في عملية إرهابية بشعة راح ضحيتها نحو 305 من المصلين الذين توجهوا لاستقبال القبلة بين يدي الله، جاءت رصاصات الغدر تحصدهم من ظهورهم، علي يد مجموعة من شرار أهل الأرض . خبراء الجماعات الإسلامية حاولوا تفسير هذا الجنون والرغبة العبثية في القتل، لمعرفة دوافع جماعات الموت هذه خاصة أن هناك من يري أن الجريمة تمت بهدف استهداف الصوفيين فيما يري البعض الآخر أنها كانت عملية انتقامية من اصطفاف السيناويين مع دولتهم في مواجهة الإرهاب. يعد الاعتداء علي مسجد الروضة، الأعنف علي الإطلاق لكنه ليس الأول في استهداف عناصر إرهابية للمساجد والأضرحة في سيناء، إذ سبق أن شنت الجماعات الإرهابية المتشددة بما فيها التابعة لتنظيم داعش هجمات علي أضرحة للصوفية، علي خلفية تكفير الدواعش لكل المسلمين المختلفين معهم، إذ بدأ الاعتداء علي أضرحة الصوفية في سيناء عقب ثورة يناير 2011، فتم مهاجمة ضريح الشيخ زويد في المدينة التي تحمل اسمه في سيناء، أغسطس من العام ذاته، ثم توالت الهجمات علي الضريح ما أسفر عن تدميره. وأعلن تنظيم "داعش سيناء" في العام 2013، تبنيه هجوما علي ضريح الشيخ الصوفي سليم أبو جرير بقرية مزار، ثم ضريح الشيخ حميد بمنطقة المغارة وسط سيناء، العام 2015 ما أسفر عن تدميرهما تماما، وفي العام 2016 تم اختطاف عدد من أتباع الطرق الصوفية في جنوب رفح ثم تم الإفراج عنهم بعد أن تم إغلاق الزوايا الصوفية، وشهد العام 2016 اختطاف الشيخ الصوفي سليمان أبو حراز (98 عاما)، ثم ذبحه هو وأحد أتباعه، وتصوير مشاهد الذبح وبثها عبر الانترنت، وقد وصفه تنظيم ولاية سيناء بأنه "من الكهان". وتزامنت واقعة قتل أبو حراز مع إصدار تنظيم داعش لبيان أعلن فيه وضع المنتمين للطرق الصوفية علي قائمة الاغتيالات لعدم الالتزام بشروطه، التي تتمثل في عدم ممارسة شعائر الصوفية مثل "الموالد، وحلقات الذكر"، ورفع أسماء الطرق الصوفية من علي أبواب المساجد، مثل الطرق العلوية أو الجريرية، ونشرت التهديدات في صحيفة "النبأ" اللسان الإعلامي لتنظيم داعش في المنطقة العربية، إذ قال مسؤول التنظيم نصا: "نقول لجميع الزوايا الصوفية شيوخا وأتباعا في داخل سيناء وخارجها، اعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدورة نجسة"، وهو ما جعل البعض يرجح أن يكون الهجوم استهدافا للصوفية في سيناء. سامح عيد، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، قال ل "آخر ساعة"، إن العملية الإرهابية البشعة خارج أي إطار تنظيري أو فتاوي التطرف، ولا تصنف إلا كجريمة بشعة ضد الإنسانية، وهي غريبة علي طبيعة المجتمع المصري، ف"يمكن فهم مثل هذه العمليات في العراق أو سوريا، علي خليفة الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة هناك، لكن في مصر لا يوجد مثل هذا الصراع من الأساس والصوفية في مصر مسالمة ولا تدخل في أي صراع علي الرغم من أن السلفية الحركية تتهمهم بالشرك في إطار مهاجمتها لكل الفرق والطوائف الإسلامية". وحول دوافع الهجوم الدموي، قال عيد: "أتمني من كل قلبي أن يكون سبب الهجوم هو الخلاف القبلي بين أهل قرية الروضة من السواركة الذين رفضوا التعاون مع الإرهابيين فانتقموا منهم، لا أن يكون الهجوم علي مسجد القرية بسبب هويته الصوفية، وهنا سنكون أمام خطر عظيم، لأن هذا يعني أن داعش بدأت في استهداف تجمعات الصوفية، وهنا يجب الإشارة إلي موالد الأولياء التي يشارك فيها مئات الآلاف من المصريين سيكونون تحت خطر الاستهداف، ستكون ساعتها حصيلة الضحايا فلكية، وهو ما