لقاء شيخ الأزهر مع رئيس مكتب المصالح الإيرانيةبالقاهرة تبدو العلاقات بين مصر وإيران متشابكة ومتداخلة وفي نفس الوقت ضرورية وملحة، فمصر أكبر الدول العربية تأثيرا وحجما بالإضافة إلي مرجعيتها السنية الأكبر في العالم ممثلة في الأزهر الشريف، وإيران زعيمة العالم الشيعي وإحدي القوي الكبري في العالم الإسلامي، كان طبيعيا أن تكون العلاقات بين القطبين العربي والفارسي محور الكثير من الأحاديث في عاصمتي البلدين، لذلك سيكون ملف العلاقات مع إيران في انتظار الرئيس القادم إما أن تواصل سيرتها الأولي من التجميد أو يعاد إلي دفئها الشيء الكثير. العلاقات بين القاهرة وطهران تاريخية منذ قبل الميلاد، وشهدت دورات من الصعود والهبوط التاريخي مرات ومرات، إلا أنها تمر منذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979م، بمرحلة من الجمود والثبات بعد قطع العلاقات وتبادل الهجوم بين زعماء البلدين وهي برودة عرفتها العلاقات طوال عصر الرئيس السابق حسني مبارك، لكن رغم ذلك فما تزال العلاقات تحت السطح عميقا تجري علي مستويات عدة بين الدين والاقتصاد. كان أحد أبرز محاور العلاقات بين مصر وإيران التنسيق بين مرجعيات الأزهر وقم في ملف السنة والشيعة، وهو الملف الذي تلقي ضربة في الأيام القليلة الماضية بعد توتر بين شيخ الأزهر الشريف والشيعة عموما بعد بناء عدد من الحسينيات الشيعية (أماكن خاصة بتجمعات الشيعة) في مصر. مساعي الجمهورية الإسلامية في إيران لاحتواء غضب المرجعية السنية الأكبر في العالم، تواصلت علي مدار الأسبوع الماضي وكان أبرزها استقبال الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، مؤخراً رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانيةبالقاهرة السفير مجتبي أماني، لبحث عدد من الملفات الشائكة علي صعيد العلاقات بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي في أعقاب إعلان الأزهر الشريف موقفه الرافض لبناء الحسينيات الشيعية في مصر وتجسيد الرسول الكريم ([) في الأعمال الدرامية. وشدد شيخ الأزهر علي حرمة تجسيد شخص النبي صوتا وصورة، وهو ما رد عليه السفير أماني بأن موضوع تجسيد النبي في الفيلم المزمع إنتاجه في إيران غير صحيح، وأطلع الإمام الأكبر علي فتوي علماء إيران بتحريم تجسيد شخص النبي ([)، في أي عمل فني.. وجدد الإمام الأكبر تأكيده علي رفض الأزهر لإقامة أي حسينية علي أرض مصر باعتبارها زعزعة لاستقرار الوطن، وشقا لوحدة الصف، وإضعافا للنسيج الوطني. مضيفا: "المصريون هم أكثر شعوب الأرض حبا واحتراما وإجلالاً لآل بيت رسول الله،([) ولا يزايد علينا أحد في هذا الأمر". إلا أن السفير الإيراني أنكر من جهته إنكارا تاماً أي تدخل إيراني في إقامة أي حسينيات في مصر، لأن بلاده تحرص علي إقامة علاقات أخوية بين الشعب الإيراني والمصري. اللقاء جاء لاحتواء الأزمة بين الأزهر الشريف والشيعة عموما، في وقت واصلت العلاقات تدهورها بعد مخاوف سنية من مد شيعي بدعم إيراني في المنطقة العربية، وهو اتهام وجهه صراحة شيخ الأزهر لإيران علي خلفية أحداث البحرين العام الماضي، فيما كان رفض شيخ الأزهر لفكرة تجسيد الرسول (صلي الله عليه وسلم)، في فيلم إيراني سببا أخر في توتر ملحوظ بين مرجعيات الأزهر وقم. وعلي صعيد العلاقات الاقتصادية، تسعي إيران بعد الثورة المصرية إلي اختراق الأسواق المصرية وتنفيذ عدد من المشروعات في مصر بعد هروب عدد كبير من الاستثمارات الأجنبية من البلاد عقب الثورة المصرية. ومع بروز أزمة الجيزاوي علي الساحة وسحب السعودية سفيرها من مصر، وتهديدها بسحب الاستثمارات، زاد ذلك الأمر من تودد المسئولين الإيرانين للحكومة المصرية ورغبتهم في ضخ استثمارات في مختلف القطاعات، مما يطرح التساؤلات حول مستقبل علاقات مصر الاقتصادية مع إيران مع تولي الرئيس الجديد. وتشمل قائمة المشروعات التي تخطط إحدي الشركات الإيرانية لتنفيذها خلال الفترة المقبلة، الحصول علي حقوق امتياز للتنقيب والكشف عن الغاز والبترول في الصحراء الغربية وإنشاء معمل للتكرير، كما تسعي الشركة إلي إنشاء مصنع لتعبئة أسطوانات البوتاجاز في بني سويف، إضافة إلي وجود خطة لإنشاء مصنع لتجميع وتجميد وحفظ اللحوم السودانية بتكلفة استثمارية تتجاوز 500 مليون دولار، وهي إحدي الشركات التي تأسست نهاية العام الماضي برأسمال إيراني 100 مليون دولار.. كما طلب عدد من المستثمرين الإيرانيين تخصيص قطعة أرض بإحدي المناطق الصناعية لتجميع السيارة الإيرانية "سمند" في مصر بالاتفاق مع الشركة صاحبة العلامة التجارية "إيران خضرو" لصناعة السيارات، بتكلفة استثمارية تبلغ بنحو 80 مليون دولار.. ووفقا لتقارير حكومية مصرية، أكدت أن حجم الاستثمارات الإيرانية في مصر وصل إلي 331 مليون دولار وذلك من خلال 12 شركة مسجلة بالهيئة العامة للاستثمار منذ عام 1974 وحتي عام 2010. وتتمثل الاستثمارات الإيرانية في مصر في مجموعة من المجالات مثل شركات للغزل والنسيج في المنطقة الصناعية بشمال خليج السويس بتكلفة 400 مليون جنيه، ومصنع مشترك لإنتاج الأسمنت في محافظة بني سويف بطاقة 1.3 مليون طن واستثمارات تتجاوز 226 مليون دولار يساهم الجانب الإيراني فيها بنحو 50 بالمائة. بالإضافة لمشروع مصري إيراني سعودي مشترك باستثمارات تتجاوز 200 مليون دولار في مجال إنتاج البتروكيماويات. ومن جانبه، يري الخبير الاقتصادي الدكتور مختار الشريف أن العلاقات المصرية الإيرانية كانت ضعيفة جدا في عهد النظام السابق، ولم تكن تحظي باهتمام كبير خوفا من انتشار المد الشيعي في مصر. مشيرا إلي أنه في حال دخول استثمارات إيرانية إلي البلاد سيساهم ذلك في دعم الاقتصاد المصري لأن إيران قوة اقتصادية كبيرة، كما أن الاستثمارات الإيرانية في مصر سوف تتركز في المقام الأول علي قطاع الصناعة.