أسطي.. معلم »كسيب« ابن بلد مدقدق.. إيده تتلف في حرير.. يغزل برجل حصان.. عربي.. أصيل.. يدق في الخشب.. يطوع الحديد.. يغزل في قطن مصري طويل طويل التيلة.. يعلي الڤولت ويخفضه في الإلكترونيات.. أطاعته بخبرة جنيات فرعونية مازالت تجري في عروقه تقول للشيء.. كن.. بالعلم والمفهومية.. والله عليكم ياأسطوات.. بلدنا.. عانوا.. كما عاني أغلبية الشعب المصري من عهود.. استعمار وقهر واستغلال علي يد باشوات وقصر متواطئ مع مندوب سامي بريطاني.. كان يحكم حكامنا.. وحياتهم بنفس السهولة وغرور من يمتلك القوة وناحية العلم والحضارة.. واحتقار لعالم ثالث.. وجد فيه عمالة رخيصة وسوقا لمنتجات إنجليزية وصمت قدري.. تصور أنه الخنوع والقبول والاستسلام لمنطق من بيده العصا والهراوة والسجون ذات الأقبية الباردة المظلمة ولكن ذلك كان الصبر الجميل. وتلك كانت أيام التخزين للإطاحة بكل ما سبق.. خدعوك فقالوا إن المصري ضعيف.. مسالم منكب علي لقمة عيش تتحكم فيه وتجبره علي قبول ما لا يمكن للحر أن يقبله. ولكنه.. صبر من يمتلك مفتاح الثورة ولكن في زمان ومكان وظروف.. يقدرها هو ويختارها حتي لا يصيب الخراب أرض المحروسة وتعم الفوضي وتضيع حقوق الجميع..
قالوا عن مصر إنها أرض زراعية لا مكان للصناعة فيها.. لا أعرف ما علاقة الوادي بتحديد هوية دولة.. ما علاقة خبرة الفلاح الفصيح بقدرة السواعد والعقول المصرية الأصيلة علي فك طلاسم الحديد والصلب وتصنيع كل احتياجات الدولة بشعار كان فخر بلدنا في أوقات زهونا القومي.. نعم صنع في مصر بعد طرد المستعمر.. ودفع ثمن الكرامة والاستقلال بحروب وطنية أعادت لنا.. الكرامة وأن يحكمنا ابن بلدنا.. المعجون بطمي الأرض السوداء.. باحتياجاتها ومشاكلها.. وحق فقرائها.. في الراحة والاكتفاء بعد طول حرمان ومعاناة.. لا.. لم يكن المصري ناقص عقل ولا دين.. كان قادرا علي إدارة شئون بلاده إذا وجد الفرصة ووجد من يؤمن به ويحقق له المعادلة الصعبة.. العلم الذي يؤهله والقضية التي يؤمن بها.. وكان هذا شعار الثورة.. الانحياز للفقراء وإعطاء الفرصة للمواهب أن تتقدم بكفاءتها وعلمها.. وليس بشهادة ميلادها وتاريخ عائلتها.. وكانت فترة التصنيع الكبري.. وكان إيمان الدولة بدور العمال في التنمية وحقهم في أن يشعروا بأنهم ترس مهم وفاعل في تحقيق الرفاهية لهذا الشعب الصابر الحكيم. كانت تلك أيام عمال مصر الجميلة.. أيام ما كان لهم نقابة تدافع.. ومكان في مجلس إدارة يعدل المايل.. إذا مال بعيدا عن مصالح عمالها.. ويذكر من بيدهم الأمر.. بأنهم هم أساس المستقبل وهم من يوفرون احتياجات مصر المحروسة.. بهذا الشعار الجميل.. صنع في مصر.. بعيدا عن احتكار الشركات الأجنبية وتحكم من بيده أن يمنح وأن يمنع ويتحكم بعد ذلك في حياتنا وقراراتنا.. نعم.. رفضوا هذا السيناريو المخزي.. المتكرر.. وقرروا وقررنا معهم.. أن نعيش علي ما صنعت أيادينا.. من الإبرة إلي الصاروخ.. كان هذا شعار عمالنا.. ألا نحتاج إلي سؤال اللئيم. وهم كثر ينتهزون الفرصة ليعوضوا ما أخذ منهم ويعودوا أسيادا لهذا الوطن الحر.. باحتياجاتنا لهم.. وبقدرتهم مرة أخري علي المنع والمنح..
