وانتهت حكاية أثر .. خلصت حدوتة سوق العنبريين.. سقط من التاريخ وانتصر الفساد الذي يهدم حضارة الأمم، انتهت حكاية أثر علي يد جرافة صماء، ويا تري ما محطتها القادمة؟.. هل تكون وكالة الجلابة أم حمام الطنبدي؟.. فكل الظروف مهيئة لذلك. بات كل هذا التاريخ معرضا للزوال طالما لا يوجد من يحافظ عليه أو يهتم به، وطالما وجدت البيروقراطية التي تعري القاهرة من تراثها، خصوصا القاهرة التاريخية، والتي يحوي كل ركن فيها كتاباً مسطوراً من التاريخ بقصص وحكايات من الزمن الجميل، الغريب في الأمر أنه لم يتم محاسبة المخطئ او المتآمر علي تاريخ القاهرة الإسلامي. يمثل شارع المعز لدين الله المحور الرئيسي لآثار القاهرة الفاطمية بما يضم من آثار متنوعة متمثلة في الأسوار والأبواب والمساجد والمدارس والأسبلة والكتاتيب والوكالات والخانات والقصور والمنازل والحمامات وجميعها ترجع إلي عصور مختلفة بداية من العصرالفاطمي عندما أرسل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله قائد قواته جوهر الصقلي لفتح مصر في عام 358 ه/ 969م ولذلك فعمره يربو علي ألف وأربعين سنة ممتداُ من باب الفتوح شمالاً حتي باب زويلة جنوباً ليضم بين جنباته 33 أثرا ولهذا فهو أعظم شارع قي عالم الآثار الإسلامية لا مثيل ولا ند له. عندما كانت الآثار تتبع وزارة الثقافة أولي فاروق حسني وزير الثقافة حينذاك اهتماما بالقاهرة التاريخية وتطويرها وترميمها ليكون متحفاً مفتوحاً للزائرين حيث تم ترميم جميع الآثار بالشارع ترميماً متكاملاً بالإضافة إلي ترميم وتطوير كامل لشارع المعز ليؤكد علي الطابع العمراني الفريد للمكان وعناصره الوظيفية والجمالية والبصرية مع تحقيق عوامل الراحة والأمان للزائرين. وتعد وكالة العنبريين، إرثا حضاريا يرجع إلي القرن التاسع عشر، وقد بناها السلطان قلاوون كي تكون سجنا، حوّله العثمانيون لوكالة لصانعي العطور، وأضحي سوق العنبريين مكانا هاما للتسوق في مصر، يقصده المئات يوميا ويشغل العديد من العائلات. الدكتور حجاجي إبراهيم، من علماء الآثار الإسلامية، عمل لفترة طويلة عضوا في اللجنة الدائمة للآثار، وبسبب مواقفه الرائعة تجاه آثار القاهرة التاريخية استبعدوه، سألناه عن حكاية المقاصيص والجلابة والصنادقية والمسافر خانه وعلاقاته بوكالة العنبريين، فرد بحزن وقهر وقال "حرقوا المسافر خانه، والصنادقية ودخلوا علي العنبريين، الخوف علي وكالة المقاصيص ووكالة الجلابة من الهدد، بيتحايلوا علي القانون لهدم الآثار". وشرح: "وكالة العنبريين لها رقمان رقم 88 ورقم 84 بشارع المعز وأمام خضر العطار وبجوار الأشرف برسباي، الوكالة يطلق عليها وكالة يعقوب أو الخواجة يعقوب، وأيضا فرحات الحناوي لأنه يبيع الحناء، ويطلق عليها وكالة يوسف المواردي، لأنه يبيع ماء الورد، هذا المبني كان في الأصل سجنا، وهذا حدث من قبل للفيلا رقم 29 وأطلقوا عليها فيلا رقم واحد للتضليل وهذا رقم قسم شرطة الهرم، هذة الفيلا تتبع الآثار الإسلامية تم هدمها وسرقة آثارها الإسلامية بعد تحويل بعض المقتنيات الأثرية إلي متحف الحضارة ومتحف رشيد وليس لها علاقة برشيد أصلا، رغم أن الآثار التي بداخلها تخضع للمتحف الإسلامي". وعن حكاية السجن الذي تحول إلي وكالة العنبريين، قال إنه منذ ما يزيد علي 900 عام وبالتحديد في عام 517 هجرية وضعت اللبنة الأولي في هذا المبني القديم بعد أن أكمل الفاطميون إنشاء مدينتهم الملكية بأسوارها وبواباتها وقصورها ومساجدها، ولم يكن ينقصها كما تقول كتب التاريخ سوي (حبس المعونة) أو السجن في لغتنا الحالية ويمر التاريخ علي المكان وتوالي استخداماته من سجن إلي سوق للعطور ثم عدة أرباع تعلو السوق ثم وكالة شديدة الجمال في عهد محمد علي