نجحت السينما والدراما التليفزيونية باقتدار في رصد كل القضايا والمشاكل من داخل قلب ونبض المجتمع، وكان لها نصيب وافر في التناول الدرامي.. ولكن علي اعتبار أن كتيبة المؤلفين والمخرجين والمنتجين تعلموا واستفادوا كثيرا من أفلام هوليوود خاصة التي تعرضت لقضايا العمال وقضايا التنظيم النقابي والإضرابات من أجل نيل حقوقهم، لذا كان طبيعيا أن يستغلوا فرصة الاحتفال بمناسبة عيد العمال وينطلقوا داخل ماراثون الإبداع لتقديم باكورة أعمال فنية تتناول حياة العمال ومشاكلهم ولحظات الصراع والكفاح والانتصار لقضاياهم منذ نهاية الثلاثينيات وحتي فترة التسعينيات وما بعدها ومنها علي سبيل المثال أفلام: العزيمة - ابن الحداد - لو كنت غني - دايما معاك - الأرض - باب الحديد - الأيدي الناعمة - عائلة زيزي - الحقيقة العاربة - للرجال فقط - مراتي مدير عام - أفواه وأرانب - حب وكبرياء - أبوكرتونة - فتاة المصنع.. ومسلسلات كثيرة منها ليالي الحلمية كان لها عظيم الأثر في إحداث ثورة بين العمال للمطالبة بحقوقهم الضائعة، إلا أنه لوحظ في الفترة الأخيرة اكتفاء كتيبة صناع الدراما مع قرب الاحتفال بعيد العمال.. بعرض الأعمال الفنية التي أشرنا إليها، ولم يعودوا حتي للتفكير في تقديم الجديد في هذا المضمار.. فلأي الأسباب يرجع ذلك.. وما هي الحلول المطروحة لفك خيوط هذه الأزمة؟.. السينما تركت قضايا العمال وبحثت عن أفلام الرعب والقتل والثأر والأمراض النفسية الملك فاروق منع عرض فيلم »العامل» »باب الحديد» قدم صورة واقعية لحياة عمال القطارات.. و»أبوكرتونة» حارب فساد الإدارة وفي البداية مع حلول عيد العمال من كل عام يتابع عشاق الدراما أفلاما متميزة نجحت في الغوص داخل حياة العمال ومشاكلهم الرئيسية وحتي الانتصار لقضاياهم بالعزيمة والكفاح وخصوصا التي دار نسيج أحداثها فترة نهاية الثلاثينيات ومنها فيلم العزيمة الذي تم إنتاجه عام 1939 وتناول مشاكل الحياة الاجتماعية للطبقة المتوسطة وقدم تجسيدا لحالة البطالة التي كان يعاني منها المجتمع في ذلك الوقت والفيلم بطولة حسين صدقي وفاطمة رشدي وأنور وجدي وماري منيب. وهناك أيضا فيلم ابن الحداد الذي قدم فيه يوسف وهبي قصة من تأليفه وإخراجه حكاية مهندس ابن عامل بسيط نجح بكفاحه في امتلاك عدة مصانع.. وتزوج ابنة أحد الباشوات.. ولم يتوقف لحظة في الإغداق المادي عليهم ولكنهم تناسوا ذلك.. واضطر للجوء لحيلة إشهار إفلاسه وتباعا واجهت عائلة زوجته الإفلاس.. واضطرت زوجته للعيش معه في غرفة متواضعة للغاية.. وعندما أيقن أن التجربة أفهمتها الحياة.. كشف لها أنه مازال رجلا ثريا.. وهناك فيلم »الورشة» الذي لعب علي وتر دور المرأة في العمل، والفيلم اخراج استيفان روستي.. وبالنسبة لفيلم »النظارة السيوداء» فهو من أهم الأعمال التي ركزت علي مشكلة إصابة العامل وعلاجه.. ومن الأفلام التي أبرزت دور المرأة العاملة فيلم »للرجال فقط» الذي لعب بطولته سعاد حسني ونادية لطفي وإيهاب نافع وحسن يوسف والفيلم سيناريو وحوار محمد أبوسيف وإخراج محمود ذو الفقار.. وعلي نفس الخط يأتي فيلم.. »مراتي مدير عام» الذي تناول فكرة بث روح العزيمة في نفوس العمال وتجسيد الروح الطيبة بين أفراد العمل من المدير وحتي أصغر موظف.. وقدمت فيه الفنانة الراحلة شادية نموذجا لشخصية المديرة وشاركها البطولة صلاح ذو الفقار، كما يظهر فيلم »حب وكبرياء» دور المرأة التي تقف لتدير مصنع زوجها أثناء سفره بعد جرح كبريائها من أقارب لها مسئولين عن توريد القماش للمصنع.. وهناك فيلم »الحقيقة العارية» الذي نقل تجربة العمل في السد العالي الذي يعد مشروعا نموذجيا لفهم قيمة العمل في بناء تاريخ الشعوب، ومثلما تناولت السينما