لا أحد يعرف علي وجه الدقة إلي أين تتجه الثورة هل تتقدم للأمام أم تتراجع للخلف أم تقف في مكانها محلك سر أو كما يقول أهل الشام تراوح مكانها، الناس في حيرة وقلق لايعرفون هل ستدق الحرية أبوابهم أخيرا أم أنهم يعيشون في حلم وردي ثم لايلبثوا أن يستيقظوا من نومهم علي المجهول القادم ، الضبابية هي عنوان وشعار المرحلة فهناك الكثير من الروايات غير مكتملة النهايات لا السعيدة ولا الحزينة ، الأخبار مبتورة ومجهولة المصدر أكثر والشائعات لايعرف إن كانت كذلك أم أن بها بعض الحقيقة ، تحقيقات تفتح ثم يسدل عليها الستار وتختفي في الأدراج، قضايا تبدأ وتطول ولانعرف متي تصدر الأحكام فيها وأوضاع اقتصادية غير مبشرة لكن هناك من يخرج ليدعي أن مصر ستكون قريبا من النمور الاقتصادية، مئات المليارات لم يتم استردادها ولا أحد يعرف إن كانت ستعود أم لا، أوضاع معيشية صعبة يتحملها المصريون علي أمل أن يروا نور الحرية الذي سيعيد لهم العيش بكرامة وعدالة ولاأحد أيضا يعرف متي يحدث ذلك ؟! لم ير الشعب بلطجيا واحد يعدم كي يرتدع الباقون ويعودون إلي جحورهم، لم نر أحدا من كبار المجرمين في حاشية مبارك ينال جزاءه العادل بما اقترفت يداه من نهب وسلب وقتل للشهداء وما ارتكبوه علي مدار 30 عاما، لم نر أملاكا نهبت عادت لأصحابها، لم نر قلوبا صافية وعقولا ناضجة تحب بلدها وإنما وجوها عابسة يتطاحن أصحابها علي كعكة السلطة والحكم دون أن ينظر أحدهم ولو بالتفاتة للشعب وتحول الحراك السياسي إلي عراك، حروب فضائيات ممن يبحثون عن الفضائح وإشعال الفتنة وشن حملات التخوين وتمتليء جيوبهم بالملايين من المال السياسي والطائفي، لم نر حتي الآن نتائج التحقيقات في الأموال التي تلقتها جماعات حقوق الإنسان من خلف ظهر الدولة مقابل القيام بواجبهم في خدمة مصالح مموليهم في الخارج بالمال الحرام والمشبوه! في عقل وقلب كل مصري مخلص وشريف أمل في أن يحمل الغد جديدا مبشرا بحال أفضل وأن تجني الثورة ثمارها لكن مايخشونه هو قوي الثورة المضادة التي تعمل كل مافي وسعها لإيقاف قطار الثورة والتغيير ومن هؤلاء فلول النظام القديم من رجال أعمال وسياسيين وكتاب وإعلاميين وقانونيين وقيادات أمنية وبلطجية والفئة الأخيرة تعمل في خدمة كل هؤلاء فليس هناك بلطجي بالفطرة وهم يسعون للحفاظ علي مصالحهم علي حساب الشعب مهما كانت الشرور التي يرتكبونها أو ينوب عنهم شبيحة مصر!! المشكلة الأكبر في الفترة الماضية كانت في إدارة شئون البلاد بين الحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة ومعضلة من يحكم ومن يدير ، رئيس الحكومة جاء بتفويض شبه شعبي لكن الضرورة أملت بقاء عدد من الوزراء السابقين أما الجدد فكانوا في اختبار صعب مع عدم وضوح الرؤية في مهامها خاصة أنها لمرحلة انتقالية وهنا نلاحظ في تقييمنا لأدائها أنها واجهت ظروفا صعبة اقتضت تغيير العديد من وزرائها وقد عالجت الأزمات التي تعرضت لها البلاد عبر المسكنات وردود الأفعال ومحاولة وقف تدهورالكثير من القطاعات نتيجة موجة الاعتصامات والإضرابات وتراجع الاحتياطي النقدي وتذبذب أداء البورصة وضغوط الشارع المطالبة برحيلها كما أن الملف الأمني مازال يشكل أزمة تهدد سلامة البلد وأمن المواطن ، وكل مافعلته الحكومة أنها أبقت علي المريض في حالة حرجة لكن مستقرة!! أما المجلس العسكري فقد تحمل مالاطاقة للبشر به أو جهد البلاء وقام بمهام لا تدخل في طبيعة عمل الجيش وإنما بأدوار أجهزة الدولة جميعا من مكافحة الشغب حتي مشكلة رغيف الخبز وأنابيب البوتاجاز والصلح بين الأسر والقبائل وذلك بربع أو حتي أقل من طاقته من الأفراد والعتاد لأن هناك أسلحة لم تشارك لبعد وظيفتها عن الأدوار المدنية ، أما الدور السياسي ومن خلال اللقاءات الأربعة التي حضرتها مع بعض أعضاء المجلس أشهد أنهم كانوا علي درجة من الرقي في مناقشاتهم وقدرتهم علي الاستماع لكل الآراء ولديهم سعة صدر فيما يستمعون إليه من نقد ، لكنهم ليسوا من محترفي السياسة وهذا يتسق مع القواعد والمباديء الحاكمة لجيوش العالم ، وقد حرص المجلس العسكري من خلال بياناته ( 08 رسالة حتي الآن ) أن يتواصل مع الشعب ومع الأحداث وأن يبقي علي مسافة واحدة من كل القوي السياسية وأطياف المجتمع ولكن لوحظ في الشهور القليلة الماضية أن بعض القوي والتيارات تحركت نحوه في هذه المسافة وبدأت في إثارة الزوابع واستخدام الفزاعات تجاه الآخرين ومع الاقتراب والتقرب بدأ هؤلاء في تقديم خدماتهم السياسية والقانونية والإيحاء بأن مستقبل البلاد متعلق باستمرار دور المجلس وأن تسلم تيار أو فصيل معين دفة الحكم سيجلب الكثير من المخاطر والتحديات ، واجه المجلس عدة اختبارات في أحداث السفارة الإسرائيلية وماسبيرو ثم مع وثيقة السلمي الدستورية الأخيرة والصدام مع الأحزاب والتيارات السياسية خاصة مايتعلق بدور وعلاقة الجيش بالسلطة المدنية وللخروج من هذه الأزمات علي المجلس العودة للمسافة الواحدة بين القوي السياسية كما وعد وتعهده بضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وأن يحصل البرلمان القادم علي كامل صلاحياته وكذلك الحكومة والرئاسة وتسليم السلطة لهم فالجيش سيظل له رصيده الذي لن ينفد يوما لدي المصريين ومهمته الأصيلة في أن يكون حاميا لأمن البلاد وليس للشرعية الدستورية فهو في النهاية ملك للشعب والمدافع عن أرض مصر بعد عناية الله. كلمة أخيرة أقسي من ارتكاب الخطأ أن تكتشف أنك لست من الأهمية بحيث يلحظ الناس خطأك ! (برنارد شو)