باشا، وسجن فيه المؤيد شيخ. ويكمل حجاجي، إذا عملنا حفائر سنعثر علي سراديب السجن، شيخ المؤرخين العرب، وتقي الدين المقريزي (1364- 1442) في إحدي مؤلفاته تطرق إلي سوق العنبريين بقوله إنه "كان في الدولة الفاطمية مكانه سجن لأرباب الجرائم يعرف بحبس المعونة، وكان شنيع المنظر ضيقا لا يزال من يجتازه يجد منه رائحة منكرة، فلما كان في الدولة التركية وصار قلاوون من جملة الأمراء الظاهرية، صار يمر من داره إلي قلعة الجبل علي حبس المعونة، فيشم منه رائحة رديئة ويسمع صراخ المسجونين وشكواهم الجوع والعري والقمل"، وعندما جاء الناصر بن قلاوون لم يهدمه بالعكس عمل وكالة لكي تفوح منها رائحة جميلة وأطلق عليها وكالة العنبريين من كثرة العطور والروائح التي تباع هناك. يتوقف حجاجي أمام مسرح "الدراويش" جلال الدين الرومي، ويقول إنه كان نفس حال وكالة العنبريين وكان غير مسجل في الآثار ويتذكر أن البعثة الإيطالية قامت بترميم هذا الأثر عام 1977 وانتهت منه عام 1988 وفعلا سجن المسرح تبع الآثار، لكن الآثار نسيت أن تضيفه في الفهرس الخاص بالتسجيل، مؤكد أنه قام بتسجيله بنفسه، وحتي الآن لم ينزل تسجيله وهذا عيب مفتش الآثار الإسلامي. ويتذكر أن رئيس قطاع الآثار الإسلامية حينذاك الدكتور سيد عبد العليم وكان أمين عام المجلس الأعلي للآثار الدكتور الراحل عبد الحليم نور الدين، وحدث في اللجنة الدائمة أن مفتش آثار إسلامي طالب بإزالة البيت رقم 400، وأنا قلت لا.. لأن هناك في حاجة اسمها علاج وصيانة وحفظ أو إعادة بناء، المهم عرفت أن هناك مفتشة آثار كتبت المذكرة لأن هذا البيت بيجيب ناموس في بيت أهلها الذي يقع أمامه، بعد أسبوع عملنا لجنة ووجدنا أنه بيت أثري فريد من نوعه ولا بد من التمسك به. أضاف، في يوم من الأيام كانت هناك وكالة الصناديقية في خان الخليلي وهناك دكتور صاحبي قال لي فيه واحد قريبي عايز يعمل فاترينة بجوار هذا المكان، فكلم مفتشي الآثار هناك حتي يسهلوا له العملية، لكنني فوجئت أنه هذا الشخص عمل ماهو أكثر من ذلك، وجدته جايب حجة من وزارة الأوقاف في ذلك الوقت مزورة بتقول هذا المكان يعود لجدته، وبعد ذلك أخذ ورقة من مدير عام آثار من منطقة أخري بأن هذا المكان ليس أثرا، عموما رحت بلغت الدكتور عبد الحليم نور الدين بالواقعة بوجود رئيس قطاع الآثار الإسلامية في ذلك الوقت الدكتور فهمي عبدالعليم وكان موجودا أيضا الدكتور فتحي خورشيد، ووجد أن مدير المنطقة الأثرية قال للدكتور عبد الحليم إن الدكتور حجاجي بيبالغ في الموضوع، لكنني قلت لهم إن وكالة الصناديقية سوف تهدم خلال 10 أيام، وفعلا بعد أسبوع دخلت الجرافة إلي الوكالة لهدمها. ولكن كيف عرفت أنهم سيهدمون وكالة الصنادقية خلال 10 أيام؟.. قال: "لو شخص امتلك ورقة بأن الأهرامات ليس أثرا،سوف يهدها في نفس اليوم". ويؤكد الحجاجي، أنه في عهد الدكتور جاب الله كانت كارثة المسافر خانه التي كان يجلس عليها الفنانون وهو المكان الذي ولد فيه الخديو إسماعيل، ولكنه تعرض إلي إهمال مقصود من بعض أصحاب المصالح لبناء مول تجاري. انتهي بحريق المسافر خانه، لكن رئيس هيئة الآثار وعد ببنائه ولم يتم أي شيء حتي الآن. وعن تخوفه من أن يحدث هدم لمبانٍ أخري إسلامية، قال: "الآثار الإسلامية ليست أقل من الآثار المصرية، وكيل نيابة شارع المعز في صف الإبقاء علي المكان دون هدم وكذلك رئيس قطاع الآثار الإسلامية السابق، وأنا أنادي احذروا الدور علي وكالة "تغري بردي" ووكالة الجلابة، والمقاصيص، حتي الآن لم يتم محاسبة الذين نقلوا المنابر ومن نقل الأبواب الأثرية، لم يحاسبوا الذي وضع الرخام في بيت رمضان الأثري برشيد مما أدي إلي انهياره، من أدانتهم النيابة تم ترقيتهم إلي رؤساء آثار.