تعليق النووى الكورى مقابل المساعدات بالأمس القريب كانت كوريا الشمالية من الدول المعادية للولايات المتحدة بعد إيران، وكان تحالفها مع الأخيرة صداعاً مزمناً في رأس الإدارة الأمريكية، بعد أن جعلها قادرة علي مواجهة الضغوط الغربية، كما تعد إحدي أبرز المعضلات للسياسة الخارجية الأمريكية، والتي تعود إلي تداعيات الحرب الكورية وتقسيم شبه الجزيرة الكورية. لكنها باتت بين ليلة وضحاها وعلي واقع المصالح الاقتصادية، دولة تسعي للحوار عقب إعلانها تعليق تجاربها النووية وتخصيب اليورانيوم في إطار اتفاق مع واشنطن ترسل بموجبه مساعدات غذائية لهذا البلد الشمولي الفقير المعزول دولياً. ذلك هو حال بيونج يانج الآن بعد قرارها الذي لقي ترحيبا دوليا، وطرح عدة تساؤلات حول نهاية الحرب بين الكوريتين؟ وتخلي الزعيم الحالي كيم جونج أون عن سياسة والده وفقدت الدولة الشيوعية ورقتها التفاوضية أم أنها تلجأ لمناورة؟ وما مستقبل إيران النووي والتهديدات الإسرائيلية لها؟ بعد توتر دام سنوات، وبعد الغموض السياسي الذي خيم علي الأجواء في كوريا الشمالية مع إعلان وفاة الزعيم "كيم يونج إيل" وتنصيب جونج أون خلفا لوالده، فاجأت بيونج يانج العالم بموافقتهاعلي تعليق أنشطتها النووية، وتجارب تخصيب اليورانيوم، وإطلاق الصواريخ بعيدة المدي بجانب فتح أبوابها لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من تجميد البرنامج النووي كجزء من اتفاق تم التوصل إليه مع الولاياتالمتحدةالأمريكية مطلع الشهر الحالي، مقابل الحصول علي240 ألف طن من المساعدة الغذائية. ففي تقدم دبلوماسي ملحوظ أعلن كلا الطرفين استئناف المساعدات الغذائية المتوقفة منذ انهيار المحادثات السداسية عام 2009والتي كانت تجريها مع الولاياتالمتحدة والصين وروسيا واليابان إلي جانب كوريا الجنوبية، وطلبت بيونج يانج وقتها المفتشين النووين مغادرة أراضيها. وكان "يونج أون" قد تعهد بتحقيق ازدهار اقتصادي خلال هذا العام بالرغم من اعترافه في الوقت نفسه باعتماد بلاده علي مساعدات المجتمع الدولي وبخاصة الصين لمواجهة أزمة الغذاء المزمنة التي تعاني منها منذ سنوات والتي أودت في تسعينات القرن الماضي بحياة الآلاف. وفي 15أبريل ستحتفل كوريا الشمالية بالذكري المئوية لمولد كيم إيل سونج، جد الزعيم الحالي ومؤسس كوريا الشمالية، من خلال توزيع حصص غذائية إضافية. ويوضح "يو هو يول" الخبير في الشؤون الكورية أن الزعيم الجديد سيركز سياسته علي الأوضاع الاقتصادية أكثر من إحراز تقدم في الشؤون الدبلوماسية. ويضيف قائلاً إن بيونج يانج في ورطة حقيقية مع تناقص المواد الغذائية وحاجتها الملحة لتلبية مطالب السكان، لا سيما في الفترة الانتقالية التي يتولي فيها يونج أون السلطة، بحيث لا يرغب في الظهور علي أنه عاجز عن معالجة مشكلة الغذاء المزمنة التي عانت منها البلاد طيلة الفترة السابقة، لكن الأمر بالنسبة للولايات المتحدة يتلخص في مدي استعداد كوريا الشمالية تقديم تنازلات حقيقية بشأن برنامجها النووي. ويسعي النظام الشيوعي لزيادة المساعدات الغذائية إلي 300 ألف طن علي الأقل من أجل تحقيق الاستقرار لنظام "جونج أون". ولهذا يري المحللون أن بيونج يانج وافقت علي تقديم بضع تنازلات لواشنطن رغبة منها في الحصول علي مساعدة غذائية مستخدمة السلاح النووي كورقة للتفاوض. كذلك اتبعت واشنطن الأسلوب ذاته، حيث ربطت