وهو أمر يكذبه واقع أن الدعوة السلفية تأسست في الإسكندرية منذ نهاية السبعينيات وعملت في مجال الدعوة علي مدار سنوات، قبل أن يدخلوا المجال السياسي في أعقاب ثورة 52 يناير من خلال حزب النور السلفي. وغالبا ما يزيد الحديث عنهم مع كل حدث ضخم يلقي في مياه الحياة السياسية التي تعيش رواجا هذه الأيام مع قرب الانتخابات الرئاسية وسط حديث بأن التيارات السلفية ستتكتل خلف مرشح بعينه لضمان انتصاره في انتخابات الرئاسة. ويرجع ظهور التيار السلفي عموما في مصر إلي بداية القرن العشرين إلا أن فترة ازدهار الفكر السلفي كان في فترة السبعينات من القرن الماضي عندما بدأت العمالة المصرية في الذهاب إلي دول الخليج العربي فتأثرت بالفكر الوهابي، وعند عودتهم بدأوا في نشر الأفكار السلفية. كما جاءت السلفية كرد فعل علي موجات التغريب التي صاحبت الاستعمار، فحرص البعض علي التمسك بدينه والتمركز حوله باعتباره حائط الصد الأخير. استقت السلفية في مصر مبادئها عموما من نهج السلف من أهل السنة والجماعة وعقائدهم دون التقيد بفرقة من الفرق القديمة إلا أنهم يرجعون أساسا إلي مذهب الإمام أحمد بن حنبل وأبرز علماء مذهبه كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية. وهو مذهب يري الأخذ بالحديث النبوي الشريف بصورة مطلقة بعد القرآن الكريم. وتعد "الدعوة السلفية" أشهر التيارات السلفية في مصر الذي يحتل صدارة المشهد السلفي حاليا بفضل شيوخه الذين أصبحوا نجوم الفضائيات الدينية أمثال الشيخ محمد يعقوب، والشيخ محمد حسان، والشيخ أبوإسحاق الحويني. وتتمركز رموز الدعوة في الإسكندرية وعلي رأسهم شيخهم الأول إسماعيل المقدم. وتعتبر أحياء الجمرك وحي غرب والعامرية مراكز تقليدية للسلفية وتعد المنبع الأصلي للدعوة السلفية في مصر. ويرجع ظهور الدعوة السلفية إلي منتصف السبعينات عندما أنشأ مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في عدد من جامعات مصر تيار السلفية العلمية، وهم في الأصل جزء من الجماعة الإسلامية -التي سيطرت علي مشهد الإسلام السياسي في مصر وخرج منها العديد من التيارات السلفية والجهادية، إلا أن معظم أعضائها انضموا إلي جماعة الإخوان المسلمين-، إلا أن هؤلاء الشباب رفضوا هذا الانضمام، وبدأوا نشاطهم من جامعة الإسكندرية بقيادة محمد إسماعيل المقدم وسعيد عبد العظيم، وسموا أنفسهم المدرسة السلفية، وبدأوا نشاطهم الفعلي في عام 8791م. وسريعا غيرت المدرسة السلفية اسمها إلي الإسم الأشهر "الدعوة السلفية" بعد سنوات من العمل الدعوي في الشارع السكندري. وتهدف "الدعوة السلفية" للعودة إلي الإسلام الحقيقي كما كان يفهمه الصحابة والتابعون، والاعتماد علي القرآن والسنة الصحيحة، ويركز شيوخ الدعوة السلفية علي مسائل التوحيد وتصحيح العقيدة ومحاربة البدع والخرافات. الشارع السكندري لا يلقي بالا لوجود معظم قيادات ورموز الدعوة السلفية وحزب النور بين ظهرانيه، فالحياة لا تختلف في الإسكندرية عن غيرها من مدن مصر وقراها، الحياة تسير في مجراها الطبيعي فالجميع يمارس حياته، والنساء السافرات بجوار المحجبات يسرن متجاورات، الجميع وقع عقدا غير مكتوب بأن للجميع حق ممارسة دينه بالشكل الذي ارتضاه، هدوء نفسي يسيطر علي المدينة المبحرة، لاتجده في القاهرة بزحامها الخانق.