في هدوء رحل جميل راتب.. فنان أكثر تواضعاً من المبالغات التي قيلت عنه.. تتبعثر ذكرياته علي لسانه ما بين الحاضر والماضي.. مشواره الفني بصوته في فيلم وثائقي (الجميل) عن حياة الفنان الراقي بحلوها ومرها، يكشف لنا العديد من المواقف والخبايا عن حياته والأفلام التي لا يعرفها الكثيرون.. يسردها ويحكيها لنا مثلما أحسها وعاشها، قصة زواجه وحبه وكيف كان يصرخ من افتراءات أنه غير مصري. لآخر يوم في حياته رغم أنه فقد النطق لكن لم يفقد الابتسامة التي لا تفارقه، فنان مهذب عشق المسرح لكن الظروف غيرت مساره يعترف أن أمه مصرية فعمتها هي المناضلة هدي شعراوي أسرار كثيرة يكشف عنها الجميل في فيلمه الوثائقي. -جميل راتب بعد أن تخطي التسعين، لم يعد يظهر في الأعمال الفنية هذا الفنان الهادئ والصبور منعزل مع شيخوخته في منزله. اهتدت إليه المخرجة ماجي أنور والفنان هشام سليم وأقنعاه بتصوير سيرة حياته الفنية والشخصية في فيلم وثائقي وعنوانه: الجميل. هو من حكي وقال، وعلق، ونفي وأكد، قال تقريباً كل ما ساعدته الذاكرة علي التذكير به ومنذ فترة شاهد الشريط الذي صوره محمد خيري، وريمون فهمي، وصاغ له الموسيقي التصويرية شريف الوسيمي، وواكبه معلقاً بالصوت سامح الصريطي، ليكون العمل حلقة فيلمية من سلسلة: كلاسيكيات التي تعمل عليها ماجي وهشام كمنتجين منذ عام تقريباً، علي خلفية أن يروي نجم كل حلقة من السلسلة بنفسه، وأن يوافق عليها كاملة متكاملة مثلما فعل جميل راتب الذي فعل كوالده وتزوج من فرنسية إكراماً لوالدته، لكنه ظل منفصلاً عنها حقبة طويلة من حياته. درس وعاش وعمل ممثلاً في فرنسا، لكن اضطراره للعودة إلي القاهرة لأمر عائلي ربطه بأكثر من مشروع فني فبقي في مصر لكنه عمل مع عمر الشريف في أول إطلالة لعمر عالمياً في لورانس العرب جميل مازال معاصراً ورأي أمام عينيه ماذا قيل عنه، وماذا رأي فيه معدو الشريط، إضافة لما قاله هو عن مسيرته، وحضوره، حتي لا يقع في شرك الذين يمتهنون مهنة الإساءة إلي الكبار عندما يرحلون من خلال كتب. الجميل.. اسم علي مسمي لهذا الفنان الرائع، المثالي بكل ما تعنيه الكلمة.. لقد قال ما يريد. لم يترك شيئاً إلا وتناوله في حديثه، كشف أحداثاً ووقائع ومعلومات وعندما شاهد الشريط قال: مية المية، حاجة ممتازة، هذا يعني أن بالإمكان الاعتماد علي هذا الفيلم الوثائقي للحديث عنه، وقول ما نريد عن هذا الفنان الذي حضر بصمت ورحل في صمت ويريد لنفسه صورة أشرف عليها بهدوء لكي تضيء بعد رحيله. كان منطقياً أن يسعد جميل راتب بشريط عنه، لأنه قال ما عايشه، وباح بما يريده صورة عنه، لذا فان عنوان: الجميل، هو أروع عنوان للعمل ولصاحبه. - يتذكر جميل راتب بكثيرٍ من الحنين والإعجاب فترات متألقة من حياته، اقترب خلالها من عمالقة الفكر، السينما، والمسرح، ذخيرة من الحكايات لم ينسها في زحمة العمر، يحكيها بنفس الصوت القوي الذي يتردد في أفلامه.