يعد تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء هدفاً طموحاً تسعي الدولة إلي تحقيقه كإحدي ركائز ضمان أمنها القومي، وفي ظل اعتماد مصر علي استيراد جزء كبير من احتياجاتها من محاصيل الحبوب الغذائية الأساسية كالقمح أو الذرة كان لابد من التفكير في زراعة أنواع جديدة من محاصيل الحبوب خارج نطاق الوادي والدلتا كحل مبتكر لهذه المشكلة دون الإخلال بالتركيب المحصولي الحالي.. فكانت كلمة السر هي "كينوا". في الآونة الأخيرة ارتفعت المطالبات بزيادة المساحات المخصصة لزراعة "الكينوا" باعتباره من المحاصيل المكملة التي يمكن أن تسهم في سد الفجوة في إنتاج الحبوب وذلك وفق رؤية قائمة علي استغلال المناطق التي من الصعب أن تنمو بها المحاصيل الأخري، حيث يعد من الزراعات التي تتميز بقدرتها علي تحمل الظروف البيئية القاسية. ويصنف الكينوا ضمن محاصيل الحبوب الشتوية، ويقع موطن زراعته الأصلي في جبال أمريكا اللاتينية وتحديدا في سلسلة جبال "الإنديز" حيث تشتهر بزراعته دول مثل بيرو وبوليفيا والإكوادور وتشيلي. وكانت منظمة الأغذية والزراعة "فاو" قد اعتمدت توصيات بالتوسع في زراعة محصول الكينوا وذلك ضمن مشروع إقليمي يضم ثماني دول من بينها مصر والجزائر وموريتانيا ولبنان من أجل تعزيز نظامها الغذائي. من هذا المنطلق ناقشت "آخرساعة" مجموعة من المتخصصين في المجال الزراعي من أجل إلقاء مزيد من الضوء علي محصول الكينوا وآفاق زراعته داخل مصر، حيث أوضح الدكتور عمرو شمس الأستاذ المساعد بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية أن محاولات زراعة الكينوا في مصر بدأت من خلال مركز البحوث الزراعية ممثلاً في قسم التكثيف المحصولي بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية في الموسم الشتوي لعام 2005 - 2006 حيث تمت التجارب الأولي لإنتاجه في منطقة جنوبسيناء بمدينة نويبع، وبعد اختباره في المحطات البحثية بدأت مرحلة جديدة من التعاون مع المزارعين والشركات والجمعيات الزراعية في صورة دعم إرشادي عن كيفية زراعة محصول الكينوا. وعن حجم زراعة نبات الكينوا حالياً في مصر أشار إلي أن ما تم رصده عبر عمليات التعاون المشترك سواء مع المزارعين أو الجمعيات أو الشركات الخاصة يمكن تقديره بحوالي 80 فدانا ولكن في المقابل هناك من يعمل بصورة منفردة ولا يمكن معرفة حجم إنتاجه بدقة . كما أشار إلي أن معدل القيمة الإنتاجية لفدان الكينوا يبدأ من نصف طن ويصل إلي طن ونصف الطن للفدان الواحد، مرجعاً الفارق في حجم الإنتاج إلي تفضيل البعض الاعتماد علي الزراعة العضوية وهو ما يعطي إنتاجية أقل ولكن عند استخدام التسميد في الأراضي الرملية يصل متوسط القدرة الإنتاجية إلي طن من حبوب الكينوا للفدان. يتابع: بعد عملية حصاد حبوب الكينوا يتم إرسالها إلي خط إنتاج متكامل تتم من خلاله عملية الفرز، حيث تجمع البذور وتنظف إلي أن تصبح صالحة للاستخدام، وبعد ذلك إما أن يتم تعبئتها أو تطحن إلي دقيق يخلط مع دقيق القمح، وبذلك يمكن الاستفادة من منتجاته في إنشاء مشروعات متنوعة تضم شباب الخريجين والجمعيات وكذلك الراغبين في الاستثمار في المجال الزراعي. ويلفت الدكتور عمرو إلي أن مصر نجحت بالفعل في زراعة جميع الأصناف والتراكيب الوراثية الخاصة بالكينوا سواء المبكرة في النضج أو المتوسطة أوالمتأخرة وامتلكت خبرة كبيرة في هذا المجال إلي درجة أنها قامت بمشاركة تجاربها مع