تلك أيام العمال.. الجميلة.. الشريفة.. الناصعة البياض.. كانوا رأس حربة الاكتفاء الذاتي.. وظهر علينا العامل المثقف.. المتعلم الذي يهتم بشئون بلده.. فهي التي أعادت له حقوقه.. كرامته.. ووضعه في مجتمع يحترم كل ما يأكل من نتاج يديه.. تلك أيام التدليل للعمالة المصرية.. تلك كانت أيام الرفاهية والكرامة والقدرة علي تلبية حاجة البيت وأم الأولاد.. وتزويج البنات وضمان فرصة لعمل الأولاد.. أبناء الأسطوات سواء اختاروا تكملة مشوار الأب في التصنيع.. أو الهرولة علي مدرجات العلم والشهادات العليا.. للمساهمة في دفع عجلة التصنيع لتواكب التطور العلمي والتكنولوجي كل هذا ومستقبل الوطن علي طرف اللسان وبجانب دقة القلب المؤمنة.. بأن مصر تستحق منا كل هذا العطاء. كان رئيس الشركة والمصنع يعرف أن الأصل هم الأيدي العاملة وهو ليس إلا قائدا يوجه ويشجع ويحفز.. لم يشعر أبدا أنه الباشا الجديد.. حامل الكرباج.. المانح.. المانع.. المسيطر علي »قوت هؤلاء الأسطوات«.. كانت الرؤوس متساوية.. والأهمية مقسمة علي الاثنين وكلنا خدام هذا الوطن.. كان هذا وقت الرفعة الوطنية.. العامل والمصنع.. ومن بينهم غنينا جميعا بفخر وعزة.
قالها الباحثون.. المتخصصون.. تلك أيام العمالة المصرية.. ولكن دوام الحال من المحال.. تغير الحكم.. وتغيرت معه الأحوال.. ولأن الناس علي دين ملوكهم.. ومعها السياسات والتوجهات انقلبت سياسة الدولة.. كالشراب.. من اشتراكية واقتصاد موجه وسيطرة الدولة علي المشروعات والصناعات ومعها المسئولية السياسية في توفير احتياجات هذا الشعب بكل ما يحتاجه وكل ما تحتاجه الدولة.. لتكون دولة مسيطرة علي أدوات إنتاجها ولا تعود لعصر سيطرة رأس المال علي الحكم. كم دفعنا من ثمن.. لنتخلص من هؤلاء الباشوات.. أصحاب السيطرة والهيمنة علي المنح والمنع.. شد السوق ياباشا.. عطش السوق يابيه.. حط رأس الحكومة في »الوحل« إذا فكرت في تقليص الأرباح ودافعت عن حقوق العمال أصحاب الجهد الحقيقي في وصول تلك الأرباح إلي الكروش المتضخمة.. استغلال وسلب ونهب.. تلك كانت أيام الذل والهوان.. وربنا لا يعيدها أيام.. لا أحد يتهم.. أحدا.. بأنه تعمد أن تعود تلك الأيام السوداء علينا.. البيضاء علي (القلة المستفيدة). ولكن جل من لا يخطئ.. والطريق إلي الكارثة مفروش (دائما) علي ما أظن بكثير من النوايا الحسنة.
افتح السوق.. حاضر.. إعطي الفرصة للقطاع الخاص.. نعمين.. المال الخاص يشارك في التنمية.. والله أجدع كلام.. الحكومة لها المسئوليات الكبري لا يجب أن تضيع جهدها وقتها ومالها.. في المشاريع الصغيرة التافهة.. كلام جميل وكلام معقول ما أقدرش أقول حاجة عنه والله زمان ياليلي مراد.. ولكن لأن الدنيا.. تتغير (حبة.. حبة) وتاتا.. تاتا.. حتي لا نفعل مثل القروي الذي تبهره المدينة.. فيأتي لأهله بمصيبة.. كان لابد من التروي وخطط السنوية ثم الخمسية ثم إعداد السوق.. ووضع السياسات.. وهضم المجتمع والناس للسياسات الجديدة.. التي بالقطع التي كانت ناجحة في مجالات كثيرة وفشلت فشلا ذريعا في مجالات الأخري.. فما كان للدولة أن تسلم رقبتها.. لرجال عادوا ليعوضوا ما فاتهم.. هدفهم كان الربح السريع.. أنا ومن بعدي الطوفان وكانت النتيجة.. انفتاح السداح.. مداح.. والمشاريع الاستهلاكية.. وانفلات الأسعار وظهور (تيكونات) الانفتاح التي لم تكن مصلحة الوطن من أولوياتهم ولا البعد الاجتماعي وجد له مكانا في أجندتهم العلنية ولا الخفية.. أما عن حقوق العمال.. فرقصت علي السلم.. ولكنهم كانوا ومازالوا يطفون علي سطح بحار الحكومة.. التي لم تكن قد وقعت في سحر العولمة وشعار العالم قرية صغيرة والشركات متعددة الجنسيات.. وأوامر البنك الدولي وأجندته الظاهرية لنقل المجتمعات التقليدية إلي