قضايا ومشاكل العمال ورصدت دور العامل البسيط والفلاح.. ومن منطلق أن الفلاح هو أيضا عامل يخدم وطنه ومجتمعه قدم المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين فيلم »الأرض» الذي ناقش معاناة الفلاح المصري ضد الظلم.. وهو يتمسك بأرضه ويفديها بدمه. والفيلم يعتبر من أهم الأعمال المصرية في تاريخ السينما. وعلي غرار إظهار دور المرأة في العمل كفلاحة في الأرض ومهاراتها وإخلاصها قدم لنا الكاتب سمير عبد العظيم فيلم »أفواه وأرانب» من سيناريو وحوار.. ولعب بطولته فاتن حمامة ومحمود ياسين وفريد شوقي. وهناك أيضا مجموعة أفلام تناولت حياة العمال ومشاكلهم والصمود في مراحل الصراع حتي الحصول علي حقوقهم.. منها فيلم »لو كنت غني» إنتاج عام 1948.. تمثيل بشارة واكيم - إحسان الجزايرلي - عبدالفتاح القصري، وفيلم »دايما معاك» إنتاج 1954 تمثيل فاتن حمامة محمد فوزي عبد الوارث عسر سيناريو وإخراج بركات، وفيلم »بين إيديك» الذي لعب بطولته ماجدة وشكري سرحان وعلوية جميل وعبدالفتاح القصري والإخراج ليوسف شاهين، وفيلم »عائلة زيزي» قصة وسيناريو لوسيان لامبير وحوار السيد بدير ولعب بطولته سعاد حسني - فؤاد المهندس - عقيلة راتب - أحمد رمزي وإخراج فطين عبدالوهاب.. وبالطبع كل المشاهدين لا ينسون كلمة الراحل فؤاد المهندس الشهيرة »ياحلاوة الماكينة بتطلع قماش». كما يأتي فيلم »الأيدي الناعمة» المأخوذ عن مسرحية للكاتب الكبير توفيق الحكيم تحمل نفس الاسم.. ليؤكد علي أهمية العمل من خلال قصة نزع أملاك أحد الأثرياء بعد ثورة يوليو 1952 ويفلس ولا يبقي له إلا قصره ويتعرف بشاب حاصل علي درجة الدكتوراه ولكنه عاطل، ويقترح علي الأمير تأجير القصر مفروشا.. في وقت لم يكشف الأمير أن له ابنتين ينكر وجودهما لكون الكبري تزوجت من مهندس بسيط والصغري تبيع لوحاتها التي ترسمها.. وتحدث مفارقات بناء علي خطة رسمها الدكتور مع الابنتين وزوج الكبري.. تأتي بثمارها يترك علي أثرها الأمير عزلته وإفلاسه، والفيلم لعب بطولته أحمد مظهر - صلاح ذو الفقار.. مريم فخر الدين صباح. ويجب ألا ننسي فيلم »باب الحديد» الذي تم إنتاجه عام 1958 الذي تناول جانبا من حياة العمال في القطارات وبائعي الجرائد.. والفيلم مأخوذ عن قصة وسيناريو الكاتب عبد الحي أديب وحوار محمد أبوسيف ولعب البطولة يوسف شاهين - هند رستم - فريد شوقي - حسن البارودي. وأيضا هناك فيلم »أبوكرتونة» الذي تناول مشاكل عمال المصنع وكواليس الفساد في الشركات، والفيلم لعب بطولته محمود عبدالعزيز وأحمد عبدالوارث، سماح أنور، سعاد نصر.. ولم تتوقف هذه الموجة من الأفلام حتي بعد نهاية عصر التسعينيات حيث قدم المخرج الراحل محمد خان فيلمه »فتاة المصنع»، رصد فيه قضايا مشكلات عاملات مصانع الملابس والأقمشة والفيلم لعب بطولته ياسمين رئيس وسلوي خطاب.. وعلي الجانب الآخر فقد تناولت الدراما التليفزيونية قضايا العمال وحقوقهم مثلما حدث في مسلسل »ليالي الحلمية» من خلال الشخصيات المحورية التي كتبها الراحل أسامة أنور عكاشة وقدمها بصورة رائعة في العمل من خلال الأسطي زكريا والأسطي شاهين والأسطي متولي عمال مصانع البدري. وعن سر ابتعاد السينما والدراما التليفزيونية عن تقديم أعمال تتناول حياة العمال ومشاكلهم والانتصار لقضاياهم يقول المخرج حسني صالح: هو لجوء الأجيال الجديدة من المشاهدين إلي السينما العالمية لما وجدوه فيها من متعة وتنوع في المحتوي المقدم بين الكوميديا والرعب والرومانسية والأكشن، وهذا الأمر نبه المخرجين وكتاب القصة والسيناريو لاهتمام دور العرض السينمائية لعرض هذه النوعية من الأفلام ولهذا ابتعدت كتيبة العمل الفني عن تقديم أعمال مرتبطة بقضايا ومشاكل العمال. ويري