بجوار مكتبة الإسكندرية وجدنا شبابا وفتيات في اتجاه الجامعة وصبية وصبايا في زيارة للمكتبة، جو مشرق يبدد الخطر ويرسل رسالة إلي المستقبل. عندما ذهبنا إلي حي الحضرة الجديدة، أحد أكثر أحياء الإسكندرية فقرا، وجدنا البشر في سعيهم الدءوب طلبا للرزق، توجهنا إلي أم عطية –بائعة فجل- سألناها لمن أعطت صوتها في انتخابات مجلس الشعب، قالت بثقة: حزب النور...طبعا، سألناها لمن أعطت في انتخابات الشوري، ردت ببساطة: "مالوش عازه" وقالت أعطينا أصواتنا لل"النور" لأنهم ناس بتوع ربنا، ولأنهم يشعرون بنا ووقفوا معنا في أوقات صعبة أيام كان أعضاء مجلس الشعب أتباع الحزب الوطني يتجاهلون مشاكلنا ويتاجرون بنا ولم يفعلوا لنا شيئا يذكر طوال ثلاثين عاما، نريد من ينشلنا من الفقر. وقال حازم إسماعيل – مهندس-: التصويت لحزب النور لم يكن تصويتا علي الدين كما حاول أن يوهمنا بعض نجوم الفضائيات لكنه كان تصويتا لمن وثقنا في أنهم سيعملون علي تحقيق مصالحنا وسينحازون إلينا في مواجهة مشاكلنا التي فشل العديد من الأحزاب التي كانت موجودة قبل الثورة في الحكم والمعارضة في حلها ولم تهتم بمشاكلنا. ولكن حتي الآن لم يفعل لنا أحد شيئا. من جانبه يري د. عمار علي حسن- خبير علم الإجتماع السياسي- أن التصويت لصالح حزب النور السلفي يؤكد في المقام الأول عدم ثقة المصريين في الأحزاب السياسية التقليدية التي فشلت في حل مشاكل المواطنين البسطاء واكتفوا بالأقوال لا الأفعال، وكان مظهرهم علي الفضائيات وهو يلقون التصريحات عن عهود الخير القادمة مستفزا لمشاعر الجميع، لذلك انحازوا لمن تحدثوا باسم الدين ظنا أنهم لن يخدعوهم كما خدعهم من سبقهم بإعتبارهم رجال دين، وهنا خطأ قد يجر إلي خطايا فليس كل من حسن دينه حسنت سياسته للأمور، فمن الممكن أن يكون الداعية الديني جيدا جدا في مجال الوعظ والنصح الديني لكنه لا يفقه في أمور السياسة شيئا. وأضاف د. حسن: استطاع السلفيون أن يقدموا الإسلام للشارع المصري في صورة مبسطة، علي الرغم من اختلافنا معهم في الطرح، كما أنهم نظموا أعمالا اجتماعية استطاعت أن تقربهم من نبض الشارع، وفي ظل تضييق أمني عليهم منع الدعوة السلفية من العمل خارج الإسكندرية، ولذلك تركزت الدعوة السلفية في الإسكندرية والمحافظات القريبة منها، علي الرغم من أن الدعوة السلفية وجدت مخرجا من هذا الحصار الأمني عن طريق الفضائيات الدينية التي كانت حكرا علي رموز التيار السلفي خصوصا من ممثلي الدعوة السلفية، وهو ما ساعد علي نشر أفكارهم في بقية المحافظات وساعد في انتشار أفكارهم. في ذات السياق، أكد د. محمد عثمان الخشت، أستاذ فلسفة الأديان بجامعة القاهرة، أن السلفيين تغييروا بعد ثورة 52 يناير، فنحن أمام نموذج جديد للسلفية السياسية وليس سلفية العقيدة، وحديثهم عن جواز الانقسام السياسي وقبولهم بما كان يرفضه شيوخ الدعوة دليل علي عدم وجود وحدة بين العقيدة والسياسة، وقد بدأ التيار السلفي في تكييف نفسه مع الأوضاع المصرية ستنضج مع الأيام في شكل حزب سياسي منفصل تماما عن الدعوة السلفية. وأضاف د. الخشت السلفيون نجحوا في الانتخابات البرلمانية لأنهم كانوا يقدمون خدمات في دوائرهم قبل الانتخابات في إطار نشاط الدعوة قبل الثورة، لذلك صوت لهم المصريون لتأثرهم بأعمالهم الخيرية والاجتماعية ولتأثرهم بدعوتهم للإسلام.