يستدعي من الأجهزة الأمنية يقظة تامة في تأمين مثل هذه التجمعات". من جهة أخري، رأي أحمد بان، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أن الهدف الرئيس من الهجوم الإرهابي البشع علي مسجد الروضة هو الانتقام من أهالي القرية بسبب موقفهم الرافض لإيواء الإرهابيين أو التعاون معهم ضد الجيش والشرطة، وأضاف ل"آخر ساعة": "داعش فشل في سيناء وخسر المواجهة المسلحة أمام قوات الجيش والشرطة التي نجحت في توجيه ضربات قاصمة للتنظيم ومنع التمويل عنه، وهو ما دفع عناصر التنظيم للقيام بعملية مهاجمة مقر أحد البنوك في العريش الشهر الماضي، للحصول علي المال لتمويل عملياته، وأمام هذا التراجع الذي اتضحت شواهده للجميع بحث التنظيم عن نقطة رخوة لضرب مصر فكان استهداف المسجد". وأكد بان أنه من الخطأ الانجرار خلف محاولات داعش لتقسيم المجتمع المصري، فمرة يتم استهداف الأقباط ومرة يتم الإيحاء باستهداف الصوفية من أجل الفصل بين أعضاء المجتمع الواحد، لكن الحقيقة أن كل المصريين مستهدفون من قبل الجماعات الإرهابية التي أعلنت بفعلتها الأخيرة فساد عقيدتها ومحاولة تطبيق أفكار تكفير المجتمع التي تتضمن إباحة دماء المدنيين ومهاجمة المساجد باعتبارها بنيت علي أسس غير إسلامية بزعم التكفيريين، مطالبا الجميع حكومة وشعبا وأحزابا ومجتمعا مدنيا بالاحتشاد والاصطفاف خلف القيادة السياسية. من جانبه، حلل خالد الزعفراني، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان والخبير في الحركات الإسلامية، طبيعة الهجوم الإرهابي، مؤكدا ل "آخر ساعة" أن "الأفكار التي تروج لها الجماعات الإرهابية لم تتغير، فهي تقوم علي تكفير المجتمع واستحلال دماء المختلفين علي قاعدة البراءة منهم، لكن الهجوم الإرهابي علي مسجد الروضة يكشف عن تغير في أسلوب العمليات الإرهابية وأنها صارت أكثر عنفا وجراءة علي سفك الدماء، وهو يؤكد أن من قاموا بهذه العملية اعتادوا علي القتل بأعصاب باردة، وهو ما ينقلنا إلي نقطة مهمة وهي أن تنظيم داعش في سيناء استقبل عناصر من التنظيم الأم في سورياوالعراق، وهي العناصر التي فرت بعد هزيمة التنظيم في الدولتين إلي مصر مرورا بغزة". وأشار الزعفراني إلي أن إيحاء داعش بأنه يستهدف الصوفية فقط هو محاولة لإرباك الأجهزة الأمنية، لأن الإرهاب يستهدف الجميع دون استثناء، فعلي ما يبدو أن التنظيم وضع خطة جديدة تقوم علي استهداف النقاط اللينة مثل المساجد والكنائس هربا من الاشتباك مع قوات الجيش والشرطة، فالتنظيم لم يعد يملك القدرة علي تنظيم هجوم كبير كما كان يحدث من قبل، لذا سيسعي التنظيم إلي القيام بالمزيد من هذه العمليات لأنها تربك الدولة وتحقق للتنظيم التواجد الإعلامي". بدوره، ذهب صبرة القاسمي، مؤسس الجبهة الوسطية والخبير في الحركات الإسلامية، إلي أن مصر دخلت مواجهة مفتوحة مع خوارج العصر الذين يقتلون عشوائيا دون تفرقة بين مسلم أو مسيحي فالجميع عندهم سواء، وأضاف ل "آخر ساعة": "العملية الإرهابية الأخيرة تشكل تطورا كبيرا في الناحية العقائدية لدي الدواعش، إذ ثبت قيامهم بهذه العملية، ففي الماضي كنا نتحدث عن جماعة إرهابية تحاول أن تروج لنفسها بأنها تمثل صحيح الإسلام، أما الآن فلا يمكن تبرير هذا الفعل الحيواني تحت أي مبرر، هو خروج كامل علي الإسلام وقيمه، هو تطور في مسيرة التنظيمات الإرهابية إلي أسفل أي أن هذه الجماعات اقتربت إلي الحيوانية وتملكتها شهوة القتل، فلا يمكن لعاقل أن يدخل علي مصلين في مسجد ويطلق النار عليهم من الخلف وهم ركوع".