مسألة المساعدات الغذائية لكوريا بشروط سياسية ينبغي علي بيونج يانج اتخاذها حسبما أعلن "روبرت ويلارد" قائد الأسطول الأمريكي في المحيط الهاديء والتي تتضمن إجراء محادثات مع الأخيرة لإنهاء طموحاتها النووية. ويصف "يانج مو جين" الخبير في الشؤون الدولية بجامعة كوريا الشمالية الاتفاق بالمربح للجانبين، موضحاً أنه بالنسبة للولايات المتحدة يتعلق الأمر بطرح الأسس لوضع مسألة بيونج يانج تحت المراقبة لبعض الوقت، وبالنسبة لجونج أون يتعلق الأمر بالحصول علي مكسب مادي بشكل مساعدة غذائية، مضيفاً أن كل طرف يسعي إلي تحقيق أقصي المكاسب لتتحول إلي ما يشبه عملية جر حبل بين كوريا الشمالية والولاياتالمتحدة، علي حد وصفه. فمن جهة تريد كوريا تأمين احتياجاتها من الغذاء الذي بدأ مخزونه في النفاد، لا سيما والبلاد تدخل فصل الشتاء القارس. أما واشنطن، فتصر علي تحقيق تقدم ملموس في الملف النووي تتوقف بموجبه بيونج يانج علي الأقل عن تخصيب اليورانيوم قبل الحصول علي أية تنازلات تخص توفير الغذاء. وينظر البعض علي أن اللقاء الأول بين كوريا الشمالية والولاياتالمتحدة منذ أن تم حسم قيادة "جونج أون" بأنه فرصة لقياس ما إذا كان النظام الجديد في بيونج يانج سوف يحافظ علي الاستراتيجيات السابقة أو المفاوضات مع الولاياتالمتحدة أم أنه سوف يتبني موقفاً جديداً. فيما شكك ويلارد ومعه كثيرون من المحللين في نوايا كوريا الشمالية واستعدادها للحوار حيث يرون أن "يونج أون" سيتبع نهج والده الراحل في الحصول علي أسلحة نووية، لأن القيادة في بيونج يانج لم تتغير عن فترة يونج إيل حتي الآن، فالطريقة التي احتفت بها وسائل الإعلام الرسمية الكورية بالبرنامج النووي بعد وفاة إيل باعتباره إرثاً من قائد عظيم تؤكد علي انه لا يمكن التنازل يوماً عن برنامجها النووي الذي يستخدمه كورقة مقايضة منذ سنوات في مفاوضاتها مع واشنطن، وهو ما عبر عنه الخبير الكوري تشوي جين وذلك بقوله إن المواقف الكورية والأمريكية مازالت متباعدة. وقال ريتشارد بوش، الباحث في مؤسسة بروكينج الأمريكية، إن ذلك خدعة للحصول علي مساعدة غذائية والتدخل بشكل غير مباشر في الشؤون الكورية الجنوبية حيث تجري انتخابات هذه السنة. ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يصل فيها الطرفان لاتفاق، فظل النظام الكوري متأرجحاً علي مدار عقدين بين المواجهة والمصالحة مع الولاياتالمتحدة وجيرانه. ففي 2007وافقت بيونج يانج علي البدء بتفكيك برنامجها النووي مقابل مليون طن من الوقود وشطبها من اللائحة الأمريكية للدول المساندة للإرهاب، قبل أن تعود إلي موقف أكثر عدائية بعد سنة من ذلك. وفي أبريل 2009انسحبت رسمياً من المفاوضات السداسية حول برنامجها النووي، ثم أجرت بعد شهر من ذلك تجربة نووية ثانية. واليوم، وأكد الطرفان اعترافهما باتفاق 5002بين الدول الست كأساس لاستئناف المحادثات، وينص ذلك الاتفاق علي التخلي عن البرنامج النووي الكوري الشمالي مقابل الحصول علي مساعدة اقتصادية خاصة في مجال الطاقة. وتنقل التقارير أن الولاياتالمتحدة مستعدة لتخفيف مطالبها بالتخلي نهائياً عن البرنامج النووي بالاقتصار علي وقف تخصيب اليورانيوم المستخدم في إنتاج الرؤوس النووية. ويري بعض المحللين أن سياسة يد العون التي أكدت الإدارة الأمريكية أنها أتت بثمارهامع كوريا الشمالية ولكنها لا يمكن الاعتماد عليها مع