بعض الدول الأخري التي فشلت في زراعته نتيجة تزامن فترة التزهير مع درجات حرارة مرتفعة تزيد عن 35 درجة مئوية ما يؤدي إلي ضمور حبوب اللقاح فلا تعطي بذورا ولكن تعطي نموا خضريا فقط، فكان الحل للتغلب علي هذه المشكلة هو اعتماد التوصيات المصرية بزراعة الأصناف ذات النمو المبكر من نبات الكينوا الذي ينقسم إلي ثلاثة أنواع النوع الأول ذو نمو مبكر لفترة تتراوح من 90 إلي 120 يوماً والنوع الثاني هو نوع ذو نمو متوسط في فترة قد تصل إلي 140 يوماً أما النوع الثالث فتمتد فترة نموه إلي أكثر من 160 يوماً. فيما أكد الدكتور حمدي السيد جامع وكيل وزارة الزراعة بمحافظة المنوفية علي أن محصول الكينوا يعتبر من المحاصيل الواعدة في المحافظة، كما أن زراعته تعد من الزراعات المجزية من الناحية الاقتصادية، فالفدان الواحد يعطي قيمة إنتاجية قد تصل طنا ونصف الطن، حيث يباع الطن الواحد بحوالي 16 ألف جنيه في مقابل تكلفة إنتاج لا تتعدي 8000 جنيه للفدان وهذا يعتبر عائدا ماليا مناسبا للفلاح الذي يبحث عن زراعة محصول يوفر مصدر دخل جيد له. يضيف: خلال العام الماضي بدأنا في زراعة نبات الكينوا علي مساحة 10 أفدنة في ثلاث مناطق مختلفة بالمحافظة وهي شبين الكوم ومنطقة بركة السبع وتلا بالتوازي مع تقديم التوصيات الفنية للمزارعين التي يمكن من خلالها تحقيق أعلي معدل إنتاجية للفدان الواحد. وقد تم وضع خطة استرشادية للتوسع في زراعة محصول الكينوا علي مستوي الجمهورية بالتعاون وزارة الزراعة ممثلة في مركز البحوث الزراعية ومعهد بحوث المحاصيل الحقلية حيث سيتم عمل ندوات دعم تشمل المرشدين الزراعيين وبعدها سيتم البدء في الانتقال إلي كافة المراكز للتوعية بأهمية زراعة نبات الكينوا. وتابع قائلاً: نأمل أن يكون الهدف النهائي من زراعة الكينوا هو الوصول إلي مرحلة التصدير خاصة أن سعر إنتاجه في مصر منافس للدول الأخري. في ذات السياق يوضح الدكتور محمد سليمان وكيل مركز البحوث الزراعية لشؤون البحوث أن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي قامت بحملة قومية مؤخراً للتوسع في زراعة محصول الكينوا باعتباره من أهم الأنشطة الاقتصادية ذات العائد المرتفع، لافتاً إلي أن محصول الكينوا له ميزة استراتيجية تتمثل في إمكانية زراعته بصورة لا تشكل أي عامل تنافسي مع المحاصيل الرئيسية التي تزرع في الوادي والدلتا. كما نفي إمكانية إحلال نبات الكينوا كبديل لمحصول القمح بأي صورة من الصور مشددا علي أن الأخير يعد محصولا رئيسيا له تمثيل كبير للغاية في الأمن الغذائي ولكن يمكن الاستفادة من زراعة نبات الكينوا كجزء من حل المشاكل التي تواجه الأراضي المتأثرة بارتفاع نسبة الملوحة نظراً لتكيفه مع الظروف المناخية في هذه المناطق. يضيف: احتياجات نبات الكينوا المائية تعد أقل بكثير من احتياجات المحاصيل الشتوية التي تزرع في نفس الفترة من العام، لذلك يمكن زراعته أيضاً فيما يعرف بالأراضي الرملية أو "الهامشية" التي تعاني من نقص إمدادات المياه. ويلفت الدكتور سليمان إلي أن نبات الكينوا يعد من النباتات ذات القيمة الغذائية المرتفعة، فنسبة البروتين الموجودة بداخله قد تصل إلي 16٪ لذلك يدخل ضمن إنتاج العديد من الصناعات الغذائية المتنوعة، كما أنه يتميز بعدم احتوائه علي الجيلوتين وبالتالي يمكن استخدامه في إنتاج أغذية لمرضي حساسية الجيلوتين، فضلا عن إمكانية إدخاله في صناعة المقرمشات والحلوي.