لا يشتكي من غربة ولا يتذمر من وحدة إبداعية تخيرها لنفسه، راضيا عن مشواره الفني، والحياتي، يحب جمهوره ولا يتواني عن الاعتراف بالجميل نحوهم. "جميل راتب" يعتبر نفسه ممثلاً مصريا رغم أنه غادر القاهرة في منتصف الأربعينيات إلي باريس لدراسة العلوم السياسية، وسرعان ما تركها طوعاً، والتحق بإحدي مدارس التمثيل، وخسر المنحة التي كانت مخصصة له، كان يطمح بأن يكون ممثلاً مسرحياً، وارتضي لنفسه المعاناة المعيشية من أجل طموحاته. لم يندم علي ذلك القرار الذي أجبره علي الاعتماد علي نفسه، بعد هجرته لبلده، فحقق أحلامه، وعايش أحداثاً فنية، ثقافية، وسياسية عن قرب ما كان له أن يعيشها لو رضخ لرغبة عائلته الارستقراطية بأن يصبح رجل سياسة، وقانون، وكان التمثيل بالنسبة لها عيباً. كانت بداية مشواره الفني أدوار بطولة في المسرح الفرنسي، ولكن في السينما أدواراً ثانوية كما أخرج أفلاماً للتلفزيون الفرنسي. يقول بصوته عندما كنت في مصر وقبل سفري إلي فرنسا، مثلت دوراً بسيطاً في فيلم بعنوان "الفرسان الثلاثة"، كان ذلك في الأربعينيات، وكنت أحب التمثيل، وكانت عائلتي تعارضني، ومنعتني من مشاركتي في الفيلم، وطلبت من المخرج حذف المشهد الذي مثلته، كانت الأبواب بالنسبة لي، مغلقة تماماً، كنت في تلك الفترة أدرس الحقوق، ومن ثم جئت إلي فرنسا لدراسة العلوم السياسية، وكانت لدي منحة اعتمدت عليها في معيشتي. التحقت بمدرسة التمثيل، وبدأت أعمل مع فرق مسرحية بسيطة في مسارح صغيرة وكنت أشارك في أدوار رئيسية كما عملت في أشغال خارج التمثيل كي أنفق علي نفسي اشتغلت كومبارسا وفي سوق الخضار ونادلا في مقهي، ومترجما... ويوما بعد يوم أصبحت معروفاً كممثل، وهكذا أكملت مشواري، كانت الخطوات الأولي صعبة في البداية، ومع إصراري بدأت أهدافي تتحقق تدريجياً. عن الحب والزواج قال تزوجت مرة واحدة فقط في حياتي من فرنسية ولكنني احببت ممثلة أخري وعندما علمت زوجتي بوفاتها اتصلت بي ووقفت بجواري وهي فرنسية تعيش في فرنسا حاليا. بعض المعلومات التي لا يعرفها أحد عن حياته حيث نفي كل ما قيل حول أن له أصولاً أجنبية مؤكداً أنه مصري الجنسية من أب وأم مصريين وأنه ليس له أي أصول أجنبية أو عربية كما يقال دائما كما كشف أن والدته مصرية وعمتها هدي شعراوي. في آخر تكريم له : "أشكركم علي تكريمي، وأود أن أقول إن التمثيل فن والفن ثقافة، وأنا أخدم الثقافة وأخدم مصر من خلال فني" وقال مبتسما »ربما يكون هذا التكريم هو الأخير». هو أبو الفضل جاد الله في عائلة ونيس وهو السفير مفيد أبو الغار في الراية البيضاء. يعد جميل راتب، واحدا من علامات السينما والمسرح في مصر، وبدأت مسيرته الفنية الرسمية بمشاركته في فيلم "أنا الشرق" عام 1946، وشارك في أعمال سينمائية ومسرحية عالمية وفرنسية عديدة، أبرزها مشاركته المميزة في فيلم "لورانس العرب" بجانب النجم المصري الراحل عمر الشريف.