النموذج الإيراني. فالرئيس الأمريكي باراك أوباما سيقدم إنذاراً نهائياً إلي طهران عند إلقاء خطابه الأسبوع القادم بمؤتمر أيباك، أكبر منظمات اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة، في حضور رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو. وقال جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن كل الخيارات علي الطاولة، لكنه ركز علي العمل الدبلوماسي والضغوط الاقتصادية. بينما تري الحكومة الإسرائيلية أن هذا من الممكن أن يضعف موقف الذين يؤيدون مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. فإن مثل هذا الاتفاق يطرح بآمال إسرائيل بضرب إيران، وبشأن قرار الضربة العسكرية عرض الحائط، فإسرائيل لا تؤمن بأن العقوبات المفروضة ستكون مجدية من جانب آخر تحاول تأمين معاقلها الحيوية من احتمال ضربات إيرانية موجهة من خلال تصعيد تصريح "الخيار العسكري" المحتمل الذي من شأنه أن يرهب طهران. ولعل ما يضاعف من ورطة إيران أن التغير المفاجئ في الموقف الكوري تزامن أيضا مع تقارير أمريكية متزايدة حول أن إسرائيل قد تشن عملا عسكرياً ضد طهران دون إبلاغ واشنطن، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. ومنذ وفاة جونج إيل والولاياتالمتحدة وإسرائيل عمل علي إحداث اختراق في التحالف الوثيق بين بيونج يانج وطهران والذي يشكل دعما لكل منهما في مواجهة الضغوط الغربية للتخلي عن برامجهما النووية. ونقلت وكالة "رويترز" عن كارني قوله إن هذه إجراءات ملموسة تعتبرها بلاده خطوة أولي إيجابية نحو نزع شامل ويمكن التحقق منه للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية بطريقة سلمية. وبالنظر إلي أن إيران طالما اعتمدت علي كوريا الشمالية في تطوير برنامجها النووي فإن التطور الأخير من شأنه أن يضع تحديات جديدة أمامها، بل وستستغله إسرائيل أيضا في حشد دعم الغرب لعمل عسكري استباقي ضد طهران, بزعم أنها الوحيدة المتبقية التي تشكل تهديدا للعالم بإصرارها علي المضي قدماً في برنامجها النووي. ويري كثيرون أن الموقف الكوري الجديد يعد صفعة قوية لإيران في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. وفيما يتعلق بجارتها الجنوبية وحربها معها، يتوقع عدد من الخبراء أنه سيكون من الصعب استئناف المحادثات السداسية خلال وقت قريب نظرا لربط جلين ديفيز، المسؤول عن السياسات الأمريكية تجاه بيونج يانج قضية نزع السلاح النووي بتحسين العلاقات بين الكوريتين. إذن فالآفاق ليست مشرقة، حيث إن كوريا الشمالية تصعد يوما بعد آخر انتقاداتها للمناورات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولاياتالمتحدة وقمة الأمن النووي المقبلة في سول. وهذا يعني أن كوريا الشمالية تلجأ إلي الاستراتيجية القديمة للتفاوض مع الولاياتالمتحدة فقط، بينما تعمل علي تجاهل كوريا الجنوبية. كما أعلنت لجنة الدفاع الوطني التي تعد أقوي جهة لصنع القرار في النظام الشيوعي أنها لن تغير سياستها بعد رحيل زعيمها جونج إيل ولن تتعامل مع الحكومة الحالية في سول. وحول هذا انقسمت الأراء، حيث حذر كبير المفاوضين الأمريكيين من التفاؤل المتسرع قائلا إنه لا يزال هناك طريق طويل يتعين قطعه بشأن استئناف المحادثات السداسية. بينما رأي محللون ان استخدام بيونج يانج هذه اللهجة الحادة تهدف لحشد قواتها والشعب وراء زعيمها الجديد.