العالم السحري لقوانين السوق. ولم نتعلم من تجارب أمريكا اللاتينية ومن إفلاس اقتصادهم وتدني أحوال معيشتهم.. لا لم يكن الدرس واضحا وقاسيا أو كما نفكر دائما.. إن المصائب لا تحدث ألا للآخرين.. فمصر كانت وستظل محروسة.. ولكن دارت الأيام وتغيرت الأحوال والسياسات والظروف شالتنا أيام وحطتنا أخري.. إلي القاع.. الأجور تجمدت والأسعار ارتفعت وعاد وحوش البيزنس يطالبون بما فاتهم من عصر.. كان يعطي بوعي ما.. ويدرك أهمية سيطرة الدولة علي صناعاتها الأساسية فهي حزام أمان (أمننا القومي).. ومرة أخري لا أشكك في النوايا والبني آدم خطاء.. وجل من لا يسهو.. ولكن السحر هذه المرة.. كان مرا.. بجد.. تناست الحكومة ومعها لجنة تحديد الأجور أن تجتمع ولو مرة كل خمس سنوات لتتعرف علي قدرة راتبها علي الإيفاء بضرورات المعيشة.. فما كان يشتريه الجنيه.. انخفض وأصبح المرتب لا يكفي لإخفاء العورة عن عيون الجيران.. العراة أصلا.. لم تهتم الدولة بتطوير المصانع ولا إعطاء حصص تقوية للعمال حتي يواكبوا التطور في مجالهم.. تركوا القطاع العام للنهب والسلب والإهمال ونسوا جملة إحلال وتجديد.. ثم اتهموا العامل بالكسل وأنه لا يعمل ألا دقائق في اليوم ومن ثم لا يستحق نظرة عطف توائم ما بين التضخم والمرتبات.. ونزل العمال من عليائهم.. عادوا.. رعايا لا مواطنين.. انتهت أيامهم الحلوة.. وبدأت بعدها حياتهم المرة.. كانوا أصحاب المصانع.. عرقهم حط الطوبة علي طوبة.. إحساسهم بأنهم أصحاب ملك.. خافوا علي القرش والصنعة والمنتج المحلي.. ضاع هذا الإحساس تماما.. وأصبحوا إجراء.. همهم أن يقبضوا آخر الشهر ويذهب الانتماء وأحلام الخطط الخمسية إلي الجحيم.. إذا كانت الدولة لا تهتم.. فلماذا نهتم نحن.. وأهي ماشية.. ولكن في الحقيقة.. لم تكن ماشية كانت ذاهبة إلي كروش المستثمرين الجدد.. وما أدراك ما هم.. غيلان بألف وجه ووجه.. لا لم تكن الحكومة تتصور أو يخطر علي بالها أو هكذا أظن وأتمني في نفس الوقت أنهم كانوا يخططون إلي القضاء علي الصناعة الوطنية.. وبدأ عهد التنكيل بالعمال.. يأتي المستثمر الأجنبي بقناع التجديد والإحلال.. ودخول عصر التكنولوجيا الحديثة.. وكانت الدولة منتبهة وكان الشرط الذي أكدت عليه.. إياك والعمالة وحقوقها.. هذا خط أحمر.. حاضر سيدي من العين دي.. للعين دي.. بس نتمم البيعة.. وعواد باع أرضه ياولاد.. وظهر الوجه القبيح للمستثمر الأجنبي إياه قفل علي كل المواضيع والمصانع وخطوط الإنتاج.. وشرد العمال.. وضحك عليهم بملاليم المعاش المبكر.. ثم تشد نظرك علي أصحاب المؤهلات العليا.. ليعملوا في سخرة العمالة الرخيصة.. بمرتبات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع.. كل ذلك بإعلانات مريبة توائم ما بين البطالة والنوم علي الرصيف أو رمي الشهادة في أقرب مقلب زبالة.. والرضا بالعمل اليدوي.. ولكن إذا كان هؤلاء سيعملون كعمال.. أين تذهب العمالة؟ ولم نسمع إلا كلمة.. بيع.. باع.. يبيع.. وخرجت العمالة المدربة إلي الشارع والرصيف تشكو حالها.. حتي أفاقت الحكومة أخيرا وقالها النائب د.زكريا عزمي صراحة أي شاهد من أهلها.. الخصخصة بتلك الطريقة جريمة.. وكثير من المستثمرين ما هم إلا حرامية.. كي. جي. تو..
كانت فترة بيات شتوي للعمال المصريين أبناء الأسطي حسن.. الكسيب.. ابن البلد.. اللي يعرف قيمة مصنعه وبضاعته وصنعة يديه.. وأفاق في يوم جميل.. علي من يسرقون منه قوت يومه.. ومستقبل ولاده ويهدون مصنعه ويمحون تاريخه وحياته كلها. وقال.. لا.. والحقيني ياحكو.. مه.. الباشا الخواجة.. بيقفل المصنع ويبيعه بالمتر والحقيني ياحكو.. مه!! واصرخي معايا.. عواد باع أرضه.. ياولاد.. شوفوا طوله وعرضه ياولاد.. ياولاد غنوا له.. ياولاد.. علي عرضه وطوله ياولاد..