نخر الوسوس في عظام الدولة المصرية الرائدة للإنسانية! طبقات من الفساد البشري، والغش النفسي يتمدد كالسرطان الوحشي من القمة للقاع، حتي صار نبشه لعلاج الجذور الآسنة عسرا بالغا وإيذانا بالتحلل الوشيك! أزاحت الثورة قمة الفساد، وبقيت تلابيبه سارية المفعول.. تكاد الثورة في هذه الحالة الجسيمة أن تسكن سطرا فقيرا في التاريخ وترتدي ثوب الحداد علي روحها المسحوقة.. البحث عن المجرم الذي وأدها قبل أن تكتمل، مرهون بالمواجهة العفية والمحاسبة الجدية والعقاب العلني.. وفي ظل التربص المنتظم بالثوار، وإفراغ طاقة الغضب في تبادل الاتهامات وإنكار كل طرف لدوره المسيء وأخطائه، تصبح الثورة ذكري قصيرة العمر كالجنين الذي مات في رحم مصر! كل شيء يبعث علي الحسرة.. الإعلام الرسمي الذي يبحث عن صنم جديد يؤلهه بعد مبارك ونظامه! والإعلام الخاص يتسمر في منطقة حذرة بين الجبن والشجاعة! بعضه يتبني الثورة بإخلاص، وبعضه يفتعل الثورية، وفي باطنه »فلولية« مستحكمة تعبر عن أصله!.. والناس تائهون بين الوجوه الإعلامية المتخبطة، لا يملكون بحكم التغييب والتجهيل الممتد لسنوات فاقت الثلاثين أي وعي انتقائي وفكري للحكم السوي علي »السوس« المبثوث في معظم الفضائيات الشائنة! ورغم ذلك، تظل بعض المواقف السياسية للمفكرين المحترمين أمثال د. عبدالحليم قنديل رئيس تحرير صوت الأمة والمتحدث الرسمي باسم حركة كفاية، تمثل بؤرة الضياء والنماء للمسار الثوري المتعرقل.. فمن المعروف أن د.قنديل صاحب كتاب »كارت أحمر للرئيس« الذي صدر ضد مبارك في عصره، هو أحد أقوي المفكرين الذين لم يرهبهم اختطاف عصابة سوزان مبارك وابنها جمال له، وتهديده وضربه وإلقاؤه عاريا في صحراء المقطم! كان هذا التنكيل سببا أقوي في استمرار د.قنديل معارضا عتيدا للنظام السابق وللحكم العسكري التالي كاشفا بجرأة وقوة وجسارة كل أخطاء المجلس العسكري وتيارات الإسلام السياسي كونهما اللاعبين الأساسيين علي الساحة.. يؤكد د.عبدالحليم قنديل في كتاباته الحالية وأحاديثه في القنوات الفضائية المحترمة أننا لم »نكنس« نظام مبارك وأنه يراد للبناء الجديد أن يكون علي ركام النظام السابق! وفي إطار الدعاية الانتخابية لمرشحي الرئاسة، تاه الناخبون بين الشكل البراق والمضمون الأعرج، ليتسلح من يريد بأقوال المفكرين أمثال د.قنديل ود.حسام عيسي أستاذ القانون، ود.حسن نافعة وغيرهم ممن واجهوا بلادة النظام السابق وخلل الأحداث الجارية التي تفتقد للرؤي الناضجة وآفاق التنمية المطلوبة لتحصين المواطن ضد تعسف السلطة المرتقبة إذا نشأت علي أطلال النظام الساقط! قدم المرشحون أنفسهم متكئين علي جاذبية الفن الغنائي بأشكال تلائم توجهاتهم، كما أن الدعاية الإعلانية المتلفزة الجذابة طرحتهم للناخب البسيط لكنها لم تمنحهم ثقة النخبة المثقفة الواعية التي تبحث في برامجهم الانتخابية عن الإنقاذ الفوري للوطن من عثرات السنين الفائتة.. وفي مواكبة مدهشة للدعاية الانتخابية الرئاسية، تعرض إحدي القنوات الفضائية المصرية المسلسل التركي التاريخي »حريم السلطان«، الذي يعتبره بعض الإسلاميين أداة جذب جماهيري تصب في مصلحة الترويج لفكرة الدولة الإسلامية الكبري! ويرون في أروقة البلاط العثماني للسلطان سليمان القانوني سحرا وروعة تسيل لعاب الرجال المشتاقين لعصر الحريم، وفخفخة العيش الذكوري وسط غابة من النساء! يحلم رجالنا الأشاوس بعودة الخلافة وبصعود الإسلاميين إلي سدة الحكم، وانتشار الحريم مثيلات الجارية الروسية الشهية هيام حبيبة السلطان، ومعشوقته التي تشبه قطعة الملبن التركي! وبينما يهيم رجال العرب بهيام، ويؤيدون صعود التيار الإسلامي كي يستنسخها، يتبرأ الجمهور التركي من تركيز المسلسل علي الجانب الحسي الشهواني في حياة السلطان سليمان، الذي شهدت الدولة العثمانية رخاء وبهاء وفتوحات جليلة في عصره، كان أحري بالمسلسل المصنوع للتصدير إلي العالم العربي أن يطرحها ويركز عليها، لولا شروط التسويق التجاري، والنفسية الذكورية العربية المولعة بالغرائز! ❊ ❊ ❊ متي ترحمنا عدالة السماء من تنزيه وتأليه ورفع الرئيس الحاكم إلي مرتبة تفوق القديسين؟! إن الآفة السامة المذكورة تتم بشيطانية متعمدة، وتخطيط جهنمي تسهر عليه آلة فاسدة من بطانة الرئيس الحاكم وحلقة المنتفعين من سلطاته.. وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية المتواطئة والشريكة في حماية الصنم الجديد، يتم حصار الشعب وقهره!.. الحل في دستور محترم يكبل أيادي الفاسدين، ويضع الرئيس في خدمة الشعب بصلاحيات مدروسة ومحددة.. الحل في دستور يشارك في صياغته أسماء وقورة مثل الفقيه الدستوري د.إبراهيم درويش ود.محمد نور فرحات ورموز فكرية رشيدة ووطنية ومحايدة.