المؤلف عبدالرحيم كمال أن غالبية المنتجين باتوا يتسابقون لتقديم أفلام الرعب لإنعاش السينما ووصل الأمر لتقديم أكثر من مائة فيلم بتقنيات جديدة تتناول قضايا هامة وشائكة وهي تجارة الأعضاء ولذا ابتعدت السينما منذ مطلع الألفية الجديدة عن التنوع في الأفلام وحصرت نفسها في قوالب محددة منها أفلام الرعب وتجارة الأعضاء. ويتساءل المخرج إبراهيم عفيفي: لماذا لا نبحث عن فيلم »العامل» ويعاد عرضه لكونه تعرض بجرأة لحياة العمال وهذا الفيلم شاهده الملك فاروق وأصدر أمراً بمنعه من منطلق أنه يحدث ثورة بين العمال للمطالبة بحقوقهم في ظل ما كان يعانيه العامل في تلك الفترة وبسببه تم تعديل القوانين الخاصة بالعمل. والفيلم إنتاج 1943 بطولة حسين صدقي وفاطمة رشدي وإخراج أحمد كامل مرسي، وهذا الفيلم تم إيقاف عرضه بناء علي أمر الداخلية، ولذا فمن الواجب علي المؤلفين أن يجيدوا الإبحار في قضايا ومشاكل الناس والعمال لكونهم عصب الحياة داخل المجتمع. ويرفض المخرج محمد سامي كلمة وجود أزمة في تناول قضايا العمال ومشاكلهم في الدراما السينمائية أو التليفزيونية، ويري أن فيها كثيرا من المبالغة ربما تكون كلمة مشكلة أكثر ملاءمة والمشكلة التي تواجهها الدراما تتعلق بالحرية، ويتصور أنها لو توفرت لتحقق الإبداع ووجد مجالا كبيرا ليعلن عن نفسه، وبدون مبالغة يتصور أن لدينا مشكلة في الحرية ومشكلة في الإبداع حيث انصرف معظم المؤلفين والمخرجين والمنتجين وحتي الفنانين لأعمال استهلاكية كان بعضها متواضعا جدا، ويتصور من خلال تجربته الإخراجية أن هناك طردية بين الحرية والإبداع ويعتقد أنه طالما أن الحرية إذا توفرت فلابد أن يزيد الإبداع ولا حجة لكتيبة صناع الأعمال الفنية في أن يقدموا أفضل ماعندهم حيث يحلِّق خيالهم بدون قيود. ويشير المؤلف والسيناريست بشير الديك إلي أنه عندما بدأت موجه الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات ثبت أن أي عمل لا يأتي بمردود مالي سريع لا يتم الاهتمام به وبعدها بدأت موجة سينمائية خاصة بهدف جمع الأموال فقط.. ومن هنا وضح أن كل مبدع لا يفكر ماذا يورِّث لأولاده غير المال، والقضية ليست فقط في السينما والتليفزيون لكنها في مستوي الثقافة في مصر فلم يعد المبدع يفكر أن أبناءه لهم خلفية ثقافية أو تاريخية لكن كل همه الآن جمع المال. ويختتم الفنان القدير صبري عبدالمنعم الحديث عن هذه الظاهرة ويقول: إن دور القطاع العام في الفترة الزمنية السابقة تواري عن الانظار ولذا فإن النتيجة الطبيعية ألا يكون هناك اهتمام بالعمل أو العمال.. وفي السنوات الأخيرة اعتمدنا علي استيراد أشياء كثيرة في مجال السينما من ناحية الأدوات الكهربائية وأجهزة الصوت والإضاءة والإكسسوارات وأجهزة الديكور والشاريوهات والملابس وأشياء أخري، ولكني أود الإشارة لحدوث شيء أسعدني منذ أيام قليلة حدثت أخبار سعيدة ستعود بالخير علي المجال الفني والإنتاج وكل ما يتعلق بهذا المجال.. حيث تمت الموافقة علي مشروع ضخ أموال لشركات الغزل والنسيج علي مستوي الجمهورية، وهذا بدوره يعتبر بشري خير جميلة ستعم بالفائدة لدوران عجلة الإنتاج.. كما أن هناك محاولات أيضا لضخ أموال لشركة الحديد والصلب لإعادة الحياة إليها وأيضا شركة النصر لصناعة السيارات التي أبرمت اتفاقا مع شركة نيسان للسيارات وشركة أخري روسية، وسيتم إعادة تشغيل ودوران عجلة إنتاجها.. وكذلك تم ضخ أموال لمصنع »سيماف» التابع لهيئة سكك حديد مصر لاسترداد عافيته، وإعادة عزفه علي أوتار النجاح المعروف عنه، ومن هنا يتضح أن الصورة التي تمزقت في يوم من الأيام.. سيتم تصحيحها وستعود الأمور الإنتاجية لطبيعتها بعد رجوع قلاع الصناعة لسابق عهدها في العمل.