اللحية هي إطلاق شعر الشارب وشعر الذقن فقط علي طريقة أهل شبه الجزيرة العربية أو ما يعرف لدي الشباب ب"الدوجلاس" وليس إطلاق كامل شعر الوجه في الخد أو الصدغ.. وهنا بدت علامات الدهشة علي الرجل الملتحي وفر هارباً من الميكروباص ورفض استكمال الحوار مع صديقي واكتفي بعبارة واحدة "لابد من إحياء السنة وإطلاق اللحية.. وهذا ما سوف يحدث في الأيام القادمة بعد وصول د.مرسي للحكم"!! وتستدعي تلك الحكايات تحركا سريعا من المتخصصين لمواجهة ما قد يحدث في الشارع المصري في الأيام المقبلة حتي لا تندلع مشكلات تأخذ أبعادا مخيفة ويتفق معي في ذلك الدكتور محمود يوسف وكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة علي أن الشائعات ظاهرة طبيعية ولا يخلو أي مجتمع منها وخاصة في وقت الأزمات ولكن لابد من التعامل معها بأسلوب علمي سليم حتي لايترك المجال لبعض وسائل الإعلام التي ترغب في أن تلبي رغبة الجماهير وتقدم تفسيرات هي في كثير من الأحيان بعيدة عن الحقيقة وهنا لابد أن تقوم الجهات المختصة بتقديم المعلومات السليمة والصحيحة علي الفور ولا بد أن يكون هناك دور للمساجد والكنائس والمدارس والأسرة وكل المؤسسات في التوعية والتوضيح . هل تري دوراً للشباب في الفترة المقبلة يمكنهم من خلاله مكافحة الشائعات والتوعية وتصحيح الكثير من المفاهيم وخاصة في المناطق الشعبية وغيرها؟ هذا ممكن خاصة إذا خضعوا للتدريب والتوعية علي ذلك وأنا مستعد ومعي متخصصون في كلية الإعلام للقيام بتدريب الشباب من الطلبة والناشطين السياسيين والمجتمع المدني من خلال المراكز البحثية علي القيام بذلك الدور في حالة إذا طلبت منا جهة رسمية ذلك. ويري الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة بأن هذه المشكلة تحتاج إلي حسم قانوني من رئيس الجمهورية وإلي أن يقوم الناس أنفسهم إذا تعرضوا لمثل هذه المواقف بالإبلاغ فورا عنها وإذا لم يحدث ذلك فسيخرج الأمر عن السيطرة خاصة أن الدافع وراء ذلك السلوك هو دافع غرائزي وليس سلوكا دينيا مرتبطا بوجود وقت فراغ لدي هؤلاء . وتناشد الدكتورة منال زكريا أستاذة علم النفس بجامعة القاهرة الرئيس محمد مرسي بتأكيد خطابه حول مدنية الدولة وأن يشرع في سن قوانين لمواجهة من قد يعترض أحد في الطريق لمحاولة فرض رؤية ما علي امرأة أو رجل خاصة أن كثيرين قد أدلوا بأصواتهم في الانتخابات علي أساس ديني حتي أنني سمعت بنفسي أحد الأطفال من سكان منطقة شعبية يردد شائعة شديدة الغرابة تقول " أن أحمد شفيق مسيحي" وهي كلمات تعكس قوة الشائعة حتي ولو كانت بعيدة عن التصديق تماما ، ولأن المناخ مهيأ لاستقبال الشائعات فلا بد من مواجهتها بقوة وسرعة حتي لا تملأ الشارع المصري مشاحنات يومية تدور حول العقائد والحريات والسلوكيات .