للأسف يبدو الاقتتال وليس التنافس هو السمة الأبرز في علاقة القوي الثورية بعضها ببعض وبشكل يزيد من فرص نجاح أحزاب الفلول تسعة أشهر مرت ومازال المخاض صعبا... غموض وضبابية واضطراب وشكوك وفوق ذلك كله عدم ثقة جعلت المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد هي الأخطر مقارنة بتونس الشقيقة. والتي تبدو مؤشرات نجاحها في اجتياز هذه المرحلة بدرجات واضحة وبمعدلات مستقره وسريعة في آن واحد. ماساعد علي اضطراب الوضع عندنا تلك الحالة من السيولة التي بدت عليها القوائم الانتخابية وكذلك أعداد المرشحين بالنظام الفردي.. كان من الممكن أن تصبح هذه السيولة مؤشرا دالا علي صحة و سلامة المناخ الذي تجري فيه العملية الانتخابية لكن أعتقد أن القدر الذي بدت عليه أزيد بكثير ليس فقط مافاق توقعاتنا ولكن وهذا هو الأهم أنه فاق وتجاوز قدرة الناخب علي رصد هذه الأسماء والقوائم فتحول الأمر إلي شبه متاهة يصعب بل يستحيل أن يجتازها أحد بسهولة. أحزاب متشابهة الأسماء وائتلافات ما إن تتكون حتي تنحل وبرامج غائبة تماما ووجوه هي بذاتها من تطل علينا عبر كل شاشات الفضائيات.. متاهة لا ترهق فقط الناخب، بل من المؤكد أنها تصيب أيضا المرشحين بالإرهاق خاصة تلك الفئة من الشرفاء الذين لا يبغون من كرسي البرلمان سوي خدمة الوطن وإعلاء كلمته لا البحث عن البدلات والحصانة والوجاهة وأشياء أخري كانت مغنما لغالبية نواب البرلمانات السابقة فلم يكن هدف هؤلاء مصلحة الشعب أكثر ما كان يهمهم مغانم شخصية ومكاسب سريعة وتسهيل عقد الصفقات والحصول علي الملايين مقابل قوانين لا تصب إلا في صالح أهل الحظ من رجال الأعمال الفاسدين و المفسدين. وإذا كنا نخطو بالبرلمان القادم خطوة مهمة نحو حياة ديمقراطية نأمل أن تكون حقيقية وسليمة.. فلا شك أن الأمل معقود علي القوي الثورية المشاركة في العملية الانتخابية إلا أن أداء هذه القوي حتي الآن لا يبشر بالخير و أكثر ما يثير المخاوف حولها هي تلك الحالة من الفوضي في ظل غياب التنسيق و انعدام التخطيط و هشاشة التحالفات .. صحيح أن التنافس أمر وارد بل طبيعي ومطلوب.. لكن من المؤكد أيضا أننا في حاجة إلي تعاون و تنسيق بين هذه القوي بحيث تشكل كتلة واحدة في مواجهة أحزاب الفلول وبقايا أعضاء الحزب الوطني المنحل خلقا وسياسة ونظاماً. في غياب هذا التنسيق لا يمكن إتمام نجاح الهدف الأهم وهو تشكيل برلمان قوي عليه مهام جسام من المفترض القيام بها وإنجازها سريعا. لكن للأسف يبدو الاقتتال وليس التنافس هو السمة الأبرز في علاقة القوي الثورية بعضها ببعض وبشكل يزيد من فرص نجاح أحزاب الفلول التي من المؤكد أنها لديها من الخبرة والألاعيب والحيل الانتخابية ما يعزز من فرص نجاحها وحصدها لأكبر عدد من مقاعد البرلمان. ويزيد أيضا من فرصة البعض ممن يحاولون إعادة تدوير النظام القديم والتحايل لإجهاض بناء نظام جديد رغم صعوبة الوضع أيضا أن مؤشرات التنسيق كما ذكرت غائبة إلا أن الفرصة مازالت مواتية للقوي الثورية ويمكنها أن تصنع الكثير لو أرادت تدارك أخطائها وغلبت مصلحة الوطن علي المصالح الحزبية الضيقة وتوفرت لديها الإراده والنية الصادقة لاستكمال مسيرة الثورة .. وأعتقد أيضا أنه من الصعب تحقيق ذلك إذا ما استمرت حالة الاستقواء والإحساس من التمكن لدي بعض القوي وأعني هنا صراحة حزب الحرية و العدالة الراعي السياسي لجماعة الإخوان المسلمين... والذي يبدو من خطاب قادته ثقتهم التي بدت أكثر كثيرا من المطلوب بشكل لا يثير قلق القوي الأخري المنافسة بقدر مايدفع إلي مخاوف من تلك الحالة من التمكن والاستقواء. نقدر جميعا أن الإخوان دفعوا كثيرا من سنوات أعمارهم وتعرضوا للظلم والقهر والاضطهاد والإقصاء... ونقدر أيضا تلك الحالة من الانتشاء والزهو التي يبدو عليها قادتها بعد ما أصبح الطريق ممهدا ليس فقط لحشد مقاعد البرلمان وإنما أيضا لرسم خريطة مصر السياسية في المرحلة المقبلة فمن الممكن أن يضيع الإخوان الكثير لو وضعوا تجربة محنتهم طوال العقود الماضية في السياسة وخلصوا منها أن الديمقراطية بالفعل هي الحل.. وأن الساحة السياسية واسعة بالقدر الذي تسع فيه الجميع و أن الكل في حاجة إلي الكل.. و أن زمن الإقصاء ولي إلي غير رجعة .. و أن مصلحة البلاد بالفعل تحتاج إلي كل الجهود وأن لا فرق بين علماني وإخواني أمام الوطن إلا بالنية الخالصة و العمل الصالح الذي يعلي من شانه ويدفعه للإمام.